بعد عقود من الأبحاث.. هل وجد العلماء اختلافًا بين أدمغة الرجال والنساء؟

مصدر: This is what decades of research tells us about the difference between men's and women's brains
2020-10-15

كتب آري بيركويتز، أستاذ علم الأحياء الحاصل على جائزة التميز في التدريس بجامعة أوكلاهوما، مقالًا نشره موقع المنتدى الاقتصادي العالمي، أوضح فيه الاختلافات التي أظهرتها الأبحاث على مدار عدة عقود بين أدمغة الرجال والنساء.

وأشار الكاتب في مستهل مقاله إلى أن الباحثين ظلوا لأكثر من 100 عام يحاولون إيجاد الاختلافات بين أدمغة الرجال والنساء. وبالرغم من ذلك ما يزال علماء الأعصاب غير قادرين على تحديد أيِّ اختلافات رئيسة أو متسقة بينهما. وحاليًا يعد الاختلاف في منطقة ما تحت المهاد الموجودة في دماغ الرجل والمرأة أحد أكبر الاختلافات المتسقة بين أدمغة الرجال والنساء؛ منطقة ما تحت المهاد هي منطقة صغيرة مسؤولة عن تنظيم وظيفة الأعضاء التناسلية وعملها.

لقد بدأ الناس البحث عن الاختلافات الجنسية في أدمغة البشر منذ القرن التاسع عشر على الأقل، عندما حمل العَالِم صموئيل جورج مورتون لواء هذا البحث وحاول سبر أغوار الجماجم البشرية لقياس أحجامها. ووجد جوستاف لوبون أن حجم أدمغة الرجال عادةً ما تكون أكبر من أدمغة النساء؛ مما دفع ألكسندر باينز، وجورج رومانيس إلى القول بأن هذا الاختلاف في الحجم يجعل الرجال أكثر ذكاءً. بينما أشار جون ستيوارت ميل إلى إنه، وفقًا لهذا المعيار، لا بد أن تكون الأفيال والحيتان أكثر ذكاءً من البشر.

موضوع يهمك : اكتشاف خلايا جديدة وفريدة فى دماغ الإنسان مسئولة عن إسكات الخلايا العصبية

ومن ثَم تحول التركيز إلى الأحجام النسبية للمناطق الموجودة بالدماغ. وأشار علماء فراسة الدماغ إلى أن جزء المخ الموجود أعلى العينين، الذي يُطلق عليه الفص الجبهيُّ، هو الأكثر أهمية بالنسبة للذكاء وهو أكبر نسبيًّا عند الرجال. في حين أن الفص الجداريَّ، الذي يقع خلف الفص الجبهيِّ مباشرةً، أكبر نسبيًّا عند النساء. وأشار علماء التشريح العصبي في وقتٍ لاحق إلى أن الفص الجداريَّ يُعد أكثر أهمية للذكاء، وهو أكبر حجمًا عند النساء بالفعل.

وبحسب ما ذكره الكاتب أنه في القرنين العشرين والحادي والعشرين، حاول الباحثون إيجاد خصائص مميزة للنساء أو الرجال في التقسيمات الفرعية الأصغر في الدماغ. وبصفتي عالمًا في علم الأحياء العصبي السلوكي ومؤلفًا، أعتقد أن هذا البحث مُضلِّل؛ لأن أدمغة البشر تتسم بقدرٍ كبير من التَّنوع.

أدمغة الرجال والاختلافات التشريحية

وُجِد أن أكبر اختلافات بين الجنسين وأكثرها اتساقًا، يقع في منطقة ما تحت المهاد؛ وهي منطقة صغيرة تنظم فسيولوجيا الأعضاء التناسلية وسلوكها. كما يوجد تقسيم فرعي واحد على الأقل في منطقة ما تحت المهاد أكبر حجمًا في ذكور القوارض والبشر.

ونوَّه الكاتب إلى أن الهدف الأساسي لعديد من الباحثين تمثل في تحديد أسباب الاختلافات المفترضة في التفكير بين كلا الجنسين في الدماغ – وليس فسيولوجية الأعضاء التناسلية فحسب – ومن ثَم تحول الانتباه إلى المخ البشري الأكبر حجمًا، والذي بدوره يكون مسؤولًا عن الذكاء داخل الدماغ.

ولم تحظَ أيُّ منطقة داخل الدماغ بالاهتمام الأكبر في الأبحاث المعنية بالاختلافات، والتي أُجريت وفقًا للعرق ونوع الجنس، من الجسم الثفني؛ وهو شريط سميك من الألياف العصبية يحمل إشارات بين نصفي الكرة المخية. وفي القرنين العشرين والحادي والعشرين، وجد بعض الباحثين أن الجسم الثفني بأكمله أكبر نسبيًّا في النساء في المتوسط، بينما وجد البعض الآخر أن أجزاءً معينة منه فقط هي الأكبر حجمًا. وجذَبَ هذا الاختلاف انتباه الجمهو، وطُرِح بوصفه السبب في وجود اختلافات معرفية بين الجنسين.

موضوع يهمك : النساء أم الرجال؟.. من يسجل درجات أفضل في اختبارات الذكاء والذاكرة؟

بيد أن الأدمغة التي تكون صغيرة الحجم تحتوي على جسم ثفني أكبر نسبيًّا، بغض النظر عن جنس صاحبها، كما أن الدراسات المعنية بالاختلافات في حجم هذا الهيكل ليست متسقة. وبحسب ما ذكره الكاتب، تتشابه القصة مع قياسات الدماغ الأخرى، وذلك هو السبب في أن محاولة تفسير الاختلافات المعرفية المفترضة بين الجنسين من خلال تشريح الدماغ لم تكن مُجْدِية إلى حد كبير.

تداخُل السمات بين النساء والرجال عادةً

حتى عندما تُظهر إحدى المناطق في الدماغ اختلافًا بين الجنسين في المتوسط، فهناك عادةً تداخل كبير بين توزيعات هذه المناطق في الرجال والنساء. إذا كان قياس إحدى السِّمات داخل المنطقة المتداخلة، فلا يمكن للمرء أن يتنبَّأ بجنس الشخص بكل تأكيد. على سبيل المثال، إذا فكرت في الطول؛ فأنا طولي 57 بوصة (145 سم تقريبًا)، فهل يخبرك ذلك عن نوع جنسي؟ وعادةً ما تظهر مناطق الدماغ متوسط اختلافات جنسية أصغر بكثير من متوسط الطول.

وأضاف الكاتب إلى أن عالمة الأعصاب، دافنا جويل، وزملاءها فحصوا التصوير بالرنين المغناطيسي لأدمغة ما يزيد على 1400 شخص، وقاسوا مناطق الدماغ البشري العشر التي تحتوي على أكبر متوسط للاختلافات بين الجنسين. وسجَّلوا في التقييم ما إذا كان كل قياس في كل شخص يتجه نحو الطرف الأنثوي من الطيف، أو يتجه نحو الطرف الذكري، أو إلى المتوسط. ووجدوا أن 3 إلى 6% فقط من الأشخاص كانوا «إناثًا» أو «ذكورًا» على نحو ثابت لجميع الهياكل، وكان الأمر غير واضحٍ بالنسبة للآخرين.

هرمونات ما قبل الولادة

وتساءل الكاتب قائلًا: ما السبب في حدوث اختلافات في أدمغة كلا الجنسين؟ وأجاب موضحًا أن دراسة أُجريت عام 1959 لأول مرة أظهرت أن حقن هرمون التستوستيرون في الحوامل من القوارض يجعل ذريتها الإناث تُظهر سلوكيات جنسية ذكورية بوصفهم بالغين. واستنتج الباحثون أن هرمون التستوستيرون قبل الولادة (الذي تفرزه خصيتا الجنين عادةً) «ينظم» الدماغ دائمًا. وأظهرت عديد من الدراسات اللاحقة أن هذا الاستنتاج صحيح في جوهره، على الرغم من تبسيط الوظيفة التي يؤديها في الحيوانات.

وأضاف الكاتب أنه لا يمكن للباحثين، من الناحية الأخلاقية، تغيير مستويات هرمون ما قبل الولادة في البشر، ولذلك يعتمدون على «تجارب عرَضيَّة» تكون فيها مستويات الهرمون قبل الولادة أو الاستجابات لها غير عادية، كما هو الحال مع الأشخاص ثنائيي الجنس. لكن التأثيرات الهرمونية والبيئية تتداخل في تلك الدراسات، وكانت نتائج الاختلافات بين الجنسين في الدماغ غير متسقة؛ مما جعل العلماء لا يتوصلون إلى استنتاجات واضحة فيما يخص البشر.

الجينات تسبب بعض الاختلافات بين الجنسين في الدماغ

وبينما تسبب هرمونات ما قبل الولادة، على الأرجح، معظم الاختلافات بين الجنسين في الدماغ في الحيوانات، هناك بعض الحالات يكون السبب فيها وراثيًّا على نحو مباشر.

موضوع يهمك : ابتكار مادة تمهد الطريق لدمج الذكاء الاصطناعي بالبشر وتحويلهم إلى "سايبورغ"

وقد ظهر هذا بوضوح على الحمار الوحشي الذي ظهر عليه شذوذ غريب؛ إذ كان ذكرًا في الجانب الأيمن من جسمه وأنثى في الجانب الأيسر. وجرى تكبير بنية الدماغ المرتبطة بالغناء فقط في الجانب الأيمن (كما هو الحال في الذكور الطبيعية)، على الرغم من أن الجانبين تعرضا للبيئة الهرمونية نفسها. ولذلك، لم يكن عدم تناسق دماغه بسبب الهرمونات، ولكن بسبب الجينات مباشرةً. ومنذ ذلك الحين، عُثِر أيضًا على تأثيرات مباشرة للجينات في الاختلافات بين الجنسين في الدماغ عند الفئران.

التعلم يغير الدماغ

يفترض عديد من الأشخاص أن الاختلافات بين الجنسين في الدماغ البشري فطرية؛ إلا أن هذا الافتراض مُضلِّل.

وألمح الكاتب إلى أن البشر يتعلمون سريعًا في مرحلة الطفولة، إلا أنهم للأسف يواصلون التعلم – بصورة أكثر بطئًا – بصفتهم أشخاصًا بالغين. وبدءًا من تذكُّر الحقائق أو المحادثات، إلى تحسين المهارات الموسيقية أو الرياضية، يغير التعلم الروابط بين الخلايا العصبية التي تسمى الوصلات العصبية. وهذه التغييرات عديدة ومتكررة، ولكنها دقيقة جدًّا عادةً؛ أقل من جزء من مائة من عرض شعرة الإنسان.

ومع ذلك، تُظهر الدراسات التي أُجريت على إحدى الوظائف غير الاعتيادية، أن التعلم يمكن أن يغير أدمغة البالغين تغييرًا كبيرًا. إذ يُطلب من سائقي سيارات الأجرة في لندن حفظ المعلومات كالطرق المعقدة والمعالم في مدينتهم.

واكتشف الباحثون أن هذا التّعلُّم قد غيَّر الحُصيْن لدى السائق من الناحية المادية، والحُصيْن منطقة دماغية مهمة لعملية التنقل. ووُجد أن حجم الحُصيْن الخلفي لسائقي سيارات الأجرة في لندن أكبر من حجم الحُصيْن لغير السائقين بمقدار مليمترات؛ أي أكبر من حجم الوصلات العصبية بألف مرة.

واختتم الكاتب مقاله بقوله إنه ليس من الواقعي افتراض أن أي اختلافات بين الجنسين في الدماغ تُعد فطرية. إذ ربما تنتج أيضًا من التعلم. ويعيش الناس في ثقافة جنسانية بصورة أساسية؛ إذ تختلف الأبوة، والأمومة، والتعليم والتوقعات، والفرص على أساس الجنس، من الولادة وحتى سن الرشد، مما يؤدي حتمًا إلى تغيير الدماغ. وفي نهاية المطاف، من المُرَّجح أن تنتج أي اختلافات بين الجنسين في بِنى الدماغ من مجموعة مُعقدة ومتفاعلة من الجينات والهرمونات والتعلم.







شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي