اليابان في مأزق.. هل تقطع شعرة معاوية مع الصين أم لديها خطة سرية لمعاقبتها بهدوء؟

2020-07-27

يبدو أن اليابان تتجنب التصعيد مع الصين، رغم أن حلفاء طوكيو يتخذون موقفاً متشدداً مع الصين- وخاصة الولايات المتحدة، التي صعّدت حدة التوترات الأسبوع الماضي بإغلاقها القنصلية الصينية في هيوستن، ورغم أن اليابان من أكثر المتضررين من الممارسات الصينية الاستقوائية.

إلا أن اليابان نفسها تتبنى نهجاً متوازناً دقيقاً، إدراكاً منها للقوة الاقتصادية التي تتمتع بها أكبر شركائها التجاريين وخياراتها العسكرية المحدودة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

اليابان تتجنب التصعيد مع الصين رغم التحرش غير المسبوق

لذلك، التزمت اليابان بضبط النفس في استجابتها لأطول سلسلة من عمليات التوغل التي نفذتها السفن الصينية في المياه اليابانية أو بالقرب منها خلال سنوات عديدة، وتعهدت بأن تكون حازمة ولكن "بهدوء". ولم تنضم إلى العديد من الدول الغربية في بيانها الأوّلي الذي ينتقد قانون الأمن المتشدد الذي فرضته بكين على هونغ كونغ.

وقد تخلت طوكيو عن خططها لشراء نظام دفاع صاروخي أمريكي، كان يُعتبر جزئياً درعاً ضد الصين. واستمرت الحكومة اليابانية في التعامل بحذر مع مسألة الزيارة الرسمية للرئيس الصيني شي، حتى بعدما أظهرت استطلاعات الرأي أن معظم اليابانيين يعتقدون أنه ينبغي إلغاؤها.

يقول ناروشيج ميشيشيتا، مدير برنامج الأمن والدراسات الدولية في معهد الدراسات العليا الوطني لدراسات السياسات في طوكيو: "من المؤكد أن اليابان في مأزق. إننا نتفهم حقيقة أن اليابان تتنافس  مع الصين وتتعاون معها في الوقت نفسه. إننا نمارس هاتين اللعبتين في الوقت نفسه".

لكن هذا النوع من الاعتدال في التعامل مع الصين، في مواجهة ما يراه البعض من تنام لاستبدادها وعدوانيتها، لم يعد مقبولاً كثيراً لدى قوى العالم الأخرى.

إذ وافقت الولايات المتحدة على فرض عقوبات على الشركات والمسؤولين الصينيين ورفضت مطالب بكين الإقليمية الواسعة في بحار المنطقة. وتزعمت أستراليا الدعوة إلى إجراء تحقيق عالمي في مصدر الجائحة التي بدأت في الصين، وأعلنت عن استثمار ما يقرب من مليار دولار في الأسلحة الإلكترونية والدفاعات لمواجهة بكين. وعلقت بريطانيا وكندا، إلى جانب أستراليا، اتفاقيات تسليم المجرمين مع هونغ كونغ بسبب قانون الأمن القومي.

زيارات متبادلة

ويعكس تعامل اليابان المعتدل مع الصين نهجها الأشمل في السياسة الخارجية الذي تميل فيه إلى تجنب الصراع المباشر أو انتقاد الدول الأخرى علناً.

وعام 2018، أصبح آبي أول زعيم ياباني يزور الصين منذ سبع سنوات، وتعهد الزعيمان بزيادة تعاونهما الاقتصادي والسياسي. وجاءت دعوة شي لزيارة اليابان بعد ذلك بوقت قصير.

والآن، وبالنظر إلى استعراض الصين لعضلاتها والعالم منهمك في التصدي للجائحة، أعرب البعض عن خيبة أملهم لأن اليابان لا تتعامل مع جارتها بحزم أكبر، بإلغاء زيارة شي إلغاءً قاطعاً على سبيل المثال.

أول حاملة طائرات صينية

يقول جيفري هورنونج، المحلل في مؤسسة RAND Corporation، في إشارة إلى الرئيس شي، إن "على اليابان أن تقول: "لا يمكننا استقباله إذا استمرت الصين في الإتيان بهذا النوع من التصرفات"". لكن هورنونج يقر بأن طوكيو لن ترغب في إثارة غضب الصين العارم أيضاً.

وفيما يتعلق بهونغ كونغ، لم تنضم اليابان إلى الولايات المتحدة وأستراليا وكندا وبريطانيا في بيانها المبدئي الذي ينتقد قانون الأمن القومي.

إذ قال يوشيهيد سوغا، سكرتير رئيس الوزراء آبي، في تصريحات للصحفيين إن الحكومة اليابانية  وجهت "طلباً قوياً" للسفن الصينية "بالتوقف عن الاقتراب من قوارب الصيد اليابانية ومغادرة الأراضي اليابانية بسرعة". وأضاف: "نود الاستمرار في الرد بحزم ولكن بطريقة هادئة".

ولكنها بهدوء بدأت تمنع الصين من التوغل في اقتصادها

وكان الاقتصاد من المجالات التي اتخذت فيها اليابان إجراءات ضد الصين. ففي وقت سابق من هذا العام، أصدرت قانوناً يقيد الاستثمار الأجنبي في الصناعات التي تصنفها الحكومة على أنها مهمة للأمن القومي، وهي خطوة اعتبر كثيرون أنها تستهدف الصين.

كما عرضت حوافز مالية للشركات -لا سيما في القطاعات الحيوية- لنقل عملياتها من الصين إلى اليابان أو جنوب شرق آسيا.

يقول تاكاهيد كيوشي، الخبير الاقتصادي في معهد نومورا للأبحاث: "الاقتصاد الصيني يتعافى ولكن توجد دول أخرى ما تزال في حالة تدهور. والصين الآن في وضع يمكّنها من شراء الشركات في بلدان أخرى، لذا تتعامل الحكومة بحذر مع الصناعات المهمة المتعلقة بالجيش والأمن القومي".

ومع ذلك، لا تريد اليابان أن تقسو في تعاملها مع الصين أكثر من اللازم

ففضلاً عن كونها أكبر شريك تجاري لليابان، كانت الصين ترسل سائحين إلى اليابان أكثر من أي دولة أخرى قبل إغلاق الحدود.

وفي العام الماضي، كان ما يقرب من 115 ألف طالب صيني يدرسون في الجامعات اليابانية. وتناقش الحكومة، التي فرضت حظر دخول على ما يقرب من 150 دولة خلال الجائحة، الآن قبول المسافرين من عدة دول آسيوية، ومنها الصين.

تقول كريستي غوفيلا، الأستاذة المساعدة في قسم الدراسات الآسيوية في جامعة هاواي بمانوا: "قبل بضع سنوات، كان من الممكن اعتبار اليابان وسيطاً لأن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين أصبحت غاية في السوء. ولكن مع تزايد عدوانية الصين، "بدا أن للصين قيماً مختلفة ونوايا مشبوهة في المنطقة".

وتأملون أن يتعلم الصينيون من تاريخها المرير

ورغم انتهاج الصين هذه السياسة شديدة العدائية، يقول محللون يابانيون إنهم يأملون في أن تتعلم بكين من تاريخ اليابان نفسها وألا تحاول التوسع في فرض نفوذها أكثر من اللازم، خاصة بالوسائل القمعية.

يقول كونيهيكو مياكي، وهو دبلوماسي ياباني سابق يُدرّس الآن في جامعة ريتسوميكان في كيوتو، إن جهود الصين للسيطرة على بحر الصين الجنوبي، على سبيل المثال، "خطوة نحو طرد العناصر الغربية من دائرة نفوذها، وهو ما يحلمون به منذ قرن ونصف".

 وقال مياكي: "طموحهم القومي لن ينتهي. إنني أشعر بقلق بالغ، لأنه لا يمكن لأحد منعه. مثلما لم يتمكنوا من منعنا في منشوريا (منطقة بشمال الصين عزتها اليابان) في ثلاثينيات القرن الماضي".

وأضاف قائلاً: "في ذلك الوقت، كلما كان الضغط يزداد علينا، نصبح أكثر عناداً وغطرسة واغتراراً بأنفسنا، لأننا كنا قوميين متطرفين وبعيدين كل البعد عن الديمقراطية، وكان ذلك مصيرنا. والصين تسير في الطريق نفسه".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي