بيوتها العتيقة تراث يضيع في زخم الانفجار

هل تخسر بيروت هويتها العمرانية؟

2020-08-12

تقرر منع إجراء أي معاملة بيع أو تصرف أو تأمين تتعلق بالعقارات المتضررة من كارثة تفجير مرفأ بيروت، ومنع تسجيلها في الدوائر العقارية إلا بعد الانتهاء من كافة أشغال الترميم، وبعد موافقة وزارة الثقافة، وفقا للأصول المتعلقة بحماية الأبنية التاريخية والتراثية.

هذا ما أعلنه وزير الثقافة اللبنانية عباس مرتضى، الذي جاء بناء على طلب رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وأضاف مرتضى أن هذا القرار يأتي "حرصا على حماية الطابع العمراني والديموغرافي والتاريخي للمناطق المتضررة من كارثة انفجار مرفأ بيروت، ولمنع أي استغلال للمساس بالملكية أو المضاربة العقارية، أو تغيير الطابع العمراني أو التراثي أو التاريخي في تلك المباني".

العقارات​ التراثية

وكان رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ أجرى اتصالا بوزيري المالية والثقافة في ​حكومة​ تصريف الأعمال ​غازي وزني​ و​عباس مرتضى​ طالبا اتخاذ القرارات والإجراءات والتدابير اللازمة لمنع أي عملية رهن أو بيع أو وضع إشارة في ​السجل العقاري​ لأي عقار أو مبنى من المباني و​العقارات​ المصنفة تراثية أو ثقافية أو تاريخية طوال فترة المسح القائم وأثناء عملية إعادة الإعمار، وذلك منعا لاستغلال الفرصة، والتسلل تحت جنح العصف والدمار الحاصل في المنطقة المنكوبة في العاصمة ​بيروت.

ترميم التراث

وكان وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي غرد على تويتر محذرا من ارتكاب جريمة هدم التراث في مناطق الجميزة ومار مخائيل والأشرفية من قبل بلدية بيروت لصالح السماسرة، لافتا إلى أن بلدية بيروت تمتلك المال الكافي لترميم التراث وإيواء المتضررين ومساعدتهم. مؤكدا أنه "آن الأوان لأن ينفق هذا المال بإشراف المجتمع الأهلي لصالح بيروت وأهل بيروت".

الطوارئ التركية

وكان رئيس إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) محمد غوللو أوغلو قال إن محبة سكان العاصمة اللبنانية بيروت لتركيا زادت مسؤولية مؤسسته لتقديم المساعدات إلى المدينة التي تعرضت لكارثة كبيرة.

وبين غوللو أوغلو -في مقابلة أجرتها معه الأناضول- فعاليات البحث والإنقاذ التي تقوم بها "آفاد" في بيروت، التي شهد ميناؤها انفجارا ضخما في الرابع من أغسطس/آب الجاري، مما تسبب في دمار كبير.

وكانت العاصمة اللبنانية قضت ليلة دامية جراء انفجار ضخم في مرفأ بيروت، مما خلف 171 قتيلا وأكثر من 6 آلاف جريح، ومئات المفقودين، حسب أرقام رسمية غير نهائية.

وعقب الانفجار، أرسلت تركيا مساعدات فورية، وكانت سباقة بالوقوف إلى جانب الشعب اللبناني، ومدت يد العون له ولشعبه.

ولم تكتف تركيا بإرسال المساعدات وطواقم البحث والإنقاذ، بل تم إيفاد نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، ومسؤولين أتراك إلى بيروت السبت الماضي، حيث التقى الوفد الرئيس اللبناني ميشال عون.

مأساتا العصرنة والانفجار

يلتقي على دمار بيوت بيروت انفجار المرفأ، بعد أن هددها "الباطون". وكانت التشكيلية ليلى داغر، وهي من الفنانات اللبنانيات المولعات بمدينتهن؛ فقد أحبت بيروت، وعاشت تطوراتها وانقلاباتها وتغيرات أحيائها وأزقتها وشبابيك بيوتها وبواباتها الجميلة.

وفي محترف التشكيلية ليلى ركن خاص لمعرض أسمته "نوستالجيا" (حنين للماضي) البيوت الأثرية من خلال مجموعة رسوم، هذا الشوق الكبير للبيوت القديمة والأثرية جاء صداه مدويا كأنه جرس إنذار يُقرع بالألوان والخطوط من أجل هدف واحد، هو "المحافظة على ما تبقى من هذه البيوت الأثرية على امتداد الوطن" تحت عنوان "ذاكرة وتراث بيروت".

تنظر ليلى إلى إشكالية مصير الأبنية التراثية، وترى أن "حفظها لا يقتصر على حفظ حجرها وبنائها، إنما الحفاظ على الهوية اللبنانية".

صرخة خوف

وفي أعمالها انتقاد لما آلت إليه الحال البيروتية بروحٍ تجمع الحسرة والمأساة بالسخرية، وتجلى إبداع ليلى في لوحات حملت روح مدينة بيروت، بتراثها ونظامها وفوضاها وجمالها وجنونها وألمها وأملها.

ليلى الأستاذة الجامعية التي ترسم بريشة مهنيتها الطريق للعشرات من الطلاب سنويا، حملت معها صرخة صادقة نابعة من حس وطني وخوف جماعي من تغيير ملامح لبنان وسط فوضى "الباطون" (الخرسانة)، التي فرضت نفسها علينا من دون أي استئذان.

ليلى أطلقت جرس الإنذار في لوحات عدة، وتمنت عبر أعمالها إحياء التراث المهدد بالانقراض، وتأسفت لما آلت إليه الحال البيروتية، ولم تجد من المسؤولين أي ردود فعل أو قرارات حاسمة لحماية الأبنية التراثية، رغم أن توقف السوق العقارية في السنوات الفائتة خفف تدمير الأبنية التراثية.

‪"وتعبر لوحة "نوستالجيا" عن أهمية التراث، وتلخص الحال العشوائية للعمران وخوفها من خطر زوال البيت اللبناني، الخوف الحقيقي من الخرسانة الحديثة التي تهدد بزوال الأصالة في بيروت.

هل تخسر بيروت هويتها العمرانية؟

من جهة أخرى، لا توجد إحصاءات أو أرقام دقيقة عن عدد البنايات التراثية التي لا تزال في بيروت، لكن دراسة أجريت عام 1997 ذكرت أن عددها في حدود 572 مبنى، ورغم أن الدراسة غير مكتملة، فإن المعمارية والناشطة اللبنانية المعروفة بالدفاع عن تراث بيروت منى الحلاق تؤكد أن 150 على الأقل من هذه الأبنية فُقدت منذ إجراء هذه الدراسة.

أما الباحثة والمتخصصة في العدالة الاجتماعية والمدن سمر كنفاني من معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية، فأجرت بحثا تفصيليا عام 2019 في الجامعة الأميركية، أكدت فيه أنه في عام 1999 كان هناك رصد لنحو 500 معلم من الأبنية التراثية، لكنه في عام 2010 لم يبق منها إلا 250 مبنى.

وتضيف سمر أنه في عام 2019 لم يتبق من "بيروت القديمة" إلا 200 بناية تراثية، وهذا دليل يثبت الخطر المحدق بمصير الأبنية التراثية في بيروت، مع استمرار هدمها واستبدالها بالأبنية الشاهقة، في تشويهٍ متعمّد لتراث العاصمة اللبنانية وصورتها الجميلة، فضلا عن غياب القوانين الرادعة بحق المخالفين والمستثمرين.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي