دول عربية ستصبح "مناطق نفوذ حصرية" لبكين.. ما مخاطر التحاق الشرق الأوسط بنظام الملاحة الرقمي الصيني؟

2020-07-07

 

أطلقت الصين القمرَ الصناعي المُتمم لمنظومتها "بايدو" BeiDou للملاحة عبر الأقمار الصناعية، إلى مداره في أواخر شهر يونيو/حزيران، لتكمل بذلك أخيراً سعيها الحثيث لتصبح قوة فضائية عالمية. وكانت شبكة "بايدو" للملاحة عبر الأقمار الصناعية قُدّمت في عام 2015، بوصفها جزءاً من "طريق الحرير الرقمي" (DSR)، وهو الممر الرقمي الخاص بمبادرة "الحزام والطريق الصينية (BRI).

الممر الرقمي الصيني نحو الشرق الأوسط

وكانت الصين قد أكملت منظومتها قبل ستة أشهر من الموعد المحدد، ليصبح نظام الملاحة الجديد بديلها عن نظام تحديد المواقع العالمي الأمريكي "جي بي إس" (GPS) ومنظومة "غلوناس" GLONASS الروسية ومنظومة "غاليليو" Galileo الأوروبية للملاحة الفضائية، كما يقول موقع Al-Monitor الأمريكي.

وفي الشرق الأوسط، كانت ثمانية أقمار صناعية من منظومة "بايدو" تقدم بالفعل خدمات ملاحية لدول عربية، وفقاً لتقرير قُدم في منتدى التعاون الصيني العربي (BDS) الذي عُقد في تونس العام الماضي.

عرضت الصين تغطية منظومة "بايدو" للملاحة الفضائية على الدول المشاركة في مبادرتها العملاقة "الحزام والطريق"، وكانت الدول العربية من بين الدول الأولى التي دخلت إلى المنظومة لأنها أيضاً دول أعضاء في منتدى التعاون الصيني العربي والحوار الاستراتيجي بين الصين ومجلس التعاون الخليجي. وفي الأساس، وفقاً لبكين، "يمكن اعتبار أي نوع من التعاون الثنائي مع [الصين] جزءاً أو مشاركة في مبادرة الحزام والطريق".

كانت السعودية من أوائل الدول التي انضمت رسمياً، ووقعت الرياض وبكين مذكرةَ تفاهمٍ لضم السعودية إلى ممر الحرير الرقمي وإنشاء منصات التبادل الفني في ثلاث مدن في كل من البلدين. كما يتوافق ممر الحرير الرقمي ويقع في بعض الخطط والمشروعات المستقبلية لدولة الإمارات.

 عمال يزيلون لوحة لمنتدى الحزام والطريق الذي عقد في بكين في 27 أبريل 2019

وكما أشار الاقتصادي اللبناني الذي يتخذ من الإمارات مقراً له، ناصر السعيدي، خلال حديث له في "كلية كينيدي لعلوم الإدارة الحكومية" بجامعة هارفارد في عام 2018، فإن مشروع الممر الرقمي أو المحطة الفضائية سيكمل برنامج الإمارات الوطني للفضاء ويساعد في الارتقاء بالقطاعات الاقتصادية المعنية إلى المستوى التالي. وقد وُصف إطار التعاون في هذه المجالات التكنولوجية المبتكرة بالتفصيل في نمط التعاون "1+2+3" المنصوص عليه في ورقة السياسات الصينية بخصوص المنطقة العربية لعام 2016.

في غضون ذلك، أصبحت عديد من دول مجلس التعاون الخليجي مثل الإمارات والسعودية، إلى جانب مصر، جزءاً من مبادرة طريق الحرير الرقمي التي أطلقتها الصين العام الماضي. ويشمل ذلك قطاعات الذكاء الصناعي والمدن الذكية وتكنولوجيا النانو وغيرها من المجالات ذات الصلة، إذ إن هذا البرنامج لديه القدرة على تغيير المشهد الرقمي لهذه البلدان بدرجة كبيرة. وتعد شبكات كابلات الألياف الضوئية ومحاور البيانات بعض المكونات الرئيسية الأخرى للبنية التحتية لطريق الحرير الرقمي.

مخاطر الالتحاق بالمبادرة الصينية

ومع ذلك، فإن مشروع طريق الحرير الرقمي تعتريه بعض المناطق الرمادية غير الواضحة، ومخاطره ليست محدودة بمجلس التعاون الخليجي.

1- أوّل هذه المخاطر، أن مسألة الخضوع للمراقبة قد تصبح مشكلة رئيسية حقاً، إذ يمكن لبكين من خلال تلك المنظومة مراقبة حركة المرور عبر الإنترنت أو حتى قطع الروابط مع مناطق أخرى إذا رغبت في ذلك. وقد وضعت الشركات الصينية ما مجموعه 59487 كيلو متراً من كابلات الألياف الضوئية تحت سطح البحر في أكثر من 95 مشروعاً، ونحو 98% من الاتصالات العالمية تُبث من خلال هذه الكابلات.

وتقع الكابلات في المياه الدولية، وهكذا فهي أشد عرضة للخطر، خاصة أنه لا يمكن مراقبة خروقات الأمن في البلدان غير المتقدمة. بالإضافة إلى أن نظام الملاحة "بايدو" تستخدمه العديد من التطبيقات التجارية واسعة النطاق، ومن ثم سيتعين على معظم البلدان ترقية مستوى أمان بيانات الإنترنت الخاصة بها.

كما أن البيانات والمعلومات المتراكمة من المستخدمين يمكن أن تساعد في توفير نظرة ثاقبة لحيازة حصص أكبر في السوق، وهذا أقل ما في الأمر. غير أن الجائحة المستمرة تتيح نشر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتقنيات تعيين المصابين بالفيروس بدرجة أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط بواسطة مبادرة الحزام والطريق الرقمية.

2- ثانياً، إن الاستخدام واسع النطاق للتكنولوجيا الرقمية الصينية يمكن أن يمنح بكين مزيداً من التأثير والنفوذ، فبعد أن كان لها حضور اقتصادي فقط في الشرق الأوسط، ولم تشارك الصين أبداً في أي جوانب أمنية، فإن هذه الشبكة الشاملة لكابلات الألياف الضوئية على الأرض ووصلات الإنترنت تحت البحر وأقمار منظومة بايدو الصناعية في الفضاء، فرضت الصين واقعاً جديداً على الأرض.

ومع هذه الشبكة الرقمية متعددة الأبعاد، تمتلك الصين مزيداً من الخيارات وغدا لديها القدرة على إلزام دولها الشريكة في مبادرة الحزام والطريق إلى البقاء في منطقة نفوذها الحصرية. أو على الأقل، سيكون لديها مزيد من الفرص الدبلوماسية ومزيد من المكانة والنفوذ في المنظمات الدولية.

3- الخطر الثالث هو التبعية. إذ باعتماد كثير من الدول على الصين في الملاحة عبر الإنترنت وتكنولوجيا الأقمار الصناعية، ستدير عديد من البلدان عملياتها من خلال طريق الحرير الرقمي المرتبط بالصين، ويمكن أن يشمل ذلك العديد من الاستخدامات المدنية والعسكرية، مثل مراقبة حركة الموانئ والتخفيف من حدة الكوارث.

وفق تقرير للكونغرس صدر عن لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة والصين في عام 2019، فإن أي خدمات ضمن "طريق الحرير الرقمي عبر الأقمار الصناعية" يمكن أن تعمق الاعتماد على الصين في الخدمات الفضائية على حساب النفوذ الأمريكي.

4- رابعاً، فإنه بالنظر إلى أن معظم ميزات منظومة "بايدو" متداخلة في طبيعتها، فإن ممر الحزام والطريق الرقمي قد يزيد من تعقيد الأمور بين واشنطن وبكين. خاصة وأن ثمة مخاوف من أن المشروع الصيني القائم على تكنولوجيا الفضاء قد يكون له آثار على المصالح الأمريكية في مجالات أمنية واقتصادية ودبلوماسية.

وفقاً لتقرير مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في عام 2018، فإن شركات التكنولوجيا الصينية يمكن أن تُدرج "آليات خلفية تتيح لبكين زيادة عملياتها الاستخباراتية والدعائية في البلدان الشريكة في مبادرة الحزام والطريق". كما يمكن أيضاً للصين تتبع مستخدمي المنظومة بمجرد الاستعانة بالتكنولوجيا الخاصة بها، على نطاق واسع.

كما أنه من المؤكد أن ثمة استخدامات عسكرية لنظام الأقمار الصناعية الصيني، وبحسب المحلل العسكري الصيني تشو تشينمينغ، فإن "نظام الملاحة وتحديد المواقع الخاص بالصين يتيح للصواريخ والطائرات بدون طيار الصينية وغيرها من الآليات العسكرية الاعتمادَ على تكنولوجيا صينية دون قلق من فقدان الإشارة، كما يمكن أن يساعد الجيش الصيني على تحسين الإعدادات المتعلقة بنشر القوة وتقديم الدعم اللوجستي".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي