الانتخابات الأميركية اقتراع لا يمكن للروس أن يفوزوا به

2020-11-02

دفع البعض في الكرملين إلى وقفة تأمل قبل القيام باستيعاب كامل لفكرة ولاية ثانية لترمب

أوليفر كارول:

فاز قبل أربع سنوات المرشح الذي رغب به الكرملين. وخلافاً لكل استطلاعات الرأي والتوقعات، فإن "صانع الصفقات" الذي أراد "التفاهم" مع فلاديمير بوتين، هزم هيلاري كلينتون ذات النوايا غير الودية تجاه موسكو. وكانت صورة فلاديمير جيرينوفسكي الاستعراضي القومي المخضرم، الذي كان "ترمب روسيا" حتى قبل ترمب نفسه، وهو يحتسي الشمبانيا احتفالاً  بالفوز، من أهم ذكريات تلك الليلة في موسكو. إن القول بأن الأمور لم تسر على ما يرام منذئذ، هو في الواقع تقليل من حجم الحقيقة.

من المؤكد أن ما أتت به رئاسة ترمب، الفوضوية والصاخبة، في جبهة واحدة: هو تقسيم العدو العظيم (من وجهة نظر روسيا) . فقد خلق حالة من الاستقطاب في الولايات المتحدة، وقام بتقويض الناتو وإعادة صياغة التحالف بين ضفتي الأطلسي. كما قلص من تورط الولايات المتحدة في الصراعات، وسمح لروسيا أن توسع دائرة نفوذها.

بيد أن الوجه الآخر للعملة كان مصدر جنون، حيث دفع البعض في الكرملين إلى وقفة تأمل قبل القيام باستيعاب كامل لفكرة ولاية ثانية لترمب.

إن الأساسيات في السنوات الأربع الماضية لم تكن جيدة لروسيا. فقد تعرضت لاتهامات بالقرصنة الإلكترونية، كما أجري تحقيق حول النفوذ الروسي، وعملية المساءلة بهدف عزل الرئيس، كل هذه العوامل أدت إلى إبقاء روسيا في صدر الصفحات الأولى لوسائل الإعلام الأميركية، وجعلتها نصب أعينها على الدوام، في حلقة إخبارية هستيرية. ولم تنفع الصداقة مع الرئيس الكبير في حماية موسكو من عقوبات شتى فرضها عدد من المؤسسات التي تدير السياسة الخارجية الأميركية.

علاوة على كل هذا، كانت هناك الفوضى المحضة التي تسود العمل مع إدارة ترمب. واشتكى مسؤولون روس من أنهم لم يكونوا يعرفون من كان ينبغي بهم التحدث إليه. وحين كانوا يتواصلون مع الجانب الأميركي غالباً ما تنتهي المحادثات بمواجهة صاخبة في الصراخ. وقد اشتكى الروس من هذا الوضع، موضحين أن العلاقات الأميركية- الروسية لم تكن سامة إلى هذه الدرجة من قبل. وقد اتفق معهم الأميركيون حول هذه المسألة، على الأقل.

وفي مناظرتهما الختامية الأسبوع الماضي، ادعى كل من جو بايدن وترمب أن خصمه هو المرشح الذي يريد الكرملين أن يراه في البيت الأبيض. وقد يكون كلاهما على حق، لأسباب مختلفة. وطبقاً للمحللة السياسية المؤثرة، تاتيانا ستانوفايا، فإن النخب الروسية حالياً منقسمة في الواقع حول أفضل نتيجة محتملة للانتخابات الرئاسية الأميركية. 

في هذا السياق، تحدد ستانوفيا أربع مدراس فكرية هي: أقلية متزايدة ما زالت تعتقد أن ترمب هو مرشحها المفضل؛ المجموعة التي ترى أن ترمب هو وسيلة لنشر الفوضى في الغرب؛ وآخرون يظنون أن افتقار إدارة ترمب إلى الاحترافية من شأنه أن يلحق الأذى في نهاية المطاف بالمصالح الروسية؛ وأخيراً، هناك أعضاء النخب ممن يعتقدون أن علاقات رهيبة مع الغرب هي هدف ينبغي العمل على تحقيقه كأداة للدفع بأجندة محافظة على نحو أكبر في الداخل.

وترى ستانوفيا أنه ليس هناك منطق سائد في أروقة السلطة في موسكو. وتقول إن "كثيرين في دائرة بوتين يتراكضون هنا وهناك وهم يضعون رؤوسهم في أيديهم حين يرون ما يفعله ترمب". وتضيف أن "العلاقات الأميركية قد نظمت في الماضي من قبل مدارس دبلوماسية متقدمة، بيد أن أحداً لا يحتاج ذلك الآن".

وليس القصد من كل ما سبق القول موسكو ليست قلقلة حيال بايدن، وهو المعروف جيداً بآرائه المتشددة حيال الكرملين. ويحمل بايدن، باعتباره نائباً سابقاً للرئيس، ندوباً خلفتها المحاولة الفاشلة التي رمت إلى "إعادة ضبط" العلاقات، وأعقبها بروز موسكو كجهة معطلة في ميادين السياسة الخارجية. كما أنه كان مسؤولاً عن ملف السياسة المتعلقة بأوكرانيا على امتداد فترة الحرب التي خاضتها ضد روسيا، ولم يدع أداؤه على هذا الصعيد أي شك بشأن الجهة التي كان يتعاطف معها.

ويتذكر الكرملين زيارة رسمية قام بها بايدن إلى موسكو في 2011 بصفته نائباً للرئيس الأميركي، والتقى خلالها بناشطين في مجال حقوق الإنسان، وبدا أنه يدعم ضمناً مطالبة ديمتري ميدفيديف بالرئاسة أكثر من تأييده فوز بوتين الذي كان وقتذاك رئيساً للوزراء. وفي مقابلة أجرتها معه مجلة "نيويوركر" في 2014، قال نائب الرئيس السابق، إنه كان قد أبلغ العميل السابق في جهاز الاستخبارات السوفياتية " كي جي بي" (بوتين) أنه "لا روح لديه". ولربما أخذ الرئيس بوتين هذه الإهانات الموجهة إليه علناً، بشكل شخصي.

وترى المعلقة السياسية ماريا ليبمان أن "الرئيس الروسي يمكن أن يحمل ضغينة وهذا في حد ذاته يبدو كافياً تماماً لتشكيل رأي سلبي".

غير أننا في الوقت نفسه، لم نر لحد الآن أي قدر من الحقد والتوجس يعادل ما ساد خلال الفترة التي كان من المتوقع أن تفوز فيها هيلاري كلينتون بالرئاسة قبل أربع سنوات.

وفي مقابلة أجراها معه التلفزيون الحكومي بمناسبة عيد ميلاده في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، بدا الرئيس الروسي  وهو يرفع غصن الزيتون للمرشح الديمقراطي. واعتبر بوتين في ذلك الحوار أن الكرملين يشاطر حزب بايدن "قيماً مشتركة". فكلاهما شجع على تطبيق الديمقراطية الاجتماعية، وهذا ما فعله هو أيام شبابه كعضو في الحزب الشيوعي. وقوبل التدخل الغريب بصورة كلية بنوع من الحيرة في روسيا. وباعتبارهم دأبوا على التشديد على قضايا حقوق الإنسان، كان ينظر للديمقراطيين (الأميركيين) على مستوى أساسي للغاية، أنهم يمثلون حزباً أقل تعاطفاً مع المصالح السوفياتية من الحزب الجمهوري.

بوتين وبايدن

وبالمقارنة مع التشجيع المتحمس الذي قدمته له خلال الحملة الانتخابية الماضية، تبدو آلة الدعاية الحكومية الروسية بالكاد ملتزمة تأييد ترمب. 

تحظى حتماً زاوية محددة في الانتخابات الأميركية بالاهتمام في روسيا، وهي المخالفات المفترضة التي يعاني منها النظام الانتخابي الأميركي. وقد يصبح ذلك أمراً أكثر أهمية في حال جاءت النتائج متقاربة. وخلافاً لذلك فإن تغطية الانتخابات سطحية، خفيفة الظل، بعيدة كل البعد عن مواقع الصدارة في نشرات الاخبار، ولا تركز على الشخصيات المعنية بهذه الانتخابات.

وتنعكس هذه التغطية الإعلامية الخجولة من خلال الآراء الضعيفة بين عامة الناس في روسيا. ففي انتخابات 2016، كانت روسيا هي الوحيدة، من أصل 45 دولة، التي أيدت ترمب ضد كلينتون، وأيضاً اعتبرت غالبيتها الساحقة الانتخابات الأميركية أكثر الأحداث أهمية خلال العالم كله. لكن هذه المرة، فإن الغالبية الساحقة في روسيا لا تبالي بها. وطبقاً لنتائج استطلاع للرأي أجراه مركز "ليفادا" فإن 65 في المئة من المشاركين أفادوا بأنهم لا يعتقدون أنه سيكون لنتائج الانتخابات أي تأثير مهم على علاقات الولايات المتحدة مع بلادهم.

من الصعب ألا يخلص المرء إلى أنهم محقون في أجوبتهم. وبغض النظر عمن سيفوز في انتخابات 3 نوفمبر (تشرين الثاني)، يبدو أن من الحكمة توقع بقاء مستوى العداء مرتفعاً. فإذا فاز ترمب، ستظل روسيا أشبه بالأداة التي تنفع لتوجيه الضربات للشخص الاستعراضي، الكثير الأخطاء (ترمب). أما إن كان الفوز من نصيب بايدن، وحتى إذا اعترف ترمب بهزيمته أمامه، فلن يكون من السهل أن يحكم ويقنع مجلس النواب الأميركي بالتخلي عن الموقف العدائي الحالي لأعضائه (حيال روسيا).

وتقول ليبمان "أضحت السياسة شريرة للغاية على الجانبين، بحيث إنها صارت دورة تحقق ذاتها". وتضيف "لقد تجاوزنا المرحلة التي كان فيها ظهور شخص واحد قادراً على تغيير أي من هذا".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي