لماذا يفعل بوتين ما يريد ولا تستطيع أوروبا الرد عليه؟ تسميم نافالني كشف ضعف ألمانيا أمامه

2020-09-09

بوتين وميركل وبينهما ماكرون

"ألاعيب سياسية قذرة".. عبارة حادة ردّت بها الخارجية الروسية على اتهامات أوروبية بقيادة ألمانيا لموسكو بتسميم المُعارض أليكسي نافالني، فماذا يكشف هذا التحدي الروسي البعيد عن الدبلوماسية في مواجهة جديدة بين الدبّ الروسي وخصومه القدامى؟

فرصة لترامب وأطراف أخرى

قضية تسميم نافالني شهدت تصعيداً كلامياً خطيراً في الأيام القليلة الماضية، ودخلت الولايات المتحدة الأمريكية على خط الأزمة، فيما يراه مراقبون أنه يهدف إلى استغلال القضية للضغط على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لإلغاء خط أنابيب نقل الغاز الروسي مباشرة إلى ألمانيا، وهو المشروع الذي انتقده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مراراً واتخذه ذريعة لسحب آلاف الجنود الأمريكيين من ألمانيا التي يرى أنها تدفع مليارات لموسكو ولا تلتزم بحصتها في ميزانية الدفاع ضمن حلف الناتو.

ترامب وبوتين

ونافالني مدوّن ومحامٍ ومُعارض سياسي روسي يبلغ من العمر 44 عاماً تدهورت حالته الصحية بشكل مفاجئ عندما كان في رحلة جوية في 20 أغسطس/آب الماضي، ما أجبر الطائرة على الهبوط اضطرارياً في مدينة أومسك الروسية، ووافق الأطباء الروس، في 21 أغسطس، على طلب أسرته ومحاميه بالسماح بنقله من مستشفى في سيبيريا إلى برلين لتلقي العلاج.

وسرعان ما ظهرت تقارير صحفية ألمانية وأوروبية تفيد بتعرض نافالني للتسميم بواسطة قتالية سامة روسية المصدر تم تطويرها أيام الاتحاد السوفييتي السابق، وهو ما أطلق حملة من حرب التصريحات ودعوات لفرض عقوبات على موسكو، على غرار ما حدث عام 2014 عندما غزت القوات الروسية أوكرانيا وضمّت شبه جزيرة القرم.

لكن الظروف الإقليمية والدولية تبدو الآن شديدة الاختلاف عما كانت عليه قبل ست سنوات؛ فأوروبا لم تعد موحدة في مواقفها كما كانت من قبل والعلاقات الأوروبية الأمريكية ليست في أفضل حالها منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، كما أن روسيا 2020 ليست هي نفسها روسيا 2014 لا اقتصادياً ولا سياسياً ولا عسكرياً، وهو ما يلقي بظلال من الشك حول قدرة أوروبا وأمريكا على فرض عقوبات موجعة بحق الدبّ الروسي.

تحدٍّ روسي لألمانيا وأوروبا

وأمس الثلاثاء 8 سبتمبر/أيلول، اتهمت الخارجية الروسية ألمانيا بخدمة "ألاعيب سياسية قذرة" بمزاعمها حول تسميم نافالني، وأوضحت المتحدثة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا أن "الوزارة تنتظر من السلطات الألمانية تقديم بيانات مخبرية وشهادات تدعم فرضية تعرض نافالني للتسميم بمادة قتالية سامة روسية المصدر".

المعارض الروسي أليكسي نافالني

وبلهجة متحدية، قالت زاخاروفا إن "الوزارة بانتظار حضور السفير الألماني لدى موسكو.. حيث حان وقت كشف الأوراق، إذ أصبحت خدعة برلين واضحة للجميع"، وتطرقت إلى تصريحات معهد علم الأدوية والسموم التابع للقوات المسلحة الألمانية، الذي رفض تقديم معلومات إضافية حول أساليب وطرقات مستخدمة من قبل أخصائييه، وأمكنت التوصل إلى استنتاج "قاطع" عن وجود آثار مادة سامة قتالية في عينات نافالني البيولوجية، وذلك لاعتبارات "السرية".

المتحدثة قالت للصحفيين إن "اعتبارات الحفاظ على السرية لم تمنع من ورود تقارير إعلامية عن تبادل معلومات مكثف بين المعهد العسكري المذكور ومستشفى شاريتيه الذي يتلقى نافالني العلاج فيه، ومخبر بورتون داون الكيميائي البريطاني، والمؤسسات المماثلة في بلغاريا".

وكان وزير الخارجية الألماني هايكو ماس قال إن بلاده تملك "أدلة كثيرة" تشير إلى تورط الدولة الروسية في الحادث، وجاء رد زاخاروفا أنها "أمور خطيرة جداً كي نسمح لمسؤولي ألمانيا بإبقائها طيّ الكتمان".

خروج الخارجية الروسية بتلك التصريحات التي تتسم بالتحدي جاء بعد ساعات من دعوة مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ميشال باشليت، موسكو إلى فتح تحقيق مستقل وشفاف في واقعة تسميم نافالني.

لوكاشينكو أيضاً دخل على الخط

اللافت أن رئيس روسيا البيضاء ألكسندر لوكاشينكو الذي يواجه خطر فرض عقوبات أوروبية بسبب الاحتجاجات الشعبية في بلاده بعد مزاعم تزوير الانتخابات الرئاسية، دخل أيضاً على خط أزمة تسميم نافالني وصرح بأنه يوجد جزء غير منشور من المحادثة التي اعترضتها أجهزة مخابرات بلاده مؤخراً حول المعارض الروسي.

وخلال لقائه مع ممثلي وسائل الإعلام الروسية، قال لوكاشينكو إن هذا الجزء غير المنشور من المكالمة المزعومة يتسم بتفاصيل مثيرة جداً، وقال رومان بابايان رئيس تحرير إذاعة "هنا موسكو"، الذي حضر اللقاء: "لن أكرر ما قاله لوكاشينكو حرفياً، لكنني سأنقل المعنى الآن. أشار رئيس بيلاروس إلى وجود كل هذا الحديث الهاتفي لدى سلطات بيلاروس. وشدد على أن التسجيل بات الآن بحوزة مدير جهاز الأمن الفيدرالي الروسي. وأكد لوكاشينكو وجود تفاصيل مثيرة جداً لم تنشر بعد". 

بوتين ولوكاشينكو

والقصة تأتي استكمالاً لما أعلنه لوكاشينكو الأسبوع الماضي عن اعتراض بلاده محادثة بين وارسو وبرلين حول الوضع المتعلق بالمدون الروسي نافالني، ووعد لوكاشينكو بتسليم التسجيل إلى المخابرات الروسية، ونشرت قناة ONT التلفزيونية الحكومية في روسيا البيضاء جزءاً من التسجيل، حيث قال فيه الشخص الذي تمت تسميته ممثل ألمانيا إن تأكيد "تسميم" المدون الروسي ليس مهماً جداً، لأن "أي طريقة في الحرب جيدة"، لكن مجلس الوزراء الألماني وصف المحادثة المسجلة بالمزيفة، كما نفت بولندا المعلومات المتعلقة بالمحادثة.

هل يمكن فرض عقوبات على روسيا؟

إجابة هذا السؤال مرتبطة بشكل مباشر على ما يبدو بمشروع نورد ستريم2 أو خط أنابيب نقل الغاز الروسي لألمانيا، ويتضح ذلك من تصريحات رئيس اللجنة الاقتصادية الألمانية المختصة بالعلاقات مع شرق أوروبا أوليفر هيرمس المتعلقة بقضية تسميم نافالني.

هيرمس قال في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د ب ا) إنه "لا يوجد شك على الإطلاق" في أنه يتعين الكشف عن خلفيات واقعة تسميم نافالني بشفافية ومحاسبة المسؤولين عنها، لكنه أكد أنهم في اللجنة "لا نرى أنه من المبرر أن تتضرر شركات أوروبية ليس لها صلة تماماً بالموضوع بعقوبات اقتصادية".

خط أنابيب الغاز الروسي لألمانيا سلاح بوتين الأقوى

هيرمس أضاف بشكل حاسم: "لقد تمت مراجعة مشروع نورد ستريم 2 واعتماده من قبل جميع الهيئات المسؤولة داخل ألمانيا والاتحاد الأوروبي خلال عملية طويلة للغاية. لا ينبغي أن يقودنا الأذى الرهيب الذي لحق بالسيد نافالني إلى تصرف ينطوي على خرق لقانون الاتحاد الأوروبي الخاص بنا. القانون ينبغي أن يظل قانوناً"، مشيراً إلى أنه علاوة على ذلك لا يمكن استبعاد أن "تنشأ مطالبات كبيرة بالتعويض عن الأضرار" حال تم وقف المشروع.

فقد قامت الشركات الأوروبية بالفعل بتحويل خمسة مليارات يورو لصالح المشروع، كما أن وقف المشروع لن يخرب استثمارات هذه الشركات فحسب، بل سيطول التخريب أيضاً خط الأنابيب التكميلي الذي يبلغ تكلفته ثلاثة مليارات يورو عبر شرق ألمانيا إلى التشيك.

وقد نشرت دويتش فيله تقريراً مطولاً حول خيارات أوروبا والغرب في مواجهة مفتوحة مع روسيا بشأن قضية تسميم نافالني بعنوان: "تسميم نافالني: في مواجهة روسيا، الاتحاد الأوروبي خياراته محدودة"، رصد آراء محللين وسياسيين أوروبيين بشأن ما يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتخذه من قرارات وخطوات عقابية بحق موسكو.

وقال هانز هينينغ شرودر، الباحث بمعهد أوروبا الشرقية للدراسات في جامعة برلين الحرة، إنه "علينا أن نتذكر أن الاتحاد الأوروبي عموماً وألمانيا خصوصاً يمتلكون خيارات محدودة للغاية لممارسة ضغوط ذات معنى على روسيا"، مضيفاً أن الخيار الوحيد الذي يبدو موجعاً هو أن تتوقف ألمانيا والاتحاد الأوروبي عن استيراد الغاز من روسيا، "لكن هذا خيار غير واقعي؛ لأنه مكلف للغاية وسيتطلب إعادة تنظيم لوجستي ضخم".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي