أنصاره يتفاوضون مع مجلس الدستور، وخامنئي لم يعلن موقفه بعد.. كواليس تحركات نجاد ليعود رئيساً لإيران

2020-06-27

قبل الانتخابات البرلمانية التي تم إجراؤها في فبراير/شباط الماضي، تعمّدت وسائل الإعلام الإيرانية المقربة من الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، إظهار زياراته إلى مختلف المحافظات بشكل واسع النطاق.

حينها تكهّن بعض المحللين السياسيين بأن سبب النشاط السياسي لأحمدي نجاد هو رغبته في خوض الانتخابات البرلمانية، لكن في حقيقة الأمر كانت تحركاته مجرد دعايةٍ انتخابية ودعمٍ لعدد من المقربين منه ممن خاضوا انتخابات البرلمان الحادي عشر.

أنصار نجاد في البرلمان

الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي تم وصفها بأنها غير تنافسية، بسبب استبعاد مجلس صيانة الدستور -الهيئة التي تفحص أوراق ترشح المرشحين للانتخابات البرلمانية والرئاسية والنظر في أهلية المرشحين- لآلاف المرشحين من التيار الإصلاحي، وفي النهاية أصبح البرلمان الحادي عشر، الذي عَقد أول جلسة له الشهر الماضي، برلماناً محافظاً بامتياز.

لكن النقطة التي أثارت الجدل، أكثر من كون غالبية النواب البرلمانيين الجدد من التيار المحافظ، هي وجود عدد كبير من النواب المحسوبين على الطيف السياسي لأحمدي نجاد، والسياسيين المحافظين الموالين له يتمتعون بسلطة كبيرة في البرلمان الجديد.

فالنائب الأول لرئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، هو السياسي المحافظ أمير حسين قاضي هاشمي، المعروف بقربه من الرئيس السابق أحمدي نجاد، والنائب الثاني لرئيس البرلمان هو علي نيكزاد، الذي كان يشغل منصب وزير الإسكان في حكومة نجاد سابقاً.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك ما يقرب من 60 من كبار المسؤولين في عهد أحمدي نجاد أصبحوا نواباً في البرلمان الجديد، ما فتح الباب أمام التكهنات بعودة الرئيس السابق إلى الساحة السياسية مرة أخرى.

فإن وافق مجلس صيانة الدستور على ترشح 60 شخصاً من الدائرة القريبة من أحمدي نجاد في البرلمان، فما المانع من قبول ترشح الأخير للانتخابات الرئاسية لعام 2021، يقول مراقبون.

مجلس صيانة الدستور

بعد ما أثاره الوجود الكبير لأنصار أحمدي نجاد في البرلمان، وبدء اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها في مايو/أيار 2021، انتشرت الشائعات بشأن رغبة الرئيس السابق أحمدي نجاد في الترشح للانتخابات الرئاسية مرة أخرى، بعد أن تم رفض ترشحه في انتخابات عام 2017.

وكان المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي قد نصح نجاد بعدم الترشح، لكن الأخير لم يأخذ بوصية المرشد، وتقدم بأوراق ترشحه التي تم رفضها من قبل مجلس صيانة الدستور، لكن تلك المرة، على ما يبدو أن الأمور قد تغيرت، فالمعادلات السياسية في إيران تميل إلى كافة المحافظين أكثر وأكثر.

يقول مرتضى طلائي، وهو سياسي شاب محسوب على التيار المحافظ، ومقرب من رئيس البرلمان الجديد محمد باقر قاليباف، في حديثه لـ"عربي بوست": "في الأسابيع الأخيرة، بدأ أنصار أحمدي نجاد في التفاوض مع مجلس صيانة الدستور لضمان موافقته على التصديق على أهليته، للترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة".

وهذا ما أكده أحد البرلمانين المقربين من أحمدي نجاد -فضّل عدم الكشف عن هويته- وقال لـ"عربي بوست": "التقينا برئيس مجلس صيانة الدستور آية الله أحمد جنتي لمناقشته في الأمر، لكنه فضل أخذ الوقت الكافي للتفكير".

التفاوض أصبح مباشراً

في الوقت الذي زادت فيه التكهنات بعودة أحمدي نجاد، خاصة بعد انتشار شائعة تفاوض أنصاره مع مجلس صيانة الدستور، لم ينفِ أو يؤكد مكتبه أياً من تلك الشائعات.

لكنّ مصدراً مقرباً من نجاد، أكد لـ"عربي بوست"، حدوث تلك المفاوضات مع مجلس صيانة الدستور، وأن الأمور باتت مباشرة أكثر، وأن نجاد التقى بعدد من أعضاء مجلس صيانة الدستور لمناقشة الأمر.

ويقول المصدر المقرّب من أحمدي نجاد إن الأخير حتى الآن عازم على الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، لكنه يحاول تخطي عقبة مجلس صيانة الدستور بشتى الطرق.

هل نجاد قادم لا محالة

يرى بعض المحللين السياسيين في إيران أن نسبة عودة أحمدي نجاد إلى الانتخابات الرئاسية القادمة تتجاوز 70%، فيقول إسفنديار رحيمي، المحلل السياسي المقيم بطهران، لـ"عربي بوست": "يجب الأخذ في الاعتبار أن الحركة الإصلاحية الآن منهارة بسبب أداء الإسلاميين في البرلمان السابق والحكومة الحالية، فمشاركة المعسكر الإصلاحي في الانتخابات الرئاسية القادمة ضعيفة".

ويرى الناشط السياسي المحسوب على التيار المحافظ حسين كنعاني، أن الأمر يبدو مماثلاً داخل المعسكر الأصولي، ويقول: "بالرغم من سيطرة المحافظين على البرلمان الجديد فإنهم يفتقرون إلى التوحّد على مرشح رئاسي للانتخابات القادمة، فعلى العكس، في انتخابات عام 2017، كان لديهم إبراهيم رئيسي الذي أصبح رئيساً للقضاء، وباقر قاليباف الذي أصبح رئيساً للبرلمان، فالخيارات محدودة للغاية".

يرى كنعاني أنه بالرغم من أن فرص أحمدي نجاد في العودة إلى الحياة السياسية مازالت منخفضة، فإنه الخيار الأمثل للتيار الأصولي، رغم اختلافاته معه خاصة بسبب عصيانه لأوامر المرشد الأعلى في الكثير من المناسبات.

وأنه "ما زال هناك العديد من قادة التيار الأصولي يحبون نجاد والمقربون منه في البرلمان حالياً حصلوا على دعم من كبار الأصوليين في الانتخابات البرلمانية".

هل تُخشى عودة نجاد

ورغم تأكيد السياسي المحافظ كنعاني أمر دعم بعض الأصوليين لأنصار نجاد في البرلمان، معتبراً هذا إشارة إلى إمكانية التعاون معه في حال موافقة مجلس صيانة الدستور على ترشحه، فإن هناك مَن يخشى عودة أحمدي نجاد داخل المعسكر المحافظ.

عندما منع المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، أحمدي نجاد من الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2017، قال حينها رئيس مجلس صيانة الدستور آية الله أحمد جنتي: "إذا عارض أحمدي نجاد توصية آية الله خامنئي وأصر على تقديم أوراقه للترشح سيكون داعياً للفتنة".

في هذا الصدد، قال السياسى المحافظ محمد قديري: "كيف يمكن أن يوافق آية الله جنتي على مَن وصفه من قبل بأنه داعٍ للفتنة، لا يمكن أن يحدث هذا الأمر".

ويعارض قديري عودة نجاد بقوة، ويرى أنه يعمل على تشتيت المعسكر المحافظ، الذي حاول مساعدته سابقاً حينما كان يتولى رئاسة البلاد، لكنه لم يفِ بوعوده لهم، ويقول: "يريد أحمدي نجاد أن يصنع طيفاً سياسياً خاصاً به، من خلال خداع الفقراء، واستخدام السياسات الشعبوية التي لا طائل منها، وهذا ما يرفضه التيار المحافظ".

ويرى المحلل السياسي إسفنديار رحيمي أن الأصوليين قلقون بشدة من تحركات نجاد وأنصاره الأخيرة، ويقول لـ"عربي بوست": "في الولاية الثانية لأحمدي نجاد، لم يكن خاضعاً لتعليمات التيار المحافظ الذي دعمه من البداية، بإيعاز من آية الله خامنئي، والآن هم يشعرون بالخطر من تواجده، خاصة بعد أن اختار خطاً سياسياً خاصاً به بعيداً عن المعسكر الأصولي".

ماذا عن المرشد الأعلى

بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2013، وانتخاب حسن روحاني رئيساً للبلاد، اختفى أحمدي نجاد عن الساحة السياسية قليلاً، وعاد إلى التدريس في كلية الهندسة، لكن في العام التالي، نشر الموقع الرسمي للمرشد الأعلى آية الله على خامنئي صوراً من إحدى المناسبات الدينية التي كانت في مقر إقامة المرشد، ويجلس نجاد على مقربة منه.

المتابع للسياسية الإيرانية يعرف جيداً مَن يجلس على جانبي المرشد الأعلى وفي أي من المناسبات، فدائماً يكونون أهم المسؤولين والقادة الموثوق بهم، ووجود نجاد في هذا المقعد كان مثيراً للجدل.

 لمن سيذهب صوت خامنئي في الانتخابات الرئاسية المقبلة

فأثناء الولاية الثانية لنجاد كانت العلاقة بينه وبين المرشد الأعلى متوترة للغاية، بسبب خروج الرئيس عن طاعة المرشد، وذات يوم اعتزال عمله لمدة 10 أيام بسبب محاولة خامنئي الضغط عليه لتعيين أحد الوزراء.

حتى الآن لم يتطرق خامنئي للحديث عن نجاد، ولا يناقش احتمال عودة الرئيس السابق للترشح أو لا، لكن من المحتمل أن تنقلب الكفة لصالح نجاد مرة أخرى.

يقول السياسي المحافظ مرتضى طلائي: "كان نجاد مقرباً بشدة من المرشد الأعلى، فكلاهما بنفس الأفكار في إدارة شؤون البلاد، وكان نهج أحمدي نجاد تجاه الغرب يعجب آية الله خامنئي كثيراً".

نجاد ليس الوحيد

مع مرور الوقت، تزداد التكهنات داخل إيران حول وجود بعض الشخصيات السياسية في الانتخابات الرئاسية القادمة، وبالرغم من أن احتمالية ترشح أحمدي نجاد قد طغت على جميع الأسماء المحتملة، فإنه يمكن الإشارة إلى بعض المرشحين المحتملين من كافة التيارات.

من بين هؤلاء محمود واعظي، وهو رئيس مكتب الرئيس حسن روحاني ومحسوب على المعتدلين، ذاع صيته في الآونة الأخيرة باعتباره الشخصية الأهم في حكومة روحاني، وله نفوذ واسع النطاق في كثير من الأمور.

كما أن هناك الكثير من التوقعات حول إمكانية ترشح وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الحالي، اذري جهرمي، وهو الوزير الشاب الوحيد في حكومة حسن روحاني.

ولا يحسب جهرمي نفسه على أي تيارات سياسي في إيران، لكن كانت لفترة شائعات علاقته بالأمن والمخابرات، هي محور الأخبار في وسائل الإعلام الإيرانية.

ويرى المحلل السياسي إسفنديار رحيمي أن جهرمي لا يحظى بشعبية لدى التيار المحافظ، وليست له علاقات قوية مع التيار الإصلاحي، إلا أن مواقفه حول حرية تداول المعلومات، ووقوفه ضد رغبة المحافظين في حجب العديد من تطبيقات المراسلة في إيران والتي كان آخرها تطبيق تليغرام الذي تم حجبه في النهاية، تثير التفاؤل في نفوس الإيرانيين من ناحيته إلى حد ما.

من جهة أخرى يظهر وزير الخارجية جواد ظريف وهو غير محسوب على التيار الإصلاحي والمحافظ، في أحد لقاءاته السابقة، ليصرح بأنه لا يُدعى لحضور اجتماعات الإصلاحيين أو المحافظين.

لكن بالرغم من ذلك، هناك من يرى داخل إيران، أنه إذا قرر الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة سيدعمه التيار الإصلاحي، إلا أنه حسم الأمر في مقابلة له مؤخراً وقال: "لا أرى نفسي مؤهلاً لهذا المنصب".

في معسكر آخر يُعد سعيد جليلي من أبرز السياسيين في تيار المحافظين، إذ شغل منصب نائب وزير الخارجية سابقاً، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي خلال إدارة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

كان مرشح التيار المحافظ في الانتخابات الرئاسية لعام 2013، و2017، وانسحب في المرة الأخيرة لصالح إبراهيم رئيسي مرشح التيار المحافظ أيضاً.

لكن يرى السيد رحيمي أن جليلي لا يتمتع بشعبية كافية في أوساط الإيرانيين، ويقول لـ"عربى بوست": "لا شك أن السيد جليلي سيقوم بالترشح للانتخابات القادمة، لكن في حالة ترشح أحمدي نجاد ستكون هزيمة جليلي كبيرة".

يقول السيد رحيمي: "فرصة أحمدي نجاد في الفوز بالانتخابات القادمة كبيرة، إذا تخطى عقبة مجلس صيانة الدستور، انظروا إلى رحلاته إلى المحافظات واستقبال الحشود له، لا يمكن إخفاء حب الناس البسطاء له".

إذا رفض مجلس صيانة الدستور تلك المرة أيضاً ترشح أحمدي نجاد، فمن المتوقع أنه سيلعب ببطاقة حب الناس له، بالرغم من اتهام نائبه السابق حميد بقائي بقضايا فساد، ويقضي عقوبتها التي امتدت إلى 15 عاماً في السجن، إلا أن أحمدي نجاد في نظر الكثير من الإيرانيين، رجل نظيف اليد، بل إنه أول من أشار إلى الفساد المالي فى القضاء الإيراني.

في السنوات الأخيرة، دأب أحمدي نجاد على مهاجمة صادق لاريجاني، الرئيس السابق للسلطة القضائية في إيران، وأخيه علي لاريجاني الرئيس السابق للبرلمان، واتهامه بالفساد، والآن يجري التحقيق مع فريق صادق لاريجاني السابق، في قضايا فساد كبيرة.

يقول السيد رحيمي: "أحمدي نجاد بسيط، يعرف كيف يخاطب الفقراء والمحرومين، وهو الرئيس الوحيد الذي وقف إلى جانبهم، بالرغم من أن سياساته الاقتصادية الشعبوية كلفت الدولة الكثير".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي