
قالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية إن نتائج القمة الاستثنائية التي عقدتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بشأن الأزمة السياسية التي تجتاح مالي منذ نحو شهرين لن تغير المعطى. فبعد اجتماع افتراضي عبر الفيديو ظل رؤساء الدول الأعضاء في مجموعة (إيكواس) صامدين، برفضهم بشدة لفكرة استقالة نظيرهم المالي إبراهيم بوبكر كيتا الملقب IBK، والتي يطالب بها المتظاهرون تحت راية حراك الخامس من يونيو. إذ جدد الرئيس النيجيري محمدو إيسوفو، الذي يتولى الرئاسة الدورية لمجموعة “ايكواس”، التأكيد على أن استقالة IBK تعد “خطا أحمر” لا يمكن تجاوزه.
كما رفضت الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، خلال قمتهم الافتراضية التي انعقدت يوم الإثنين المنصرم، فكرة أن يختار المعارضون الشخصية التي تتولى رئاسة الحكومة خلفاً لبوبو سيسي المُستقيل في وقت سابق، والذي عاد الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا بتكليفه من جديد بقيادة حكومة “مصغرة” من ستة وزراء، بهدف التفاوض مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني لتشكيل حكومة وحدة وطنية، التزاما بتوصيات المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، التي اقترحت، في أعقاب قمتها يوم الإثنين الماضي، خطة من أربع نقاط لحل الأزمة يجب تطبيقها في غضون عشرة أيام: تنحي البرلمانيين الثلاثين الذين يعد انتخابهم في مايو/ أيار الماضي محل رفض. ثم إجراء انتخابات برلمانية جزئية. فتشكيل حكومة وحدة وطنية. وأخيراً، إجراء تحقيق في ملابسات الاحتجاجات التي شهدتها البلاد قبل أيام وتوفي خلالها بعض المواطنين وأصيب آخرون.
رغبة جماعية في استقالة الرئيس
واعتبرت “لوفيغارو” أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بتوصياتها هذه، قدمت تنازلات للمتظاهرين الذين يتحدون السلطة منذ شهرين. فاستقالة النواب الذين يعد انتخابهم محل جدل ستجنب حل البرلمان والذي من شأنه أن يعرف مالي في حالة من الجمود لا يريدها أحد، كما تنقل الصحيفة عن من وصفته بأحد المقربين من ملف المفاوضات.
كما أوضحت لوفيغارو أن التوصيات التي خرجت بها القمة الاستثنائية لرؤساء الدول والأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، لم تكن مفاجئة في نهاية المطاف، كونها هي نفسها تقريبا الصادرة عن بعثة المجموعة إلى مالي في 19 يونيو/ حزيران الماضي. وعليه، كان رد فعل المتظاهرين كما هو متوقع… ففي بيان لها، قالت حركة الخامس من يونيو، التي تجمع المتظاهرين، إنها “مندهشة من خلاصات” هذه البعثة و”دعت أكثر من أي وقت مضى إلى استقالة الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا”.
وتنقل الصحيفة عن كليمن ديمبيلي، وأحد المشاركين في حراك الخامس من يونيو، قوله: “المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لم تفهم أي شيء، أو أنها تحمي الرئيس كيتا”. ووعد هذا الأخير باستئناف المظاهرات بعد عيد الأضحى.
ومع ذلك، تشير “لوفيغارو” إلى أن هذا الموقف الصارم ليس محل إجماع داخل حراك الخامس من يونيو، الذي يضم خليطا مكوناً من شباب المجتمع المدني ومجموعة من السياسيين المحنكين ورجال دين صارمين واشتراكيين علمانيين، والذين يتحدون في رغبتهم جميعاً في رحيل الرئيس IBK، ولكنهم يختلفون في كيفية تحقيق ذلك. ومن هنا، يتنبأ عالم الاجتماع بريما علي ديكو بـ”تصدع الحراك بين أكثر الأطراف تطرفًا والمعتدلين”.
الإمام ديكو: رمز الحراك الرسمي
ورأت “لوفيغارو” أنه في الواقع، ربما يكون الاختيار بين التهدئة أو التصلب هو بيد الإمام محمد ديكو أكثر مما هو بيد حراك الخامس من يونيو.. فهذا الإمام الذي يحظى باحترام وشعبية كبيرين يعد الوجه الحقيقي للحراك، على الرغم من أنه كان حريصًا على الابتعاد. ففي الوقت الحالي، لم يتحدث مباشرة عن خطة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا كما رفض الدخول في جدل مع الرئيس المالي، الذي اتهمه “بالغطرسة” وبقيادة “انقلاب كامن”. ويرى الأستاذ الجامعي في علم الاجتماع بريما علي ديكو أن “لدى الإمام ديكو صورة رجل دين هادئ وغير عنيف”.
فيما يرى دبلوماسي لم تذكر الصحيفة اسمه أو “الإمام ديكو يعلم أن سقوط IBK غير ممكن، على الأقل في الوقت الحالي”. ويخشى الدبلوماسي أن “تكون هذه الضجة حلقة فقط من المسلسل الذي سيستمر عاجلاً أم آجلاً”.
فهذه الأزمة ليست الأولى وتتجاوز موضوع الاحتجاجات ضد نتائج الانتخابات البرلمانية؛ فهي تعكس أزمة ثقة وحكم عميقة، كما يلاحظ تقرير أعده معهد الدراسات والأمن، والذي يناشد الماليين “بالقيام بالإصلاحات الأساسية لتجنيب بلدهم حلقة جديدة من عدم الشك وعدم اليقين”. ويؤكد مسؤول أفريقي كبير لـ”لوفيغارو” أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “واعية تماما” بهذا الأمر، مضيفاً أنهم “تحدثوا بصراحة شديدة مع الرئيس كيتا مشددين له على أن بلاده بحاجة إلى تغييرات سريعة وإنهاء الانقسامات السياسية، لأن مالي هي مركز الأزمة الأمنية التي تهدد المنطقة بأسرها، وهذه هي النقطة المركزية”.