كيف يؤثر موت الأشجار السريع في توازن الطبيعة؟

مصدر: Across the world, trees are growing faster, dying younger – and will soon store less carbon
2020-09-28

نشر موقع «ذا كونفرزيشن» الأسترالي دراسةً أجراها كلٌّ من رويل برينين، زميل أبحاث في مجلس بحوث البيئة الطبيعية، والمتخصص في بيئة الغابات وحلقات الأشجار في كلية الجغرافيا بجامعة ليدز، وإيمانويل جلور، أستاذ في الدورات البيوجيوكيميائية، والذي يدرِّس دورة غاز الكربون عالميًّا وتفاعلاتها مع البيئة المتغيرة، ويعمل أيضًا في كلية الجغرافيا بجامعة ليدز. كانت مجلة «نيتشر» العلمية قد نشرت هذه الدراسة التي أوضح فيها الباحثان أنه مع ارتفاع درجة الحرارة بالعالم وزيادة نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون على نحو ملحوظ في الجو، تنمو الأشجار بصورة أسرع وتموت أيضًا بصورة أسرع؛ مما يُعوِّق قدرتها على امتصاص غاز ثاني أُكسيد الكربون.

وافترضت الدراسة أنه إذا كان العالم خاليًا من البشر، لكانت الغابات ستنعم بحالة من التوازن؛ لأنها ستأخذ الكربون من الغلاف الجوي بقدر ما تفقد تقريبًا. بيد أن البشر قد تسببوا في اضطراب هذا التوازن من خلال حرق الوقود الأحفوري؛ مما أدى إلى ارتفاع نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ونتج من ذلك ارتفاع في درجة الحرارة وأصبحت النباتات تنمو بصورة أسرع في جميع أنحاء العالم. وحفَّزت هذه التغيرات نمو الأشجار خلال العقود الماضية، حتى في «الغابات القديمة» التي بقيت على حالها ولم تشهد مؤخرًا الاضطرابات التي يحدثها الإنسان في توازن الطبيعة. وقد سمح هذا بدوره للغابات بامتصاص الكربون بكميات أكبر من الكميات التي تطلقها؛ مما أدى إلى تراكم كميات كبيرة من الكربون  أو ما يُطلَق عليه غالبًا «بالوعة الكربون».

التغيرات المناخية المُحتَملة

وغالبًا ما يتساءل علماء الأرض مثلنا تمامًا عن المدة التي قد تستغرقها الغابات لتصل إلى الحالة المعروفة بـ«بالوعة الكربون». إن زيادة نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون من شأنها أن تفيد الأشجار في كل مكان، فضلًا عن أن ارتفاع درجة الحرارة سيؤدي إلى نموها في المناطق الأكثر برودة. لذا؛ من المُتوقَّع أن تستمر الغابات في امتصاص المزيد من انبعاثات الكربون، وهذا ما تتنبأ به نماذج النظام الأرضي بالضبط.

وعلى الرغم من ذلك، قد تُلقِي التغيرات المُحتَملة في مدة حياة الأشجار بعامل إخلال يتعلق بالعمر الافتراضي لها. ومنذ بضعة أعوام مضت وعند دراسة غابات الأمازون قديمة النمو، بحسب ما يقول الباحثان: «لاحظنا زيادة في النمو الأولي للأشجار تبعه زيادة في معدل موت الأشجار. ولذا، افترضنا أن النمو الأسرع هو الذي يقلل من عمر الأشجار. وإذا كان هذا الافتراض صحيحًا، فهذا يعني أن التوقعات باستمرار «بالوعة الكربون» من شأنها أن تكون توقعات متفائلة أكثر مما ينبغي؛  لأنها لم تأخذ في الاعتبار أوجه المفاضلة بين نمو الأشجار وطول عمرها. وهذا ما تمكنَّا من إثباته من خلال اكتشافاتنا الجديدة لهذا الافتراض».

وقال الباحثان: «لكي نتمكن من دراسة العلاقة بين نمو الأشجار وطول عمرها، استخدمنا السجلات الخاصة بحلقات الأشجار. وتمكنِّا من خلال العرض الخاص بكل حلقة من معرفة سرعة نمو الشجرة، بينما كان عدد هذه الحلقات يوفر لنا المعلومات الخاصة عن عمْر الشجرة ويُمكِّننا من تقدير أقصى عمر افتراضي لها. كما حللنا ما يربو على 210 آلاف سجل خاص بحلقات الأشجار المنفردة التي تنتمي لأكثر من 80 نوعًا مختلفًا من الأشجار في جميع أنحاء العالم. وقد نُفِّذت هذه المهمة الكبيرة بفضل قضاء سنوات من عمل المتخصصين في مجال تحديد أعمار الأشجار في جميع أنحاء العالم، والذين أتاحوا المعلومات التي توصَّلوا إليها للجمهور».

الأرنب والسلحفاة

«أوضح التحليل الذي أجريناه أن الأشجار التي تنمو أسرع، تموت صغيرة. وكان من المعروف منذ وقت طويل أن الأشجار التي تنمو أسرع، تعيش مدة أقصر. وشجرة البلسا، على سبيل المثال، تنمو سريعًا ويصل ارتفاعها إلى 20 مترًا أو أكثر، لكنها تعيش لبضعة عقود فقط، بينما تنمو بعض أشجار الصنوبر ذات الشعيرات الخشنة ببطء وثبات إلى ما يقرب من 5 آلاف عام»، بحسب ما قاله الباحثان.

وأضاف الباحثان: «إننا توصلنا إلى أن هذا الأمر ليس صائبًا فقط عند مقارنة أنواع الأشجار المختلفة بعضها ببعض، لكنه يحدث أيضًا في الأشجار من النوع نفسه. وكانت مفاجأة بالنسبة لنا حينما اكتشفنا أن أوجه المفاضلة هذه تحدث في جميع أنواع الأشجار تقريبًا والأنظمة البيئية، من الغابات الاستوائية المظلمة والمغلقة، إلى الأشجار القوية التي تتحدى مناطق القطب الشمالي. ومن المتوقع أن تعيش شجرة الزان بطيئة النمو عدة عقود أطول من الفصائل المماثلة لها، والتي تكون سريعة النمو. إن ذلك يشبه إلى حد كبير قصة الأرنب والسلحفاة، فالأشجار بطيئة النمو ولكنها تنمو بثبات، هي التي تعيش أطول».

وأردف الباحثان: «ولدراسة الآثار المترتبة على هذا، كان علينا إجراء مقارنة بين كمية الكربون التي تتراكم على نموذجين لمحاكاة الأشجار. النموذج الأول يشمل أوجه المفاضلة في «الأشجار التي تنمو أسرع وتموت أسرع»، والنموذج الآخر يشمل الأشجار التي تعيش لمدد طويلة بالتساوي، بغض النظر عن معدلات نموها. ووجدنا أن الأشجار التي تنمو أسرع وتموت مبكرًا قد تَسبَّبت في البداية في زيادة المستوى العام للكتلة الحيوية، ولكنها زادت أيضًا من موت الأشجار بعد عدة عقود».

ومن ثم، ووفقًا لما نشرته الدراسة فإن الغابات تبدأ في خسارة الكتلة الحيوية مجددًا وتعود إلى المستوى نفسه كما كانت عليه في البداية، لكن مع نمو أسرع وأقصر عمرًا للأشجار. وقال الباحثان: «إن النموذجين اللذين استخدمناهما يشيران إلى أن الأشجار التي تنمو أسرع تموت صغيرة، بدون زيادة حقيقية في مخزون الكربون على المدى البعيد». وأضافا: «أن بعض الباحثين قد توقعوا هذا منذ مدة طويلة، وجاءت النتائج التي توصلنا إليها لتدعم هذه التوقعات».

ولم تتسق تلك التوقعات مع التغيرات الملحوظة في ديناميكية غابات الأمازون فحسب، بل اتسقت أيضًا مع الأبحاث الحديثة التي أظهرت زيادة في موت الأشجار في جميع أنحاء العالم.

لماذا تموت الأشجار التي تنمو أسرع مبكرًا؟

هناك سؤال مُثيرٌ للاهتمام: لماذا تموت الأشجار سريعة النمو مبكرًا، وهي بمثابة «الكواكب الزاهرة» في الغابات؟ ليس لدينا الجواب الشافي عن هذا السؤال حتى الآن، ولكننا فحصنا بعض الآليات المحتملة المؤدية لهذا الأمر. ربما تكون درجة الحرارة المرتفعة والتغيرات البيئية الأخرى، على سبيل المثال، هي التي تحفز زيادة نمو الأشجار على نحو أسرع وتقلل من عمرها أيضًا. بيد أننا وجدنا أن قِصَر عُمْر الأشجار كان نتيجة لنموها السريع.

وخَلُصَت الدراسة إلى أن إحدى الفرضيات البسيطة تشير إلى أن تلك الأشجار تموت بمجرد وصولها إلى حجم محتمل معين، وكلما وصلت الشجرة إلى هذا الحجم سريعًا، ماتت صغيرة. والتفسيرات الأخرى الممكنة هي أن الأشجار التي تنمو أسرع تمنحنا أخشابًا أرخص (فيما يتعلق باستهلاك الطاقة)، أو تستثمر موارد أقل في مكافحة الأمراض وهجمات الحشرات، أو تكون أكثر عرضة للجفاف. ومهما كان السبب، من المحتم تضمين هذه الآلية في النماذج العلمية إذا أردنا الوصول إلى تنبؤات واقعية بشأن «بالوعات الكربون» في المستقبل، والتنبؤ بكمية غاز ثاني أكسد الكربون في الغلاف الجوي تبعًا لذلك.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي