لعدم القدرة على دفع أجورهن.. عاملات المنازل يتضورن جوعا وينمن بشوارع بيروت

2020-09-16

أصبحت مئات العاملات المربيات مشردات في الشوارع بعد تفشي فيروس كوفيد-19، ويتضورن جوعا وسط أنقاض الانفجار الذي وقع الشهر الماضي في لبنان.

في بعض مقاطع الفيديوهات المنشورة، شاهد العالم تجمد الحياة في بيروت بسبب صدى الصوت غير المألوف للانفجار، الذي حطّم المدينة بأكملها. ومن بين مقاطع الفيديوهات، رأينا مشهدا واحدا أُذيع في مختلف أنحاء المدينة، وهو مشهد مربية أفريقية تقوم بشكل غريزي بإخراج الأطفال بعيدا عن الأذى، وتحميهم بجسدها.

وفي تقرير نشرته صحيفة "غارديان" (theguardian) البريطانية، قالت الكاتبة نسرين مالك إن أكثر من شهر قد مر على انفجار مرفأ بيروت، ولا تزال اللقطات من ذلك اليوم مروعة مثل أول ظهور لها على شاشات التلفزيون ومنصات التواصل الاجتماعي.

العاملات في الشوارع

وذكرت الكاتبة أن العديد من هؤلاء المربيات ينمن حاليا في شوارع بيروت، ومعظمهن يتضورن جوعا. وحتى قبل وقوع الانفجار، أجبرت الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بسبب جائحة كورونا أرباب العمل اللبنانيين على تسريح عاملات المنازل لأنهم لم يعودوا قادرين على دفع أجورهن. فقد قاموا بجمع أغراضهن ونقلهن إلى سفارات بلدانهن وطردهن خارج منازلهم.

ففي يونيو/حزيران الماضي وحده، تُركت أكثر من 100 عاملة منزلية إثيوبية خارج قنصلية بلدهن الأم، حيث يعشن على الحقائب ويتشاركن المراتب. ولا يزال بعضهن يحاولن الالتزام بارتداء الأقنعة حتى أثناء نومهن على الرصيف غير الصحي.

العديد من العاملات ينمن في شوارع بيروت ومعظمهن يتضورن جوعا

مساعدة الأفريقيات

وأشارت الكاتبة إلى أنها تحدثت الأسبوع الماضي إلى كريستين، وهي مربية ومعينة منزلية من غرب أفريقيا -لم ترغب بذكر اسمها الحقيقي خوفا من انتقام رب عملها- قالت إنها كانت تحاول جمع بعض المال لمساعدة الأفريقيات اللاتي تم التخلي عنهن للعودة إلى بلدانهن الأصلية.

لكن هذه المهمة لا يمكن أن تكون ذات أولوية. فالنساء النائمات في الشوارع بحاجة لتناول الطعام في المقام الأول. وفي حال تبقت أية أموال، فسوف يتم إنفاقها على تأمين مأوى لهن.

وفي الواقع، السفر من لبنان إلى وجهات في أفريقيا مكلف، فتذكرة العودة الذهبية مخصصة للمرضى الذين يحتاجون للوجود مع عائلاتهم. وتعتبر كريستين نفسها من المحظوظات لأن "ربة عملها" لم تتخل عنها، ووفرت لها مكانا للإقامة، وخفضت راتبها إلى النصف فقط.

ويتعين على القنصليات، حتى عندما تكون مستعدة للمساعدة، أن تتفاوض بشأن متاهات من بيروقراطية الحكومة اللبنانية، التي اشتهرت فعليا بسمعتها السيئة بسبب فسادها وعدم كفاءتها. ومن أجل تأمين الأوراق اللازمة للخروج، تفرض وزارة العمل رسوما باهظة، وبعد ذلك هناك تكاليف السفر. وكثيرا ما يُطلب من العمال المهاجرين الإثيوبيين أن يحاولوا العودة إلى أرباب عملهم، بحسب قول الكاتبة.

نظام العمالة المهاجرة

في قلب أزمة حقوق الإنسان هذه، يبرز نظام العمالة المهاجرة الذي لا يزال يشكل وصمة عار في العديد من بلدان العالم العربي، والذي يُعرف باسم الكفالة.

فهو يضع فعليا مصير العمال بأيدي أرباب العمل الذين غالبًا ما يحتجزون جوازات سفرهم للسيطرة عليهم، ثم يطالبون بإعادة الرسوم المدفوعة لوكالات التوظيف في حال أراد العمال المغادرة قبل انتهاء عقودهم. هذا ما يجبر بعض العمال على الهروب، ليصبحوا بذلك غير موثقين.

ونقلت الكاتبة عن آنا، وهي مربية من الفلبين، أنها أخبرتها كيف تمكنت من الهروب من رب عملها المسيء بارتداء 3 مجموعات من الملابس الداخلية والقمصان والسراويل فوق بعضها البعض.

وبهذه الطريقة تمكنت من إحضار ملابس معها دون حمل حقيبة. وكانت قد فقدت الكثير من وزنها آنذاك، بالتالي فإنها كانت تستطيع ارتداء الكثير من الملابس دون إثارة الشكوك. ولكنها تركت كل شيء وراءها، بما في ذلك جواز سفرها.

قسوة نظام الكفالة هذا ليس نتيجة مؤسفة للبيروقراطية، وإنما نتيجة للتسلسل الهرمي العنصري الذي يجد فيه العمال السود أنفسهم في أسفله. ومن بين جميع الجنسيات التي تتزاحم لأجل لقمة العيش في الشرق الأوسط والعالم العربي الأوسع، فإن الأفريقيات ذوات البشرة السمراء هن الأقل أجرا، والأكثر يأسًا والأكثر تعرضا للإساءة.

العمال المهاجرون في لبنان يعانون لكن الأفريقيات يعانين أكثر 

العمل دون مقابل

كريستين أخبرت الكاتبة أن جميع العمال المهاجرين في لبنان يعانون، لكن الأفريقيات يعانين أكثر من غيرهن، إذ "لا يعتبروننا بشرًا، والجميع يتجاهلوننا. ويعتبروننا غير مرئيات". وفي الحقيقة يمكن لأرباب العمل الذين لم يعد بإمكانهم دفع رواتب العاملات، التكفل بإسكانهن وإطعامهن، لكنهم يختارون عدم القيام بذلك، رغم أن العديد من العاملات المنزليات والمربيات يعرضن العمل دون مقابل.

وكما هو الحال مع أية أزمة، فإن الفئات الأكثر ضعفا هم الأكثر تعرضا للأذى. فضلا عن ذلك، يُكافح لبنان في ظل وجود طبقة سياسية فاسدة وغير كفؤة، كما تعمقت الأزمة حاليا بعد الانفجار الذي من شأنه أن يتحدى البنية التحتية الأكثر قوة.

معاناة مزدوجة للعاملات

وبحسب الكاتبة فإن حجم عملية إعادة الإعمار التي تواجهها بيروت يعني أن الأفريقيات الجائعات اللاتي ينمن في ظروف قاسية في شوارع بيروت أصبحن غير مرئيات بتاتا: أولاً من قبل المجتمع اللبناني الذي يعاملهن على أنهن من غير البشر، وثانيا من قبل المجتمع الدولي الذي لا يستطيع تحديد أكثر الفئات تضررا من بين الطبقات العديدة للضحايا في لبنان.

وفي الوقت الحالي، يتكاتف العمال المهاجرون في بيروت مع بعضهم البعض ويتشاركون أي موارد شحيحة لديهم. كما يحاولون تحذير الآخرين بالابتعاد عن هذه البلاد.

وتعود كريستين لتعبر عن خشيتها من أن العمال سيواصلون القدوم إلى لبنان على أي حال، لأنهم يعتقدون أنهم قد يكونون محظوظين، وتقول "عندما تكون فقيرًا، كل ما تفكر فيه هو المحاولة. نحن فقط نريد المحاولة".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي