فرنسا قلقة من عدائه للمستبدين العرب.. أوروبا غير مرتاحة لسياسة بايدن الخارجية المنتظرة.. فلماذا؟

2020-08-07

العلاقات الأمريكية الأوروبية إذا فاز جو بايدن ستكون مختلفة عما كانت عليه في عهد الرئيس باراك أوباما.

إذ يُحذَّر قادة أوروبا، الذين يتطلعون بفارغ الصبر لنهاية رئاسة ترامب، من أنَّ مجيء جو بادين خلفاً له قد ينطوي على تحديات جديدة ولن يمثل ببساطة استعادة الود في العلاقات عبر الأطلسية مثلما كانت قبل 2016، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

عقيدة بايدن

وأشار مختصون في السياسات الخارجية أنَّ عقيدة بايدن الناشئة عن وضع حد "للحروب اللانهائية" وحماية العمال الأمريكيين من المنافسة الصينية ستتطلب التزامات اقتصادية وعسكرية جماعية من دول الاتحاد الأوروبي التي لا تزال مؤهلة للوفاء بها.

لكن إجمالاً، ترحب أوروبا بسياسات بايدن وتأكيده على التعددية والتعاون مع الديمقراطيات الحرة في فترة ما بعد "كوفيد-19".

واعتُبِرَت تعهدات بايدن بإنهاء الفوضى المؤسسية والعداء ضد الحلفاء وتملُق الحكام الديكتاتوريين مصدر ارتياح. وليس بالضرورة تحديد الكفاءة والمصداقية والحوار معياراً للرئاسة، لكن البساطة والوضع الطبيعي سيُترجمان إلى إحياء فكرة الغرب، وهو نفس الوضع المضطرب الذي شهده الغرب خلال السنوات الأربع الماضية.                 

العودة للمنظمات الدولية

وسيُعاد الانضمام إلى المؤسسات متعددة الأطراف، مثل منظمة الصحة العالمية؛ مما سيضع حداً للتغيب المفاجئ للولايات المتحدة، على حد تعبير توني بلينكن، كبير مستشاري بايدن للسياسات الخارجية. وكان بلينكن قد صرّح لمنظمة Chatham House البريطانية "الحضور يمثل 90% من الحياة"، مقتبساً كلمات الممثل وودي آلن.

يبدو أنَّ بايدن يجسد مدرسة السياسة الخارجية التي تحن للتعاون الأطلسي القديم. لكن مسودة البرنامج السياسي للحزب الديمقراطي التي أصدرها الشهر الماضي تعكس تأثير اليسار التقدمي، وجهوداً لاستيعاب الدروس من الهزيمة الانتخابية الصادمة في عام 2016.

بايدن أصبح يميل لليسار

وأكد مات دوس، مستشار السياسة الخارجية لبيرني ساندرز، في حديثه إلى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أنَّ بايدن مال إلى تيار اليسار، قائلاً إنه واجه تعبئة من التقدميين بخصوص السياسة الخارجية على نحو لم يشهده باراك أوباما. ونتيجة لذلك، لم تعد السياسة الخارجية في حالة جمود لدى الديمقراطيين، وتُصاغ حالياً روابط جديدة بين السياسة الخارجية والسياسة الاقتصادية.

ويحتشد العديد من مستشاري السياسة الخارجية في عهد أوباما الآن حول بايدن، الأمر الذي رفضه بعض المنتمين لليسار ووصفوه بـ"العرض المرعب"، ويعربون عن رفضهم لعودة الوضع ببساطة لما كان عليه قبل ترامب، قائلين إنَّ كل شيء قد تغير منذ عام 2016.

لن يكرر خطأ أوباما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية وخاصة العلاقات الأمريكية الأوروبية

فبعد صدمتهم بهزيمة هيلاري كلينتون، اعترفوا بصحة مزاعم الشعبويين اليمنيين (المؤيدين لترامب) بأنهم صاغوا سياسة خارجية أفضل تساعد حياة الأمريكيين اليومية داخل الوطن.

وكتب ويليام بيرنز، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية في عهد أوباما وأحد مستشاري بايدن العديدين، مؤخراً: "يجب أن تكون رفاهية الطبقة الوسطى الأمريكية هي المحرك الذي يقود سياستنا الخارجية. لقد تأخرنا كثيراً في إجراء تصحيح تاريخي للمسار داخل الدولة".

من جانبه، يقول جيريمي شابيرو، باحث أول في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، "كان هناك ضغط على الديمقراطيين لجعل سياستهم الخارجية أكثر صلة بالحياة اليومية الأمريكية. وشعروا بأنَّ السياسة الخارجية في إدارة أوباما كانت مثل اللعبة في يد النخب المنفصلة عن الحياة اليومية للشعب الأمريكي. سيشهد التغيير من أوباما إلى بايدن المزيد من التركيز على أمريكا".

أنه يشكك في التجارة الحرة، وسيطالب الحلفاء بمزيد من الأموال، وهذا هو موقفه من تركيا

ومن دون التهديد بحرب تعريفات جمركية، يلمح برنامج بايدن الانتخابي إلى شكوك في التجارة الحرة والعولمة.  

بعبارات سياسية أعم، سترحب أوروبا بالتزام بايدن بمعاهدة باريس بشأن تغير المناخ، وبالناتو، الذي وصفه بايدن في مؤتمر ميونيخ الأمني ​​في عام 2019 بـ"التحالف العسكري الأهم في تاريخ العالم". ومما سيبعث الارتياح في نفس برلين، سيتوقف سحب القوات الأمريكية من ألمانيا. وستسعى واشنطن إلى اتباع نهج أكثر اتساقاً تجاه تركيا.

وبالمثل، فيما يتعلق بالإنفاق الدفاعي، ينبئ برنامج بايدن بخفض الإنفاق في الداخل والمطالبة بـ: "حشد شركاؤنا للقيام باستثمارات مستدامة يمكن أن تمنع الصراع وتطفئ النيران التي يتغذى عليها المتطرفون". ولن يهدد بايدن بالانسحاب من الناتو، لكن مثل معظم رؤساء الولايات المتحدة سيطالب أوروبا بإنفاق المزيد من أجل تحمل مسؤولية أمنها.

ولكن الفرنسيين قد يتخوفون من تخليه عن الحكام المستبدين في الخليج

وقد يتخوف بعض الأوروبيين، وخاصة الفرنسيين، من النهج المعلن تجاه حكام الخليج الاستبداديين. إذ تقول مسودة البرنامج السياسي: "ليس لدينا مصلحة في استمرار حقبة حرية التصرف التامة التي تتبناها إدارة ترامب، أو الانغماس في الدوافع الاستبدادية، أو الخصومات الداخلية، أو الحروب بالوكالة الكارثية، أو الجهود المبذولة لدحر الانفتاحات السياسية في جميع أنحاء المنطقة".

وفي هذا السياق، سيُوضَع حد لدعم الحرب السعودية في اليمن. وستكون موافقات الكونغرس على خوض الحروب أوضح لتجنب توسيع نطاق البعثات العسكرية.

ومع ذلك، تنص المطبوعة الصغيرة عن نزع السلاح الأمريكي على بعض القدرات. إذ تقترح "وجود عسكري صغير ومحدود ومُركّز في العراق لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)". وسيُحتفَظ بوحدة لمكافحة الإرهاب في سوريا. وستنسحب الولايات المتحدة "بمسؤولية" من أفغانستان، لكن لم يُحدَّد جدول زمني لتنفيذ ذلك.

وتنفيذ رؤيته بشأن إيران ليس بالأمر السهل

وفي ما يتعلق بإيران، ستتنفس الدول الأوروبية الثلاث -فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة- الصعداء لأنَّ البرنامج السياسي الديمقراطي يفضل العودة إلى "الالتزام المتبادل" بالاتفاق النووي بين طهران وواشنطن. لكن سيكون من الصعب تنسيق الخطوات المتبادلة -رفع الولايات المتحدة للعقوبات وامتثال إيران للاتفاق- خاصة إذا عُقِدت أية مفاوضات من هذا القبيل في ظل الانتخابات الرئاسية الإيرانية المحتمل إجراؤها في مايو/أيار.

وبخصوص العلاقات مع الصين، قد يستمر التقارب البطيء الجاري بالفعل بين أوروبا والولايات المتحدة، لكن بشكل أقل اضطراباً. وبالنسبة للأوروبيين المتخوفين من حرب باردة جديدة، فإن اهتمام بايدن بالتصدي لتغير المناخ يمثل مصدر ارتياح لأنه سيجعل الصين شريكاً ضرورياً وكذلك خصماً.

وقد يتخذ نهجاً بارداً تجاه بريطانيا

وهناك دولة أوروبية تحديداً لديها أسباب للخوف من رئاسة بايدن أكثر من بقية الدول، وهي بريطانيا. ووفقاً لبن رودس، نائب مستشار الأمن القومي لأوباما، اعتبر فريق أوباما-بايدن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "كارثياً، وجزءاً حاسماً من انهيار النظام العالمي الذي تأسس عقب الحرب العالمية الثانية".

ويهاجم البرنامج السياسي الديمقراطي ترامب لأنه رأى "القوميين اليمينيين المتطرفين المناهضين للاتحاد الأوروبي على أنهم حلفاء سياسيون وليسوا خصوماً مدمرين". لن يفوز رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بأية أفضلية لدى إدارة بايدن بسبب عرقلة تقدم الاتحاد الأوروبي.

وفي الواقع، وحسبما يقول مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية مارك ليونارد، فإنَّ فريق بايدن "لا يعتبر لندن قناة مفيدة للتأثير على بقية الاتحاد الأوروبي؛ مما يعني أنها ستفقد بعض فائدتها لدى واشنطن. إنهم براغماتيون وسيعملون مع المملكة المتحدة، لكنهم لن يبذلوا أي جهود خاصة للتوصل إلى صفقة تجارية مع المملكة المتحدة، وسيمنحون العلاقات مع الاتحاد الأوروبي أولوية على العلاقات مع لندن".

لكن بوريس جونسون، الذي كان دائماً سيد التجديد، يمتلك في جعبته سبلاً للرد. فقد أخذ زمام المبادرة في الوقوف في وجه الصين، ويشارك بايدن عدم ثقته في فلاديمير بوتين، حتى لو لم يلبِ تقريباً دعوة بايدن ليفضح الغرب "التدخل الروسي في الانتخابات في الوقت الفعلي".

إلى جانب ذلك، تمنح الرئاسة البريطانية لمجموعة السبع ومؤتمر الأمم المتحدة للمناخ جونسون فرصاً كبيرة العام المقبل لإثبات أنه ليس الزعيم العالمي الذي يحافظ على شعلة ترامب حية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي