ميديا بارت: المال الليبي.. ما تكشفه لائحة الاتهام الجديدة لساركوزي

2020-10-22

الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي

قال موقع ميديابارت (Mediapart) الفرنسي إن الأسباب الدقيقة -التي اطلع عليها- لتوجيه الاتهام من جديد لنيكولا ساركوزي بشأن ملف التمويل الليبي، تكشف وحدها مدى خطورة الوقائع المنسوبة للرئيس الفرنسي الأسبق في قضية دولة استثنائية، ربما تكون من أخطر القضايا خلال العقود الأخيرة بسبب آثارها المالية والسياسية والدبلوماسية التي بدأت تتكشف.

وقال الموقع إن ساركوزي قرر -أمام القضاة والعناصر التي قدمها المحققون على مدى سنوات- أن يبني دفاعه على "الفطرة السليمة" للقضاة، مظهرا أنه مضطر للتخلي عن أقرب مقربيه، كالوزير السابق كلود غيان وبريس أورتفو، ومساعده السابق تييري جوبير وعميله السري برنار سكوارسيني، حسب مقتطفات أولية من محضر جلسة الاستماع التي كشفت عنها الصحافة.

سابقة في تاريخ القضاء

وقد وجهت إلى الرئيس الفرنسي السابق يوم الاثنين 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري تهمة "الانتماء لعصابة من الأشرار" في القضية، بعد أن كان قد اتهم فيها قبل عامين بـ 3 تهم جنائية أخرى، هي "الفساد" و"التكتم على اختلاس الأموال العامة" و"التمويل غير المشروع للحملة الانتخابية".

وقال الموقع إن اتهام رئيس سابق بـ"الانتماء لعصابة إجرامية" سابقة لا مثيل لها في تاريخ القضاء الفرنسي، "خاصة في قضية تتعلق بشبهة فساد منسوبة لديمقراطيتنا من قبل دكتاتورية، مثل ليبيا الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي".

وقد أخبر قاضيا تحقيق مختصان في مكافحة الفساد، ساركوزي بلائحة الاتهام بعد 44 ساعة من الاستجواب على مدى 4 أيام، وهي تشمل، مشاركة ساركوزي منذ عام 2005 في تشكيل مجموعة أو في اتفاق يهدف إلى القيام بوقائع مادية يعاقب عليها بالسجن لمدة 10 سنوات.

وقد لخّص الموقع هذه الوقائع في اختلاس أموال عامة من قبل موظف عمومي إضرارا بالدولة الليبية، وجرائم رشوة من قبل موظفين عموميين، إضافة إلى تبييض هذه الجرائم.

وأشار تقرير الموقع إلى أن ساركوزي ترك العمل لمساعديه المقربين مثل كلود غيان وبريس أورتفو اللذين شغلا مناصب عديدة إلى جانبه، وكبعض عملائه غير الرسميين مثل زياد تقي الدين وألكسندر جوهري.

ولخّص الموقع أفعالهم التي يعاقب عليها القانون حسب القضاة، في العمل من أجل الحصول على دعم مالي لتمويل حملته الانتخابية، وكذلك لقاءات سرية ومقابلة مساعدين رسميين لمعمر القذافي، وتحويل أموال عامة نقدا من ليبيا إلى فرنسا عبر حسابات خارجية.

وأوضح الموقع أن كل هذه الأموال كانت بمقابل دبلوماسي كعودة ليبيا إلى الساحة الدولية ودعوة معمر القذافي إلى فرنسا، وبمقابل اقتصادي كعقود بيع معدات فرنسية لمراقبة الأراضي الليبية، والتزامات تتعلق بالطاقة النووية المدنية وعقود لاستغلال النفط مع شركة توتال، فضلا عن مقابل قانوني كالوعد برفع مذكرة توقيف مسؤول المخابرات الليبي عبد الله السنوسي.

ساركوزي كانت له علاقات وطيدة مع القذافي قبل أن ينقلب عليه ويشارك في حملة عسكرية للإطاحة به 

أدلة مادية

ويرى الموقع أنه بالرغم من أن ساركوزي يفترض أنه بريء في هذه الحال وينفي ارتكاب أي مخالفة، وقد ندد أمام القضاة بالتحقيق ووصفه قبل شهور بأنه "مؤامرة"، فإن القضاة، كما يتضح من أسباب لائحة الاتهام، يعتبرون أن لديهم "أدلة مادية" كافية لمحاكمة الرئيس السابق الذي سيحاكم أيضا في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بتهمة "الفساد" في قضية أخرى.

ويبدو أن نيكولا ساركوزي أصبح عالقا في كماشة القضاء، وقد ورطه في ذلك الأفعال التي ارتكبها "باسمه" -وفقا للقضاء الفرنسي- كلود غيان وبريس أورتفو، وكذلك بسبب ما قام به هو نفسه عندما كان وزيرا للداخلية أو رئيسا للجمهورية، من رعاية لمصالح ليبيا القذافي دون مبرر.

ونبه الموقع إلى أن ساركوزي تعرض لانتقادات عديدة، وهو في أعلى المناصب بسبب "تركه" غيان وأورتفو يتفاوضان مع الدكتاتورية الليبية بشأن التمويل الليبي السري لانتخابات 2007 الرئاسية والذي كان مصدر الثراء الشخصي لكلود غيان، وفقا لاستطلاع.

وقد ذهب غيان بصفته مديرا لمكتب ساركوزي، وأورتفو بصفته وزيرا مندوبا عنه إلى ليبيا للقاء هناك سرا بعبد الله السنوسي، رئيس المخابرات الليبية، الذي قال فيما بعد إن هذه اللقاءات كانت مقدمة لتأسيس تمويل خفي لصالح فريق ساركوزي.

وكان السنوسي -عندما قابله غيان وأورتفو من خلف ظهر الدبلوماسية الفرنسية- مطلوبا منذ 6 سنوات بموجب مذكرة توقيف صادرة عن فرنسا، بعد أن حكم عليه بالسجن المؤبد لقيامه بتنظيم هجوم على طائرة ركاب تابعة لشركة "يو تي آي" التي قتل فيها 170 راكبا، أي أنه باختصار كان إرهابيا، حسب الموقع.

ويشدد نيكولا ساركوزي على أنه بعيد تماما عن هذه القضية، قائلا "لم أطلب مثل هذا الاجتماع أبدا، ولو سئلت عن رأيي فيه، لرفضته بوضوح، ولو سئلت هل كان خطأ لقلت نعم. لقاء السنوسي (كان) خطأ، والذهاب مع زياد تقي الدين إلى عبد الله السنوسي خطأ. فالسنوسي مطلوب من قبل العدالة الدولية. وليس لدينا اتصال به.. إنه مجرم".

جدير بفيلم تجسس

أما ما يحز في نفس غيان الآن-حسب الموقع- فهو أنه كرس حياته المهنية بالكامل لساركوزي وهو الآن يتبرأ منه بشدة، خاصة أن ابنه فرانسوا غيان حذره عام 2013 في رسالة قال له فيها "أؤمن كثيرا بنظرية كبش الفداء، ولا أعتقد أن هذا يزعج رئيسك السابق.. عليك التفكير مرتين يا أبي".

وذكّر الموقع بأن صديقا مقربا لساركوزي يدعى تييري جوبير، تلقى بعد أيام قليلة من اجتماع السنوسي مع أورتفو عام 2005، مبلغ 440 ألف يورو من المال الليبي في حساب مخفي في جزر الباهاما، عبر الوسيط زياد تقي الدين، ونقل المال في فبراير/شباط 2006، وتلاه سحب ما لا يقل عن 200 ألف يورو نقدا من قبل جوبير نفسه على الأراضي الفرنسية في عام 2007.

ومع أن ساركوزي نفى للقضاة أي علاقة له بجوبير "بعد 1996″، فإن مداهمة شقة تييري جوبير في أوائل عام 2020، كشفت للشرطة الدليل -الرسائل الشخصية والدعوات والهدايا وما إلى ذلك- على أن الرجلين لم يتوقفا عن التواصل.

وفي جانب آخر من قضية التمويل الليبي، توجد شبكة "صالح" التي سميت على اسم بشير صالح، رئيس الأركان السابق للقذافي الذي يُشتبه في أنه أشرف على جزء من التمويل السري للحملة، والتورط في الإثراء الشخصي لكلود غيان الذي تلقى في مارس/آذار 2008، مبلغ 500 ألف يورو لمساعدته في شراء شقة بباريس.

وخلص الموقع إلى أن هذه العملية التي تستحق أن تكون فيلم تجسس، تم تنظيمها وتوجيهها من قبل رئيس المخابرات الداخلية الفرنسية، برنار سكوارسيني، وهو صديق مقرب آخر لساركوزي ما زال يتردد في تركه هو الآخر لإنقاذ نفسه من الفخ القانوني الذي بدأ ينطبق عليه الآن.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي