التدخل الروسي قرع لها الجرس.. لماذا تتدخل واشنطن بحذر في صراع الحلفاء بليبيا؟

2020-07-16

تكمن عقدة الموقف الأميركي من الصراع الدائر في ليبيا في أن أطراف الصراع -باستثناء روسيا- هي من حلفاء الولايات المتحدة، مثل تركيا ومصر والإمارات والسعودية، التي تلعب أدوارا مختلفة من أجل بسط نفوذها وفتح علاقات ومصالح مع هذا الفصيل أو ذاك من الجماعات السياسية المتحاربة.

لذلك تقف أميركا على مسافة واحدة تقريبا من فرقاء الداخل، رغم اعترافها بحكومة الوفاق الوطني بطرابلس كممثل وحيد للشعب الليبي، وتواصل العمل في محاولات لوقف إطلاق النار والتوصل لاتفاق سياسي شامل من شأنه أن يحفظ وحدة البلاد.

ويرى بعض الخبراء أن الملف الليبي لم يكن يلقى اهتماما أميركيا جادا، إلا أن تمدد النفوذ الروسي في ليبيا قرع جرس إنذار لواشنطن بضرورة الاهتمام به.

سياسة أميركية موحدة

وتشير دراسة حديثة لخدمة أبحاث الكونغرس بشأن الصراع الليبي إلى قلق واشنطن من توافر بيئة مشجعة للجماعات "الإرهابية" داخل ليبيا، بسبب الانقسام السياسي والعسكري بين الفرقاء الليبيين. ورأت الدراسة أن التوصل لحل سياسي سيخدم مصالح واشنطن بليبيا، وذلك على العكس مما يراه حلفاء واشنطن الإقليميون.

وتتفق دوائر الحكم في واشنطن على موقف أميركي موحد تجاه ليبيا. وعن ذلك يقول ولفغانغ بوستزتاي، رئيس مجلس العلاقات الأميركية الليبية "الأمر يختلف في بعض الأحيان بين رؤية الدبلوماسيين الأميركيين ورؤية المسؤولين الذين عينهم الرئيس (دونالد) ترامب ويشرفون على الملف الليبي".

وفي حين تتحدث وزارة الخارجية والجيش الأميركي بصوت موحد، يأتي موقف البيت الأبيض غير متسق في نهجه معهما، كما انعكس ذلك على سبيل المثال في مكالمة ترامب في أبريل/نيسان 2019 مع خليفة حفتر.

ومع ذلك، فإن التدخل العسكري الروسي في ليبيا وحّد الموقف الأميركي باتجاه دعم وقف إطلاق النار، والمطالبة بانسحاب القوات الأجنبية، وضرورة تفاوض الأطراف الليبية أنفسها ضمن الإطار الذي وضعته الأمم المتحدة.

ويعتقد الخبير بشأن شمال أفريقيا في معهد الشرق الأوسط إيميليانو ألساندري -في حديثه للجزيرة نت- أن "بيروقراطية السياسة الخارجية الأميركية تريد على الأقل إنهاء العنف، واحتواء النفوذ الروسي المتصاعد في ليبيا".

مصالحة أو مبادرة أميركية

وحتى الآن، لم تقدم واشنطن أي مبادرة لوقف الاقتتال والعودة إلى مائدة التفاوض، على الرغم من العلاقات الجيدة التي تجمعها بكل أطراف النزاع في ليبيا.

ويؤكد جوناثان وينر، المبعوث السابق إلى ليبيا في عهد الرئيس باراك أوباما ونائب مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون إنفاذ القانون الدولي أن بلاده تعارض "اللجوء إلى القوة للسيطرة على منطقة سرت، وتأمل واشنطن في التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض بشأن سرت".

من جانبه، يرى ألساندري أن هناك "أصواتا مختلفة في واشنطن، لكن ليبيا ليست أولوية بالتأكيد، لكن ربما تكون زاوية النفط الليبي محل اهتمام بعض الأشخاص في دائرة ترامب المقربة".

