عربيات في رحلة بحث عن جنسية وحياة أفضل لمواليدهن.

"سياحة الولادة" طوق نجاة من مجتمعات الانهيار

2020-09-11

سوريان يبحثان في أوروبا عن حياة أفضل لمولودهما المنتظر

لندن – بات على النساء العربيات كغيرهن من النساء اللاتي كن يخططن لوضع مواليدهن في الولايات المتحدة البحث عن وجهة أخرى بعد قرارات أميركية دخلت حيز التنفيذ لمكافحة ما يسمى بـ”سياحة الولادة”.

ولا يزال بإمكان العربيات وضع مواليدهن في الولايات المتحدة لتأمين “مستقبل أفضل لهم” بضمان حصولهم على الجنسية الأميركية، لكن مع تحمل تبعات الأمر قانونيا.

ويشير مركز دراسات الهجرة، المنظمة المؤيدة للقيود على الهجرة في الولايات المتحدة، إلى إجراء نحو 40 ألف ولادة سنويا لأجنبيات دخلن البلاد بتأشيرات سياحية مؤقتة، في غياب أي إحصاء دقيق لـ”سياحة الولادة”.

تحضيرات من نوع خاص

تستغرق الأسر الكثير من الوقت في التحضير لقدوم مولودها المنتظر، ماديا ونفسيا، وبالنسبة لأسر أخرى، فإن الواقع مختلف قليلا، إذ يضيف البعض إلى تلك القائمة مهمة وتساؤلا جديدا، وهو: أين سيولد الطفل؟ وعند العثور على الوجهة الملائمة، تسافر النساء على بعد آلاف الأميال من بلدانهن الأصلية لإنجاب أطفالهن في دول تمنح الجنسية في اللحظة الأولى لحياته.

يُسمى ذاك الإجراء بـ”سياحة الولادة / Birth Tourism” أو “سياحة الأمومة / Maternity Tourism” التي تمنح الطفل حق المواطنة، وفي بعض الأحيان والأماكن تُمنح للأم أيضا أو يُعطى الأبوان حق الإقامة الدائمة في البلاد ثم الجنسية، ويُسمح بذلك النوع من السياحة في 30 دولة حول العالم، وأكثرها شيوعا الولايات المتحدة وكندا والبرازيل والأرجنتين. وعلى إثر هذه الظاهرة، ظهر مفهوم “أطفال جوازات السفر”، أو كما يطلق عليهم بالإنجليزية “Passport babies”.

وبالرغم من الشعارات الوطنية التي يرفعها بعض الفنانين، إلا أنهم يفضلون وضع أبنائهم في بلدان أجنبية من أجل الحصول على الجنسية، وخاصة الأميركية، وذلك لتكون لديهم جنسيتان، حتى شبهها البعض بأنها أصبحت “موضة”.

  في ظل تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي، وانخفاض قيمة جوازات السفر العربية، يحرص العديد من الأثرياء والقادرين على منح أطفالهم جنسية “دولة قوية” أملا في تأمين حياة أفضل لهم، ما جعل “سياحة الولادة” تجارة رائجة.

وأثار خبر ولادة زوجة المطرب المصري تامر حسني، المغربية بسمة بوسيل، مولودها آدم، كما ابنتيها قبله، في الولايات المتحدة، جدلا واسعا، لكن تامر حسني ليس أول الفنانين العرب الذين تضع زوجاتهم مواليدهن في الولايات المتحدة، فسبقت زوجته، أخريات، مثل الفنانة المصرية زينة، التي سافرت مع أسرتها إلى الولايات المتحدة لإنجاب توأميها. ومثلها، فعلت ابنة الفنانة غادة عبدالرازق روتانا عندما سافرت إلى الولايات المتحدة قبل موعد ولادتها بـ4 أشهر. كذلك فعلت الفنانة بسمة حين اقترب موعد وضع طفلتها.

وقبلهن، فعلت الفنانة المصرية منى زكي مع أطفالها الثلاثة، والفنانة اللبنانية إيمي المولى زوجة الفنان اللبناني غسان المولى، إضافة إلى كارول سماحة ومي سليم وآيتن عامر وروبي.

وعلى نفس الوتيرة، حصلت ابنة الممثل المصري ماجد المصري على الجنسية الأميركية، بينما اختارت الفنانتان بشرى ولقاء الخميسي الولادة في لندن.

وبموجب الدستور الأميركي، تُمنح الجنسية لكل طفل مولود على الأراضي الأميركية، بمعزل عن جنسية والديه.

الجنسية الأميركية تمنح لكل طفل مولود على الأراضي الأميركية، بمعزل عن جنسية والديه، بموجب الدستور

لكن، بدءا من 24 يناير الماضي، توجب على العربيات البحث عن وجهة أكثر ضمانا لأطفالهن إذا كن يرغبن في منحهم جنسية أجنبية.

يأتي هذا تنفيذا لتعهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2018، بعد تعديل قواعد الحصول على تأشيرة دخول الولايات المتحدة بهدف الحد من “سياحة الولادة”، وهذا ما يثير تساؤلات بشأن الوجهة التي قد يقصدها عدد وافر من العربيات مستقبلا لمنح أجنتهن “جنسية أفضل” و”جواز سفر أقوى”.

وكانت الخارجية الأميركية قد أرسلت برقية إلى سفاراتها في جميع أنحاء العالم، في 23 يناير، بشأن القواعد الجديدة الخاصة بمنح التأشيرة للحوامل الراغبات في السفر إلى الولايات المتحدة.

ووفق إعلان البيت الأبيض، فإن الولايات المتحدة لن تمنح “النساء اللواتي يسافرن إلى الولايات المتحدة من أجل أن يلدن على الأراضي الأميركية كي يحصل أطفالهن بصورة تلقائية ودائمة على الجنسية الأميركية” من الآن فصاعدا تأشيرات زيارة مؤقتة (B – 1 / B – 2).

الجنسية الأميركية تمنح لكل طفل مولود على الأراضي الأميركية، بمعزل عن جنسية والديه، بموجب الدستور

وقال ترامب “نحن البلد الوحيد في العالم الذي يأتي إليه الشخص لولادة طفله، والطفل بالأساس (يصبح) مواطنا أميركيا… مع كل هذه الفوائد… إنه أمر مثير للسخرية، إنه أمر سخيف، ويجب أن ينتهي… هذا في طور التنفيذ. سيحدث… بأمر تنفيذي”.

ورغم ذلك، لا تزال تنشر إعلانات على مواقع على الإنترنت تعرض خدمات “سياحة الولادة” بمقابل يصل إلى 150 ألف دولار وأكثر، يشمل التكاليف الطبية وإقامة راقية والمساعدة في إنهاء الأوراق للحصول على جوازات سفر للمواليد الجدد.

وتروج هذه المواقع بأن الجنسية الأميركية من شأنها أن تتيح الوصول بسهولة إلى الدراسة في الجامعات الأميركية، وكذلك أن يكون هؤلاء المواليد رعاة لهجرة آبائهم إلى الولايات المتحدة عندما تصل أعمارهم إلى 21 عاما.

وباتت المرأة الحامل تطالب بإخفاء بطنها في السفارة عند تقديم طلبها للحصول على تأشيرة دخول إلى البلد المقصود، لأنه يعتقد البعض أن ولادة المرأة في البلد أمر ليس قانونيا، إلا أنها عملية مشروعة تماما، ولكن الشبكات التجارية ألحقت هذه الممارسة بتهم قضائية مثل “الاحتيال على النظام أو التأشيرة الممنوحة”، ما يفسر قمع المسؤولين السياسيين لهذه الشركات وملاحقتها بدعاو قانونية مثل الاحتيال الضريبي، لكن رغم سوء استغلال قانون التجنيس من بعض مكاتب سياحة الأمومة، فإن الأمور تتخذ بعدا آخر بالنسبة إلى الأشخاص الذين يلجأون لهذا النظام هربا من العقوبات السياسية أو الدينية في البلد الأم، أو خوفا من اضطراب وتوتر الأوضاع السياسية والاقتصادية في بلادهم.

محاولة لتأمين مستقبل

الناس الذين يأتون من بلدان الحروب والأزمات، يغامرون لتأمين مستقبل كامل لهم أو لأطفالهم

ينظر الناس وتحديدا الذين يأتون من بلاد الحروب والأزمات السياسية، مثل فلسطين والعراق ولبنان وسوريا واليمن، إلى سياحة الولادة كطوق نجاة من الانهيار الاقتصادي والبطالة، ومحاولة لتأمين فرصة عمل أو مستقبل كامل لهم أو لأطفالهم، فيصبح قانون التجنيس الفوري أو المباشر الحل الأمثل لتجنب جميع العراقيل والصعوبات التي تعقد حياتهم بسبب مكان ولادتهم، إلى جانب ذلك، لا شك أنه في الوقت الذي يبحث فيه البعض عن فرصة لتأمين أساسيات الحياة مثل العمل والتعليم والضمان الاجتماعي، يبحث سواهم عن رفاهية السفر بحرية إلى العشرات من الدول دون تعقيد ومماطلة في المطارات.

ومع فرض العديد من دول الاتحاد الأوروبي قيودا مماثلة كتلك التي أعلنتها الخارجية الأميركية، يبقى السؤال المطروح بقوة: ما هي الوجهة المقبلة للعربيات الراغبات في منح مواليدهن جنسية أجنبية قوية؟

وألغت فرنسا إعطاء الجنسية للمولودين على أرضها العام 1993 مع اشتراط منح الجنسية بأن يكون أحد الأبوين يحمل الجنسية الفرنسية أو مولودا في البلاد.

وكانت أيرلندا آخر بلدان الاتحاد الأوروبي في هذا السياق، إذ منعت إعطاء الجنسية للمواليد إلا لأب أو أم يحمل جنسيتها من خلال تعديل دستوري وافق فيه نحو 80 في المئة من المصوتين على الأمر.

وتمنح المملكة المتحدة الجنسية للمواليد، بشرط أن يكون أحد الوالدين حاملا للجواز البريطاني.

وفي أستراليا كان الدستور الأسترالي ينص حتى عام 1986 على منح الجنسية لأي شخص يولد في أستراليا دون استثناء، إلا أن القانون تم تعديله وأصبحت الجنسية تُمنح لمن يولد على الأراضي الأسترالية، بشرط أن يكون أحد والديه مواطنا أو حاصلا على إقامة دائمة. وفي ألمانيا تمنح الجنسية الألمانية بشرط إقامة أحد الوالدين في البلاد 8 أعوام على الأقل ويحمل إقامة دائمة.

كما تمنح الجنسية في اليابان بشرط أن يكون أحد والديه حاصلا على الجنسية اليابانية.

خيارات قليلة

تُفزع المواقف المعادية لسياسة التجنيس بالولادة بعض الأسر التي تخطط لتأمين مستقبل أطفالها، لاسيما أن الدول الأوروبية اعتادت منح حق المواطنة للمواليد الأجانب، لكن هذه المرونة لم تعد سارية في يومنا الحاضر، فقد قيدت تلك البلدان شروط التجنيس بهدف الحد من سياحة المواليد، الإجراء الذي يخشى البعض تطبيقه في الدول المانحة حاليّا.

وباتت النساء العربيات يخترن كندا لوضع مواليدهن، لكن أصبح جليا أن الولايات المتحدة ليست استثناء، حيث تتعرض المواطنة المكتسبة بالولادة لانتقادات شديدة أيضا في كندا، إذ يسعى البعض للقضاء على السياسات والقوانين التي تسمح بها، إلا إذا كان أحد الوالدين مواطنا كنديا أو مقيما دائما في البلاد.

وشهدت بعض المستشفيات في كندا ارتفاعا بمقدار أربعة أضعاف في عدد الأمهات الأجنبيات اللاتي يلدن في السنوات الخمس الأخيرة، ومؤخرا ذكرت إحصاءات حديثة أن نحو 5 آلاف طفل ولدوا لأبوين غير مقيمين في البلاد بين عامي 2018 و2019.

وتنمو سياحة الولادة بوتيرة مطردة منذ مطلع العقد الماضي، ففي كندا على سبيل المثال تشير بيانات حكومية لمقاطعة كيبك إلى أن إجمالي حالات سياحة الولادة ارتفع من نحو 0.4 في المئة من إجمالي حالات الولادة بالمقاطعة في 2010 إلى نحو 1.5 في المئة بنهاية العام الماضي.

وتمنح جميع الأشخاص المولودين في كندا بعد 14 فبراير 1977 لهم حق المواطنة، دون النظر إلى الجنسية التي يحملها الأب والأم، وببلوغ الطفل 18 عاما، يمكنه استقدام أبويه للحصول على إقامة دائمة في البلاد، ومن ثم الجنسية الكندية.

وتمنح للأطفال الجنسية في حال ما إذا كان أحد الأبوين حاملا إقامة بكندا وقت ولادة الطفل، وألا يكون أحد الأبوين عاملا في السلك الدبلوماسي لدولة أخرى أو منظمة دولية لها مميزات الحكومات، على أن يسجل الطفل خلال 30 يوما من الولادة.

وتبقى أمام الباحثات عن مستقبل أفضل لأبنائهن عدة خيارات أخرى لا ترقى لطموحات بعضهن كالأرجنتين التي تمنح جنسيتها للأطفال المولودين على أراضيها بغض النظر عن جنسية الأبوين أيضا، ودون الحاجة للإقامة لمدة عامين؛ يستطيع الوالدان تقديم طلب الحصول على الجنسية بمجرد تقديم نسخة من شهادة الميلاد وشهادة مكتب الهجرة.

ويستطيع حامل الجواز الأرجنتيني السفر من دون تأشيرة إلى أنحاء الولايات المتحدة الوسطى والجنوبية إضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي، ومعظم باقي أنحاء أوروبا.

البحث عن "جنسية أفضل" لولدي

وكالأرجنتين تمنح الإكوادور الجنسية للأطفال المولودين في البلاد، بمجرد تسجيلهم في مكتب قيد المواليد، وتقديم وثيقة الزواج للوالدين ويمكن الحصول على الجنسية منذ الولادة وحتى عمر 18 سنة.

وتقول أمل الفلسطينية “اخترنا البرازيل، إنها تمنح الجنسية للطفل وأشقائه غير المولودين في البرازيل، كما تُعطي للوالدين الإقامة الدائمة ومن ثم الجنسية”.

وتتميز البرازيل بالرعاية الطبية المتميزة خلال الولادة، وتجعل الولادة رخيصة جدا مقارنة بالدول الأوروبية فضلا عن منحها الجنسية للأطفال المولودين فيها بمجرد تقديم شهادة الميلاد.

ويحق لحامل الجنسية البرازيلية دخول أكثر من 120 دولة، ويحق لوالديه الإقامة على أرضها وبعد إقامة عامين متصلين على الأقل، يمكنهما تقديم طلب الحصول على الجنسية.

وفي الأوروغواي أيضا، يُمنح أي شخص يولد فيها الجنسية الطبيعية للأوروغوانيين عند الولادة، حتى إذا كان الوالدان أجنبيين. ويمكن للوالدين الحصول على الجنسية بثلاث طرق مختلفة: استثمار مبلغ كبير من المال في الأوروغواي، أو المساهمة في مجالي العلوم والفنون، أو الإقامة لمدة ثلاث سنوات في البلد.

وتعد الأوروغواي أغنى دولة في أميركا الجنوبية، وتكاد تنعدم فيها البطالة، ويعتبرها كثيرون بديلا رخيصا للدول الأوروبية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي