
أكد الداعية الكبير والمفكر الإسلامي الدكتور عبد الصبور شاهين أن تعاون المسلمين في الذود عن الإسلام وعن كتابه الكريم من الفروض الواجبة.
وأشار د. عبد الصبور شاهين في حوار مع “الخليج” الإماراتية إلى أن الذين يدعون أنهم مفكرون ويخوضون في آيات القرآن الكريم بغير علم إنما هم دعاة إلحاد، ولأن فكرهم هذا يقوم على الجهل، فإنهم آيلون للسقوط ولا بقاء لهم ولا لفكرهم المزعوم.
وقال د. شاهين إن الدين الإسلامي الحنيف أنصف المرأة وأنقذها من الممارسات الجاهلية وساوى بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات.. بينما تهرول بعض النساء إلى الأنموذج الغربي الشاذ المليء بالنقائص والمتناقضات والزيف.وفيما يلي نص الحوار:
شهد العصر الحالي ظهور الكثير من دعاوى التحرر النسائي المطالبة بإبعاد الدين عن الحياة بدعوى ظلمه للمرأة واستعباده لها وقهرها.. فما ردكم على تلك الدعاوى؟
لقد أطلق الإسلام المرأة من عقالها ورفع عنها إصرها وأتاح لها دورا فريدا لم تقم به من قبل في المجتمعات العربية وغير العربية حين وضعها على قدم المساواة مع الرجل، وحين خصّها باستقلال شخصيتها وكرّمها أمّا ورحما ورمزا للمودة والرحمة فلا مجال إذن للقول إن الإسلام فرض على المرأة قيودا أو انتقص من حقوقها أو أخّر مكانتها.
بل إن أهم سمات المنهج الإسلامي أنه استخرج الأمة المسلمة من أحشاء العصر الجاهلي فصبغها بصبغة الله “ومن أحسن من الله صبغة”، ومن ثم باعد بينها وبين ماضيها الجاهلي وأعطى الأمة رجالا ونساء مجموعة من القيم الجديدة التي أنشأ بها في الناس واقعا جديدا هو الأمة المسلمة.
إن المرء ليعجب لحال نسائنا المعاصرات كيف لم يلتفتن إلى تلك السير العظيمة للسيدات من أمهات المؤمنين والصحابيات ليستفدن من عطائهن وينتمين إلى مدرستهن بدلا من التماس القدوة في نساء الغرب والجري وراء دعوات التغريب الغربية.
تقليد مرفوض
وإذا كان من العبث أن يحاول إنسان تغيير جلده ليصير أكثر بياضا أو سوادا، فإن من أعبث العبث أن تحاول المرأة المنتسبة إلى الإسلام تقليد غيرها من النساء خارج إطارها الحضاري متمنيّة أن تنتمي إلى أعراف خارجية لا تمُت بصلة إلى جنسها أو حضارتها.. إنها بذلك تفقد شخصيتها ولا تدرك أمنيتها.
ثم من الذي قال: إن الأنموذج الغربي هو الأنموذج الأمثل وهو الحافل بالنقائص والنقائض؟ إنه مليء بالشذوذ والرذائل، فارغ من القيم التي هي قوام الأسرة وبنية العلاقة بين الرجل والمرأة.
في المقابل، فإن المجتمع الإسلامي رغم قساوة الظروف المادية التي تعرّض لها فإنه مجتمع متماسك يعرف معنى الأسرة ويعرف الحب السوي بين الرجل والمرأة، وهو مجتمع يُحرّم الزنى والفسوق ويحتقر الإباحية ويُجرّم الداعين إليها، ومازال المثل الأعلى للفتاة السوية عندنا هو التمسك بالعفاف والطهارة والبُعد عن مواطن الشبهات.
إن دستور القيم الأخلاقية المستمد من القرآن والسنة هو العاصم القوي والسد المنيع في وجه موجات التغريب ودعوات الانحلال، ولئن ظهرت كتابات تهوّن من قيمة التراث وتقلّل من شأنه، فإن أصحابها ليسوا سوى مأجورين أو موتورين أو عبيد لوكالات المستشرقين والمبشرين وأغلبهم إن لم يكونوا جميعهم من المفسدين وأذناب المخرّبين، ولسوف يبقى الإسلام صامدا في وجه التحديات مقاوما لنزعات الانحلال، من منحرفي أبنائه وأتباع الأديان والمذاهب المخالفة، لأنه أمل البشرية في غدها، كما كان منقذها في أمسها بغضّ النظر عن آلام الحاضر ومشكلاته وسلبياته.
أدعاء آيلون للسقوط
يتعرّض القرآن الكريم للكثير من حملات العداء والتشويه والإساءة، فما دورنا في التصدّي لتلك الحملات؟
لا شك في أن الجو المعاصر مشحون بالكثير من الكتابات العدوانية التي تستهدف القرآن، ففي الساحة الثقافية أدعياء كثيرون يخوضون في علوم القرآن “بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير” وقد أشعلوا فتنة يريدون بها أن يُطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يُتم نوره ولو كره الكافرون والمشركون.
وأخطر ما في هذا الموقف أن هؤلاء الأدعياء الخائضين في آيات الله وفي تاريخ القرآن وفي موضوعات الفكر الإسلامي يحرصون كل الحرص كلما حوصروا على تأكيد أنهم مناصرون للإسلام وأنهم أعمق إيمانا من دعاته وأن دعوتهم هي جوهر الدين رغم أن حقائق الثقافة المعاصرة تؤكد أنهم دعاة إلحاد.
إن هؤلاء آيلون للسقوط مهما شغلوا من مناصب ومهما تلقّوا من دعم ماسوني، بل مهما علت أصواتهم وتجمّعت جرذانهم وعوت ذئابهم لأنهم لا يواجهون هملاً من أمثالهم، بل هم يحاربون الله ورسوله “والله غالب على أمره” فهم في النهاية زبد لا بقاء له “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”، وعندما تنحسر هذه الموجة عن مجتمعاتنا الإسلامية سيدرك الناس أن وعد الله بنصرة الحق وخذلان الباطل لا يتخلّف أبدا ولسوف يرون أن طعنهم في القرآن وتأويلاتهم المجترئة عليه لم تبلغ منه إلا ما تبلغه القشة من السيل الهادر وذلك وعد الله القادر “إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون”.
كتاب قذر
ويكفي أن نسجل هنا ما أذيع من أخبار احتلال العراق من أن أمريكا قد حشدت فرقة من المبشرين دخل رجالها العراق مع الهجمة الأولى لاقتحام مدينة البصرة وفي الطريق إلى بغداد باعتبار أن التخريب العقدي جزء لا يتجزأ من المعركة الشاملة فقد اصطحب هؤلاء المبشّرون معهم كتاباً أطلقوا عليه “الفرقان الحق” وهو نوع من التسمية يقترن بالكذب والخداع ولم تعرف البشرية كتابا أقذر من هذا الكتاب الذي يشعل النار في كل قيمة أخلاقية ويقلب الحقائق الدينية.
إن مهزلة وضع كتاب بديل للمسلمين عمل لن يعود على فاعليه إلا بالفشل والخسران لأنه سبحانه وتعالى تحدّى الإنس والجن بكتابه وبيّن أنهم لن يتمكنوا من مضاهاته أو الإتيان بمثله مهما اجتمع لهم من قوة وكيد وتعاون على الإثم والعدوان “قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا”، وإن مواجهة الدس على القرآن والافتراء عليه تكون بالإقبال على حفظه والحرص على التمسك بأحكامه وهذا دأب المسلمين في العناية به كلما مرّت بهم محنة، وهم مطالبون اليوم باليقظة الشديدة لما يحاك لهم من مؤامرات ضد الإسلام، ومطالبون بشدة التمسك بكتاب ربهم استجابة لأمر الله “فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم. وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تُسألون”.
كما يجب أن يتعاون المسلمون في الذود عن دين الله العظيم وعن كتابه الكريم فهذا من الفروض الواجبة، ولا شك في أن العالم الإسلامي ينتظر تحركات أوسع ضد هذا العدوان الغاشم والتهجم على الإسلام وتشويه القرآن، ولنعلم جميعا أن هذا العمل لن يلبث أن يختفي شبحه ويتلاشى أثره وكأنه لم يكن.
واجب الدعاة
ما واجب الدعاة في مواجهة الحملات العدائية المعاصرة؟
إن مهمة الدعاة في عصرنا ليست بالأمر السهل، فهم يواجهون في الواقع نماذج من العقليّات اللئيمة والمتحجّرة في آن واحد تجمعها خصلة واحدة هي بُغض الإسلام والحقد على أتباعه وهذا هو بحق الإرهاب والتطرف وتحريك العنف.
ومطلوب من الدعاة أن يعملوا على إزالة هذا الكم من الحاقدين بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يستخدموا ثقافتهم الواسعة ومرونتهم الواعية وصبرهم على المجادلة بالتي هي أحسن وقوفاً في وجه الإرهاب والتطرف.
مرة أخرى أؤكد أن أمر الدعوة لم يعد سهلا، حيث كان الدعاة السلف يهدون الناس بتحريك دوافع الخير والتعامل مع الفطرة السليمة، أما الآن فإن للباطل فلسفات وأفكارا معقّدة واعتبارات تختلط فيها العقيدة بالمنفعة، وقد يكون من ندعوه متخصّصا في الجدل العقيم متعمّقا في الجهل المُركّب ومع ذلك نجده يحتل موقعا مرموقا ومركزا مُؤثّرا وكل ذلك يواجه الداعية المعاصر بعقبات يتعيّن عليه أن يتغلّب عليها أو أن يتجاوزها بمنطقه وذكائه وحرفيّته وليس أمامه إلا أن ينتصر في هذا الحوار مهما تكن صعوباته وإلا فقد سجّل على نفسه الإخفاق في مجال الدعوة المعاصرة.