أما بوستزتاي فيعتقد أنه لا توجد مصالح إستراتيجية حيوية لدى الولايات المتحدة في ليبيا، ولذلك "فإن مشاركتها ستظل محدودة، خاصة مع قرب حلول موسم الانتخابات الرئاسية".

وعن إمكانية لعب واشنطن دورا في رأب الصدع بين الفرقاء الليبيين والحلفاء الإقليميين، ذكر بوستزتاي أنه "يمكن لواشنطن -لما لها من علاقات جيدة بطرفي النزاع وعلاقات تحالف مع الأطراف الخارجية- أن تشرف على مفاوضات سلام تشمل وقف إطلاق النار وإرسال قوات حفظ سلام أوروبية للفصل بين الطرفين المتحاربين".

مواجهة النفوذ الروسي

ويقول بوستزتاي أن واشنطن لم تبحث الملف الليبي مع روسيا "لأنها ترى أن روسيا جزء من المشكلة وليست جزءا من الحل".

بينما يرى وينر أن "واشنطن مستاءة للغاية من استمرار التدخل العسكري الروسي في ليبيا. وفي الأسبوع الماضي فقط، ذكرت القيادة الأميركية لأفريقيا (أفريكوم) أن لديها أدلة واضحة على أن مجموعة فاغنر -التي ترعاها الدولة الروسية بصورة غير مباشرة- زرعت ألغاما أرضية ومواد وعبوات متفجرة حول طرابلس".

ويضيف وينر أن "مشاركة روسيا تثير قلقا عميقا لدى كل من وزارة الخارجية ووزارة الدفاع، وتريد الولايات المتحدة أن ترى جميع القوات العسكرية الأجنبية تغادر ليبيا، والروس بشكل خاص".

من هنا، يرى ألساندري أن واشنطن تنظر حاليا "بشكوك لعلاقة الجنرال حفتر بروسيا. وعلى الرغم من أن ترامب تواصل شخصيا مع حفتر العام الماضي، فإن حفتر أصبح الآن غير موثوق فيه ولا في قدراته العسكرية من جانب الولايات المتحدة".

واشنطن وصراع الحلفاء في ليبيا

ولا تقف واشنطن مساندة لموقف أي من حلفائها المتدخلين في الشأن الليبي بصورة مباشرة. وعن ذلك، يقول بوستزتاي "تجمع واشنطن علاقات قوية بالأطراف الإقليمية المتورطة في النزاع الليبي. فمن ناحية تعدّ تركيا من أهم أعضاء حلف شمال الأطلسي وتخدم مصالح واشنطن الإستراتيجية، خاصة فيما يتعلق بمواجهة النفوذ الروسي في دول جنوب أوروبا والشرق الأوسط. وتجمع مصر والإمارات كذلك مصالح قوية بواشنطن بسبب دورهما في سلام الشرق الأوسط وأمن الخليج ومحاصرة النفوذ الإيراني في المنطقة".

في حين يذهب ألساندري إلى الاعتقاد أن "واشنطن قد تتفهم دوافع التدخل المصري في ليبيا، لكنها غير مقتنعة بدوافع الإمارات من تدخلها هناك، حيث لا تمثل ليبيا أي خطر على الإمارات التي تراها إحدى نقاط الارتكاز في الخليج العربي، وليس في الشمال الأفريقي".

ترامب لن يجازف

ويعتقد الخبراء أنه مع أقل من 4 أشهر تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الأميركية، لن يجازف ترامب باتخاذ أي خطوة سياسية أو عسكرية بشأن ليبيا قبل انتهاء انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني القادمة.

فيقول ألساندري "لا يريد ترامب أي مخاطرة في السياسة الخارجية قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية الصعبة، ولا توجد نية أو حديث عن خطة لكبح جماح الحلفاء الإقليميين لواشنطن".

بينما يرى بوستزتاي أنه "حال حقق المرشح الديمقراطي جو بايدن الفوز في الانتخابات الرئاسية، فلن نتوقع أي تحرك أميركي إلا بعد فبراير/شباط 2021، أي بعد تنصيب بايدن في يناير/كانون الثاني والانتهاء من تشكيل إدارته بعدها بأسابيع".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي