"إميلي إن باريس" صور كاريكاتيرية لمدينة الأنوار

2020-10-20

المسلسل مليء بالكليشيهات

باريس - يحقق مسلسل “إميلي إن باريس” عن أميركية شابة تنتقل إلى العاصمة الفرنسية للعمل، نجاحا كبيرا عبر منصة “نتفليكس”، غير أنه يثير تحفظات متابعين ونقاد يرون فيه ترسيخا لصور نمطية تنطوي على مغالطات أو مبالغات بشأن أسلوب الحياة في المدينة وطباع سكانها.

فبعد “آن أميريكن إن باريس” و”فاني فايس” و”مولان روج” و”أميلي بولان”، يعيد العمل الجديد تقديم نظرة رومانسية عن “مدينة الأنوار” لكن بقالب حديث يحاكي لغة العصر في زمن وسائل التواصل الاجتماعي.

وقد أثار المسلسل المؤلف من عشر حلقات حفيظة أكثرية النقاد الفرنسيين الذين ساءهم ما اعتبروه تضخيما لصور نمطية عن الباريسيين من خلال إظهارهم كأناس غير لطفاء مع الجيران أو الزبائن، أو كزملاء عمل متعجرفين وكسالى وحتى متحرّشين بزميلتهم الأميركية الجديدة التي لا تتكلم الفرنسية.

كذلك طالت سهام النقد سيناريو العمل وتفاصيل إخراجية، مع تركيز على ما اعتُبر ابتعادا عن الواقع. فعلى سبيل المثال، بطلة المسلسل الأميركية إميلي لا تتنقل في قطارات المترو كما حال أكثرية سكان باريس، ولا تعيش تعقيدات الحياة اليومية الباريسية.

كذلك تنزل إميلي في شقة وُصفت في العمل بأنها “غرفة خدم” رغم أن مساحتها تبدو أكبر من هذه الحجرة الصغيرة المعروفة محليا بـ”شامبر دو بون”، بجوار شاب وسيم يحاول التقرب منها، في ما لا يعكس برأي كثيرين واقع الحال في المساكن الباريسية.

وقد أزعجت هذه النظرة غير الملتصقة بواقع المدينة الحالي الكاتبة الأميركية ليندسي تراموتا المقيمة في العاصمة الفرنسية منذ 15 عاما ومؤلفة “ذي نيو باريس” (2017) و”ذي نيو باريزيان” (2020)، وهما كتابان تحاول فيهما الابتعاد عن التنميط وإظهار التنوع في باريس.

وتقول الكاتبة المنحدرة من مدينة فيلادلفيا “نحن في 2020 وما زلنا نرى الكليشيهات نفسها”، متحدثة عن “تجاهل كامل للواقع الاجتماعي والاقتصادي في المسلسل الذي يقدم ما يشبه ‘صورة كاريكاتورية’ عن باريس”.

وترى تراموتا أن المسلسل “ليس مجرد عمل مليء بالكليشيهات من دون أي أذى”، مضيفة “تصوير باريس على الدوام بهذه الطريقة من شأنه المساهمة في تعزيز طريقة فهم إشكالية للمدينة التي شهدت في السنوات الأخيرة سلسلة هجمات وتحركات مطلبية واسعة وإضرابات تاريخية”.

وتشير إلى أن “إميلي إن باريس”، الذي انطلق عرضه مطلع الشهر الجاري، يقدم “نموذجا إضافيا عن تحوّل باريس إلى علامة تجارية مربحة، كما يظهر المدينة من خلال فلتر إنستغرام”، معتبرة أن المنتجين أمام “مسؤولية” إيجاد سيناريوهات بعيدة من الصور النمطية.

وفي ظل انتقادات طالت أيضا تضخيم المسلسل الفروق الثقافية بين الفرنسيين والأميركيين، يستقي “إميلي إن باريس” نجاحه أيضا من هذه المكوّنات عينها المستخدمة منذ ما يقرب من قرن والتي لا تتوانى نتفليكس عن المجاهرة بها.

فقد كتبت نتفليكس بنبرة ساخرة في تغريدة عبر تويتر “لو أتت إميلي إلى مدينتكم وليس إلى باريس، ما ستكون الكليشيهات الكبيرة في المسلسل؟”.

وتقول أنييس بوارييه مؤلفة كتاب “ريف غوش” عن الأوساط الثقافية الفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية “الكليشيهات تعكس كلها جزءا من الحقيقة، وإلا ما كان اسمها كليشيهات”.

وتضيف بوارييه لوكالة فرانس برس “مقارنة مع المدن الأميركية، تبدو باريس رومانسية فعلا، كما أن الفرنسيين أكثر تقبلا للخيانات الزوجية”.

غير أن “باريس والباريسيين ما زالوا مصدر إعجاب لما بات للأسف من التاريخ” وفق بوارييه، في إشارة إلى الكتب أو الأفلام التي تصوّر المدينة على أنها “عاصمة الحب” ومدينة الرقي وآداب السلوك والعلاقات الجنسية المنفلتة.

وتقول إيناس دو لا فريسانج، وهي عارضة أزياء سابقة ومصممة أزياء شاركت في تأليف كتاب الموضة، “لا باريزيان” الذي حقق نجاحا كبيرا، إن المسلسل يعطي صورة قريبة من “الفنتازيا” أو الخيال لكنها تنطوي على “بعض الحقيقة”.

وتضيف دو لا فريسانج، التي استحالت رمزا للأناقة الفرنسية، “غالبا ما ننسى أن الأميركيين ينظرون إلى باريس على أنها أشبه بمدينة الترفيه ديزني لاند. إميلي تلتقط صورة سيلفي مع قطعة خبز بالشوكولاتة. لكن نحن أيضا نُذهل حين نقف أمام مبنى إمباير ستايت في نيويورك”.

وتتابع قائلة “باريس تعاني حاليا من نقص السياح. إذا ما كانت الكليشيهات عن الطعام والأناقة والجمال تحفز الناس على المجيء إلى هنا، فلا ضير من ذلك”.

وإثر المسلسل الذي يحمل توقيع دارن ستار منتج “سكس أند ذي سيتي”، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي رسائل من أجانب يؤكدون أن “إميلي إن باريس” أوجد لديهم رغبة في الانتقال للعيش في العاصمة الفرنسية.

وتؤكد الصحافية الأميركية المستقلة المتخصصة في السفر والطعام لاين نيسيت المقيمة منذ حوالي عامين في باريس “هذا مسلسل رومانسي كوميدي أخرق ومضحك، يحاكي واقع عدد لا بأس به من الأجانب المقيمين في العاصمة الفرنسية”.

وتقول إن “الأميركيين يريدون رؤية ذلك في زمن الجائحة الحالية، لأنه يدفعهم إلى الحلم”.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي