بطل الغابة في إندونيسيا.. شجر نخيل السكر النموذج الملهم لاستثمار الموارد المتجددة

2020-10-29

يمكن لشجرة نخيل السكر الواحدة أن توفر أكثر من 60 نوعا مختلفا من المنتجات (شترستوك)

في نموذج تنموي متكامل ثوري ومبهر يقوم على استثمار الموارد الطبيعية المتجددة بطرق متوافقة مع البيئة، كان مشروع "ذا فيليج هاب" (The Village Hub) الذي أنشئ اعتمادا على شجر نخيل السكر في شمال سولاوسي (Sulawesi) بإندونيسيا.

من خلال هذا المشروع، طُوّر نموذج تعاوني اجتماعي لتنشيط الغابات، وتوليد الطاقة، وخلق فرص عمل، وحماية البيئة، ولهذا السبب تلقب شجرة نخيل السكر ببطل الغابة.

حتى آخر قطرة

النموذج مبني على جانبين بيئي واجتماعي، في الجانب البيئي، يُستثمر مورد طبيعي متجدد بشكل كامل، وبطرق متوافقة مع البيئة، وغير ضارة بها، وهذا المورد هو نخيل السكر، والذي يتم بالتوازي مع الحفاظ على الغابات المطيرة في الوقت نفسه.

وعلى الجانب الاجتماعي يثمر ذلك توفير دخل مستدام من خلال تمكين الناس في المناطق النائية بإندونيسيا من الحصول على 60 منتجا متنوعا من هذا المورد المتجدد المتوافر في قراهم.

وللقيام بذلك تم إنشاء مشروع "ذا فيليج هاب" من خلال "مؤسسة ماسرانغ" (Masarang Foundation) الأهلية، التي أسسها عالم الغابات والأحياء الدقيقة، الناشط في مجال حماية الحيوانات ويلي سميتس (Willie Smits)، في إندونيسيا عام 2001.

وذلك بهدف إيجاد حلول لأكثر المشاكل العالمية إلحاحا في عصرنا وهي إزالة الغابات وفقدان التنوع البيولوجي وتغير المناخ والفقر والتخلف. وحصل المشروع على دعم الحكومة الإندونيسية.

ويقوم المشروع بشكل أساسي على حصاد العصير بشكل مستدام من نخيل السكر من أجل إنتاج الإيثانول النظيف والسكر الصحي وتوفير الكهرباء ومياه الشرب ويتمحور ذلك حول مصنع السكر الحاصل على براءة اختراع.

ويقوم المصنع بجمع النسغ (السائل) من نخيل السكر وتحويله إلى سكر بخصائص فريدة، وفقا لطرق صديقة للبيئة. كما أن المشروع حُسّن في السنوات الأخيرة ليصبح النظام بأكمله خاليا من النفايات، فكل منتج متبق، مثل الحرارة والنفايات العضوية وغيرها، هو مدخل لعملية أو منتج آخر.

العديد من الوظائف للمزارعين

ساعد المشروع في رفع المستوى التعليمي والاجتماعي للسكان المحليين، فبعدما كان يجبر الناس في بعض الأحيان على العمل كحطّابين غير قانونيين بسبب الفقر، أصبح الأمر مختلفا.

وتمكن العديد من المزارعين من زراعة نخيل السكر فيما تبقى من الغابة، الأمر الذي مكّنهم من معالجة كميات كبيرة من عصارة السكر. وبالتالي تحسين معيشتهم والحصول على كسب أفضل والحفاظ على الغابة في الوقت نفسه.

هذا، إضافة إلى أن عملية حصاد النسغ الثمين من الأشجار هي عملية يدوية، وبالتالي فهي توفر العديد من فرص العمل للمزارعين المحليين.

فالمزارع الواحد مسؤول عن حوالي 6 أشجار. ويعد دخل جامعي النخيل أعلى بكثير من دخل صغار المزارعين العاديين.

ونتيجة لزيادة الدخل، أصبح الأطفال قادرين على الدراسة والهرب من الفقر، وأصبح المزارعون كذلك أقل ميلا لدعم قطع الغابات المطيرة بشكل غير قانوني.

ويقول دكتور سميتس، خلال الفيلم الذي أخرجه ريموند هارتمان عن المشروع عام 2013 بعنوان (Village Hub: A Sweet Sustainable Solution)، إنه بالرغم من أن أنشطة ماسرانغ تحدث في إندونيسيا، فإنها تلعب دورا عالميا.

فالمشاكل في إندونيسيا لها تأثير على الكوكب بأسره. فإزالة الغابات المستمرة تؤدي إلى انبعاثات هائلة من ثاني أكسيد الكربون مع عواقب وخيمة على تغير المناخ والبيئة. وتتعامل ماسرانغ مع هذه القضايا وتعمل على إيجاد حلول مستدامة على المدى الطويل.

إعادة زراعة الغابات المطيرة

وتتميز شجرة نخيل السكر بأنها لا تزيل العناصر الغذائية من التربة بالطريقة التي تقوم بها النباتات الأخرى، ولحصدها، لا يلزم الأمر قطع أي فواكه أو أغصان، وتتم عملية حصادها على مدار العام.

كما تنمو شجرة نخيل السكر على أنواع مختلفة من التربة الفقيرة وعلى منحدرات شديدة لا يمكن استخدامها كأراضٍ زراعية. ونظرا لنظام جذورها العميقة، فإنها توفر حماية ممتازة ضد تآكل التربة، كما أنها مقاومة للحريق والفيضانات. ولأن شجرة نخيل السكر تنمو فقط في غابة متنوعة فهي تساهم في الحفاظ على التنوع البيولوجي.

وبعد بضع سنوات من زرع شجرة نخيل السكر، يمكن الحصول على كمية يومية من العصير منها، عن طريق قطع شريحة رقيقة من أحد الأفرع، لتنتج الأشجار الناضجة 20 إلى 30 لترا يوميا، وبعضها يزيد على 50 لترا، بتركيز سكر يبلغ حوالي 11%.

الطاقة التي ينتجها نخيل السكر يوفر طاقة أكثر بـ 3 مرات من قصب السكر (شترستوك)

منتجات متنوعة وسكر صحي

ويمكن لشجرة نخيل السكر الواحدة، توفير أكثر من 60 نوعا مختلفا من المنتجات، بدءا من الوقود الحيوي والسكر إلى الألياف القوية للغاية المستخدمة في الأسقف والأدوية والخشب ذي الجودة العالية بعد انتهاء دورة حياة الشجرة.

كما تتفوق كمية الطاقة التي ينتجها نخيل السكر على جميع المحاصيل الأخرى، فهو يوفر طاقة أكثر بـ 3 مرات من طاقة قصب السكر. ويتكون سكر النخيل من عصارة نخيل أرينغا الإندونيسي (Arenga Pinnata)، وله نكهة خفيفة تشبه الكراميل وليست حلوة مثل قصب السكر.

وفي حين أن السكر العادي يمكن أن يؤدي بسهولة إلى السمنة ومرض السكري، فإن سكر النخيل لا يسبب ذلك. ويعود ذلك إلى الامتصاص البطيء في الدم الذي يمنع الارتفاع غير الصحي لمستويات السكر بالدم، كما يحتوي سكر النخيل على مضادات الأكسدة والأحماض الأمينية والفيتامينات التي لها تأثير إيجابي على صحة الإنسان.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي