
تساءلت مجلة "إيكونوميست" عن الدولة العربية التالية في مسار التطبيع بعدما فتحت الإمارات الطريق، وأشارت إلى تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 13 آب/ أغسطس: “تكسر الجليد الآن، والمتوقع أن عددا آخر من الدول العربية والإسلامية أن تحذو حذو الإمارات العربية المتحدة”. وكانت الإمارات هي الدولة العربية الثالثة بعد الأردن ومصر توقع اتفاقية مع إسرائيل.
وتعلق المجلة أنه تم الترحيب بالاتفاقية من قادة عدة بالمنطقة الذين أقاموا علاقات سرية مع الدولة اليهودية. والسؤال من سيكون التالي للكشف عن علاقاته السرية والخروج علنا؟
وقالت إن الرهان الجيد هي عُمان التي هنأت إسرائيل والإمارات على اتفاقهما. ولعبت عُمان في الماضي دور الوسيط بين إسرائيل والعالم العربي. وفي عام 2018 استقبل السلطان الراحل قابوس بن سعيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان أول مسؤول إسرائيلي يزور دولة خليجية منذ أكثر من عقدين.
وفي كانون الثاني/ يناير، تسلم هيثم بن طارق السلطة في عمان، وعزل وزير الخارجية يوسف بن علوي في 18 آب/ أغسطس، بعدما تحدث مع نظيره الإسرائيلي غابي أشكنازي.
وربما جاءت الخطوة كجزء من تعديل وزاري، إلا أن السلطان هيثم لا يشعر بالثقة لاتخاذ خطوة جريئة كهذه. ولو لم تكن عُمان التالية، فالبحرين ستكون، خاصة أن حكومتها أثنت على الصفقة “التاريخية” بين الإمارات وإسرائيل. ويقال إن رئيس وزرائها تحدث مع مدير المخابرات الإسرائيلية.
واستقبلت البحرين مسؤولين إسرائيليين في السابق. واتخذها المسؤولون الأمريكيون نقطة للكشف عن الجزء الاقتصادي من خطة ترامب للسلام فيما عرف بورشة المنامة العام الماضي. وهي على علاقة جيدة مع الإمارات وتعتبر إيران تهديدا.
وهناك من يتحدث عن السودان كإمكانية قوية. فقد التقى نتنياهو زعيمَها الانتقالي عبد الفتاح البرهان هذا العام في أوغندا، حيث اتفقا على بداية تطبيع العلاقات، ولكن السودان أرسل رسائل متضاربة في الفترة الأخيرة.
وعلى الجانب الآخر من أفريقيا، هناك المغرب والذي تعتبر رهانا جيدا أيضا، فقد لعب دورا مهما في المبادرات السلمية السابقة، وكان مركزا للحياة اليهودية. وهناك مئات آلاف اليهود الذين ينحدرون من المغرب.
وموريتانيا القريبة هي مرشح آخر لتطبيع العلاقات. وأقامت علاقات رسمية مع إسرائيل ما بين 1999-2009 ثم قطعتها بسبب الحرب في غزة، ولكنها أثنت على “القرار الحكيم” للإمارات.
وتظل السعودية احتمالا بعيدا، فقد قال ولي العهد محمد بن سلمان والحاكم الفعلي للبلاد، إن العلاقات قد تنفع الطرفين. وينظر بحسد للتفوق الإسرائيلي في مجال التكنولوجيا والاقتصاد. ويتعاون البلدان في مواجهة إيران. ولكن علاقات رسمية تظل خطوة بعيدة للدولة المحافظة.
واعتبرت المجلة في افتتاحيتها أن العلاقة السرية بين الإمارات وإسرائيل أصبحت علنية. وقارنت بين مشهد الغضب الذي أبدته الأنظمة الديكتاتورية العربية على توقيع أنور السادات معاهدة كامب ديفيد وزيارته قبل ذلك لإسرائيل عام 1977، حيث تم تعليق عضوية مصر في الجامعة العربية التي نقل مقرها إلى تونس، واعتبر القادة العرب خطوة السادات “خيانة”.
واغتيل السادات عام 1981 بسبب كامب ديفيد. ولا تزال المنطقة كما هي بعد 4 عقود، فالفلسطينيون بدون دولة وحاكمها من الديكتاتوريين. ولكن العلاقات بين إسرائيل وبقية العالم العربي لا يمكن التعرف عليها.
وعندما أعلنت الإمارات عن توقيع اتفاقية مع إسرائيل لم يكن هناك غضب كبير من جانب الأنظمة الديكتاتورية أو تظاهرات في عواصمهم، بل على العكس، أثنى عدد من قادة المنطقة على ما فعلته الإمارات كثالث دولة عربية تطبع علاقاتها مع إسرائيل بعد الأردن ومصر.
وقالت إن البعض يصفه بالاختراق أو نقطة التحول، إلا أنه ليس مهما من ناحية تحويله المنطقة، ولكن ما يعكسه من تغيرات حصلت. فلم تعد المنطقة مركزا للعدوان العربي- الإسرائيلي. وأصبحت الدول تنظر للأمام لا إلى الخلف عندما تحدد سياساتها.
وترى المجلة أنه في منطقة مضطربة يجب الاحتفال بالاتفاق رغم وجود خطوط الصدع. فليس سرا تعاون دول الخليج مع إسرائيل وتبادلها المعلومات العسكرية والأمنية في مواجهة إيران.
وبدأ المسؤولون الإسرائيليون في الفترة الأخيرة يظهرون في عواصم الخليج. ولكن قرار الإمارات نقل علاقتها مع إسرائيل للعلن سيلجب المنفعة على الطرفين. ويشعر رجال الأعمال الإسرائيليين بالنشوة لدخولهم السوق الخليجية خاصة دبي التي تحتاج إلى إعادة تأهيل. وتم توقيع اتفاقيات بين شركات إسرائيلية وإماراتية، ويبدو السلام دافئت بين البلدين مقارنة مع السلام البارد مع مصر.
وأشارت المجلة للدور الأمريكي، حيث كشفت إدارة ترامب عن خطة سلام رفضها الفلسطينيون ومعظم الدول العربية؛ لأنها سمحت لإسرائيل بضم 30% من أراضي الضفة الغربية. لكنها كانت ترعى في الوقت نفسه محادثات سلام بين إسرائيل والإمارات.
ولم تطلب الإمارات تنازلات من إسرائيل سوى وعد بتأجيل الضم. ويعتبر الاتفاق ورقة ضغط بيد نتنياهو الذي يواجه اتهامات فساد وتظاهرات بسبب سوء إدارته لجائحة فيروس كورونا.
واستطاع نتنياهو التخلي عن وعده للمتشددين الذين يريدون ضم الضفة الغربية، ورمى لهم في الوقت الحالي سلاما مقابل سلام بدون تبادل أراض مع الفلسطينيين، الذين هم الخاسر الأكبر، لأن الدول العربية اشترطت التطبيع في مبادرتها بحل القضية الفلسطينية وإقامة الدولة المستقلة بعاصمة لها في القدس.
لكن قادة الدول العربية، خاصة في الخليج يشعرون بالإحباط من القيادة الفلسطينية العنيدة. وترى المجلة أن فصل المسار العربي- الإسرائيلي، عن المسار الفلسطيني- الإسرائيلي يكشف عن المهزلة العربية ويعطي فرصة لتقييم ما هو ممكن.
أما عن خطوط الصدع، فمن جهة هناك أمريكا وإسرائيل ودول الخليج. وعلى الجهة الأخرى هناك إيران التي يقف اقتصادها على حافة الانهيار، وحليفها حزب الله في لبنان الذي يعاني من التداعيات السلبية لانفجار بيروت.
ومن هنا فالاتفاق الإسرائيلي- الإماراتي يضيف عنصرا جديدا لاستراتيجية أقصى ضغط التي تمارسها إدارة ترامب على طهران. ولا أحد يعرف إلى أين ستقود الحملة.
وتخلص المجلة للقول إن الأعداء الألدّاء لا يبقون كذلك لوقت طويل.