
لا شك بأن دبي تشهد تلك النهضة العمرانية وما يتبعها من تطور علي كل المستويات ومنها الفنون بشكل عام والفن التشكيلي الذي يرتبط أساساً بالعمارة والرخاء لذلك تزايد عدد صالات العرض وبشكل ملفت للنظر، وهل هذا التنافس في العرض هو لصالح اللوحة والفنان أم أمر اقتصادي وما يتبعه من عرض وطلب تحكمه مقومات السوق أكثر من المستوي الفني..؟ أم هي حقيقة تطور..؟ هي أسئلة تراود من يتابع الحركة الفنية، وإن كنتُ من أكثر المتفائلين ومن أصحاب مقولة فلتزدد الصالات فهذا بكل الأحوال هو لصالح الفن ولمصلحة الفنان مهما تكن السوية فبالنهاية سيتم الفرز وهذا من أحد مقومات الحركة تتبع بعدها بالتغيير.
أيام اختارت المحطة الثانية لنشاطها إمارة دبي بعد محطتها الأولي في دمشق والتي تكللت بنجاح ملفت نظراً للفترة الزمنية القصيرة التي عندما علمت بموقع الصالة كان الخبر مريحاً وخاصة من خلال اختيار الموقع الذي تختاره أكثر الصالات الجديدة خارج حدود المركز هروباً من الازدحام، ولدي وصولي للصالة وفي المدخل كانت المفاجأة بكثافة الحضور إضافة للنوعية، وخاصة حضور الأصدقاء من الفنانين وزملاء الدراسة ومنهم من لم نلتق بهم منذ أكثر من عقدين من الزمن، أما عن الفنانين المشاركين فأغلبهم أصدقاء.
هم ليسوا كل الفن السوري وليسوا النخبة كلها فالفن التشكيلي السوري لا تستطيع صالات ومعارض مختلفة أن تحيط بتجاربه، هو تاريخ بحد ذاته وله خصوصيته ولكن نستطيع أن نقول أن المشاركين من أهم التجارب الفنية للمحترف السوري ولهم خصوصيتهم ومن الفنانين الذين تسلط عليهم الأضواء، وتأتي هذه الصالة الحديثة العهد بافتتاح مميز ومن خلال مقومات خفية ربما الإمكانيات المادية التي لا تكفي وحدها.. بل هناك أيضاً الحماس للفن التشكيلي عامة والسوري بشكل خاص هو وراء هذا النجاح وهذا الاهتمام، وربما هو إدخال عالم اللوحة إلي مجال الأعمال ومن الأبواب العريضة لتنتفي مقولة أن الفن لا يطعم خبزاً والمقصود هنا التشكيلي لأن أنواع الفنون الأخري كالطرب والتمثيل أصبح يوصل إلي أكثر من أن يطعم فقط.
صالة فخمة أخذت مساحة كبيرة في منطقة القوز في دبي هي اختيار ذكي لتوفر المساحة التي استوعبت اللوحات ذات الأحجام الكبيرة وفرت العرض المريح وإن كان هناك بعض الملاحظات من بعض الحضور الفني عن توزيع الأعمال، ومع ذلك إذا أردنا تعريف كم الأعمال والمساحة فهي ليست مجرد صالة عرض بل هي مهرجان فني نتمني أن يتوج بأعمال فنانين آخرين ليكتمل هذا المشروع الفني.
من الملفت للنظر هو أخذ تواريخ مختلفة زمنياً وكتجارب فنية لها تأثيرها في الفن التشكيلي السوري والعربي بشكل عام فتواجد أعمال للفنان لؤي كيالي صاحب المدرسة المميزة والأسلوب الخاص، هذا الفنان الغني عن التعريف إلي جانب لوحات للفنان فاتح المدرس أحد بصمات التشكيل السوري إلي جانب أعمال للفنانة ليلي نصير وهي أيضاً صاحبة تجارب مهمة، أما عن أعمال الفنان منذر كم نقش فكانت تحمل روحاً خاصة بجمعه أعمـــــالا ًنحتية إلي جانب اللوحات وهو من الفنانين أصحاب التأثير المهم من خلال تدريسه في كلية الفنون الجميلة، ثم أعمال الفنان محمود حماد من خلال تلك المدرسة الحروفية المتفردة والتي كان لي شرف أن يكون عميد الكلية أثناء دراستي فيها، ذلك الفنان صاحب الأخلاق العالية، وعرضت هذه الأعمال في الجزء العلوي من الصالة بإفراد هذا القسم كتكريم لأصحاب هذه التجارب الفنية الرائدة للفن التشكيلي السوري.
أما عن أعمال الفنان المتجدد عبد الله مراد والذي يوغل في التكوين مجرداً الشكل واللون تارة عبر صخب الخطوط ليحرك مساحة اللوحة بأسلوبه المتفرد وتارة من خلال تلك التقنيات التي يبحث وبجد من خلالها لتصبح أحد أهم مقومات تجاربه الفنية.
ثم يمكننا الانتقال لتجربة الفنان ثائر هلال والمقيم في الشارقة إذ عرض هنا تجربة مختلفة عن خطه الفني تقنياً وإن بقي ضمن الشكل العام وهنا كعادته أحياناً يخرج عن تأثير اللون ليدخل عالم التأثير النافر وأحياناً إلي المجسمات والمهم في تجربته ليس فقط استمرار البحث بل هو الانتقاء.
ثم تجربة الخط المتفردة للفنان الخطاط منير شعراني والذي أصبح مدرسة خطية ثم عدسة الفنان والفوتوغرافي نصوح زغلولة وهو صاحب تجربة في التصوير ومن الأسماء المهمة في الفوتوغراف السوري، وأيضا حضرت لوحات الفنان يوسف عبد لكي بتجربته الجديدة بالأسود والأبيض والتي توَجها بمعرض في دمشق لدي عودته لها بعد اغتراب طويل، ثم إلي أعمال أسعد عرابي وهو من الفنانين والنقاد المهمين، أصحاب البصمات في التشكيل السوري وما عرض من أعماله استمرار لشخوصه ذات الهوية المحددة والتي يستمر باستدراجها، ويحيطها بأسلوبه الخاص لونياً وتقنياً.
ولا شك بأن تجربة الفنان صفوان الداحول والتي أعاصرها منذ البدايات والتي مرت بمراحل متعددة بناها بدراسة متأنية بحساسية ورهافة الفنان الخاصة وهذه التجربة لا يمكن حصرها بعجالة، وقد استحضر في هذا العرض شخوصه وأبطاله مختزلاً إياها بحركات إنسانية لتمر عبر بوابات الرمادي والأصفر.
ثم تأتي انطباعية سامية حلبي بفسيفسائية علي مساحات واسعة، وأشخاص خالد تكريتي باختزالات وإن لم تبتعد عن الواقعية، ثم وحشية وجوه فادي يازجي بخطوطها القاسية، ومن ثم إطلالة أعمال تحمل سمات وأساليب مختلفة لفنانين شباب، يخطون دروبهم بثقة أمثال: عمار البيك ونهاد الترك وتمام عزام وحسام بلان ووليد المصري الذي قدم تجارب بتقنيات مختلفة وبتبسيط خاص، وعبد الكريم مجدل ومطاع مراد ومهند عرابي وياسر صافي وقصي سلمان وعمران يونس وهذه الأسماء الجديدة هي تجارب تخطو بثقة وتلاقي الدعم المناسب من هذه الصالة التي تتبني أعمالهم ليرفدوا التشكيل السوري، ولا شك بأن العرض في هذه الصالة هو ملخص لحالة التشكيل في سورية وإن غابت عنه أسماء مهمة فليس من الممكن بعرض واحد أن يختصر التجربة التشكيلية السورية ولا يتحمل العرض أكثر، فاقتصر هذا المعرض علي الفنانين المتعاقدين مع الصالة بأسلوب عمل جديد مختلف عن المتعارف عليه عربياً في العلاقات والعقود الفنية، وربما هو لصالح الحركة الفنية، وإن وجدت بعض الهفوات، لكن يمكن أن يؤسس لعلاقات جديدة وأن يكون مرحلة مختلفة في مسيرة المحترف السوري الذي قصَّر الإعلام معه كثيراً، ولم يعطه إلا القليل من حقوقه.
كاتب من سورية يقيم في دبي