مسرح إدلب.. تجارب مسرحية خجولة تحكمها ظروف الحرب والسلطة

2020-09-30

عرض "سرداب الموت" من وحي آلام السوريين من المعتقلين في غياهب السجون

عمر يوسف - شمال سوريا

ألقت الحرب بظلالها الثقيلة على المشهد الفني في سوريا، وتوقفت عشرات الفرق المسرحية عن نشاطها الفني بالشمال السوري لأكثر من 7 سنوات جراء ظروف القصف والتهجير والحصار، واختفت أصوات الممثلين على الخشبة لصالح أصوات المدافع والطائرات.

وفي إدلب -التي باتت توصف بأنها بقعة جغرافية ملتهبة بسبب الحرب- قدمت المدينة أكثر من 5 فرق مسرحية أثبتت حضورا فنيا قبيل اندلاع الثورة السورية عام 2011، وشهد مركز إدلب الثقافي عشرات العروض المسرحية.

ومع الهدوء النسبي في مناطق سيطرة المعارضة -خاصة إدلب شمالي سوريا- تمكن طلاب جامعة إدلب مطلع العام 2018 من تقديم أول عرض مسرحي حمل اسم "الوالي وصياد البحر" على خشبة المركز الثقافي منذ سيطرة المعارضة على المدينة في مارس/آذار 2015.

ولاحقا، شهدت المدينة عودة بعض الأعمال المسرحية على مسرح المركز الثقافي ضمن مهرجان الهواة الأول للمسرح في صيف العام الماضي 2019، وطغت مآسي الحرب والتهجير والفقر على نصوص تلك العروض المسرحية، حتى أن نازحين من دمشق شاركوا بفرقة مسرحية ناشئة ضمن عروض المهرجان.

دهشة من "سرداب الموت"!

المخرج المسرحي إبراهيم سرميني من إدلب قدم مع الفرقة المسرحية "بيدق" تجربة مميزة من خلال عرض "سرداب الموت" من وحي آلام السوريين المعتقلين في غياهب السجون.

ويرى سرميني أن المسرح والفن يخرجان من رحم المعاناة، لذلك "تم اختيار قضية المعتقلين كملف شائك لأنه يلامس كل بيت وعائلة في سوريا، وهدفنا منه هو الضغط على صناع القرار عن طريق الفن، ويحاكي العرض الحالة النفسية للمعتقلين في سجون النظام السوري".

ويشير سرميني في حديثه إلى أن الإقبال والأصداء كانت كبيرة جدا حول عرض "سرداب الموت" عندما عرض في مدينتي إدلب وأعزاز، وكانت كراسي مسرح المركز الثقافي ممتلئة تماما بالجمهور.

ويضيف أن العرض لاقى استغرابا في دول العالم، وتراود السؤال إن كان العرض حقا يعرض في إدلب، كما أن أصدقاء له في هولندا وألمانيا طلبوا منه تسجيلا للمسرحية كي تعرض في المراكز الثقافية هناك.

من العرض المسرحي “طب القاطع” في إدلب

مسرح نازح

في حين نجح المخرج المسرحي الشاب عبود الشامي القادم من دمشق إلى إدلب نازحا بإثبات حضوره، وقدم مع فرقته "السورية للفنون المسرحية" عروضا ذات طابع كوميدي، لأن الناس بحاجة لمثل هذه الأعمال في ظل ظروف الحرب كما يقول.

ويصف الشامي مسرحيته "طب القاطع" -التي عرضت العام الماضي في إدلب- بأنها عمل اجتماعي ناقد ويحمل طابعا كوميديا، حيث لاقى العرض إقبالا من كافة الفئات العمرية، فقد جسد العرض مشكلة تؤرق السوريين بشأن انقطاع الكهرباء المستمر وغلاء الأسعار وفقدان فرص العمل.

ويشير إلى أن فرقته تبتعد عن المسرح التجاري وترفض العمل به، وهو ما يفسر عدم قدرتها على إقامة عروض مسرحية متتالية، فهي تبحث عن عروض مسرحية منافسة.

معوقات وتحديات

تواجه التجارب المسرحية الباحثة عن أفق جديد معوقات عدة، أبرزها الهاجس الأمني وضعف التمويل وغياب الدعم، إضافة إلى مسألة تحول بنية المجتمع التي فرضتها ظروف الحرب، والأهم رقابة السلطة العسكرية التي تسيطر على الأرض.

وكما ما هو معلوم يسيطر على مدينة إدلب ومحيطها فصيل "هيئة تحرير الشام" الذي يوصف بأنه فصيل عسكري متشدد، وتمثله سلطة سياسية هي "حكومة الإنقاذ"، ورغم أن المسرح يمتلك هامشا ضيقا من الحرية ولا يشترط حصول موافقات أمنية على النصوص فإن القيود تحد من تقديم عرض متكامل، من أهمها منع استخدام الموسيقى، ورفض مشاركة العنصر النسائي في المسرح، إضافة إلى تخصيص أماكن مخصصة لجلوس النساء.

في حين أن أبرز تحد لاستمرار العروض المسرحية في مناطق المعارضة هو غياب الدعم والتمويل، إذ تعتمد معظم الفرق على جهود شخصية من الممثلين وبعض المنظمات، في الوقت الذي طغى التمويل على الأعمال المرئية من الأفلام الوثائقية والتقارير التي تحقق مردودا ماديا، على عكس المسرح الذي ينظر إليه البعض بأنه جهد بلا ثمار.

ويعتقد المخرج سرميني أن ما يؤثر في استمرار العروض المسرحية هو الوضع الأمني والخوف من الطيران وقصفه، خاصة تجمع الناس داخل المسرح، إضافة إلى التخوف حاليا من فيروس كورونا جراء وجود عدد كبير من الناس، وهو مناف لإجراءات العزل والوقاية ضد الوباء.

من جانبه، يرى المخرج الشامي أن عدم وجود أي جهة منتجة تمول العمل هو من أبرز الصعوبات التي تواجه تطور مسيرة العمل المسرحي في إدلب، على عكس تجربته السابقة في دمشق التي تحتم وجود منتجين وجهات داعمة ممولة للعمل.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي