ليبراسيون: صراع دبلوماسي في ليبيا.. إلى أين تسير معركة سرت؟

2020-06-24

قالت صحيفة ليبراسيون الفرنسية إن مدينة سرت أصبحت عقدة الصراع الليبي، مشيرة إلى أنها تحبس أنفاسها منذ أيام بين حشود قوات حكومة الوفاق الوطني وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ولكن مصيرها يعتمد قبل كل شيء على موقف القوى الأجنبية المشاركة في الصراع.

وفي مقال بقلم سيليان ماسي، قالت الصحيفة إن قوات حفتر -العائدة من سلسلة من الهزائم بعد حصار طرابلس- تمركزت في المدينة، المعقل السابق للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، كما توقف هجوم قوات حكومة الوفاق السريع عند مشارفها الغربية، فأصبحت الاشتباكات نادرة، ولكن كل طرف جمع الرجال وأعد العدة للمعركة الحاسمة.

وفي غضون ذلك –كما يقول الكاتب- استحوذت الدبلوماسية على الموقف، لأن معارك الصراع في ليبيا يتم كسبها إلى حد كبير عن طريق الخارج، إذ لم يكن لحكومة الوفاق الوطني أبدا أن تصد مقاتلي حفتر لولا المساعدة العسكرية المتزايدة من تركيا، كما أن قوات حفتر كانت ستنهار لولا وجود طائرات الإمارات المسيرة والمرتزقة القادمين من روسيا والدعم الدبلوماسي الفرنسي.

وأصبحت سرت والجفرة "الخط الأحمر" الذي هدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي -الراعي الرئيسي والنموذج المحتذى لحفتر- بالتدخل المباشر في ليبيا إذا عبرت القوات الموالية لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا هذا الخط.

تصريحات حربية

ومع أن حكومة الوفاق الوطني وصفت تصريحات السيسي بأنها "إعلان حرب"، وأبدت غضبها من سماع قوة أجنبية ترسم "خطوطا حمراء" على أراضيها؛ فإن الكاتب يرى أن هذا الخط المستقيم من سرت إلى الجفرة يقسم ليبيا من الشمال إلى الجنوب إلى قسمين: أحدهما غرب هذا الخط في منطقة طرابلس تحت النفوذ التركي، والثاني شرقه في منطقة برقة، تحت الحماية الروسية المصرية.

وفي هذا السياق، ندد الجيش الأميركي بوجود 14 طائرة مقاتلة روسية في قاعدة الجفرة الجوية الإستراتيجية، التي تقع على بعد 250 كيلومترا جنوب سرت، والتي تسيطر عليها القوات الموالية لحفتر.

وينقل الكاتب عن الباحث يزيد صايغ من مركز كارنيغي للشرق الأوسط قوله "إن احتمال تدخل مصر يتزايد بشكل مباشر، لكنني أعتقد أن إدارة السيسي لا تحبذه، ولن تلجأ إليه إلا كملاذ أخير. وحتى لو قامت به فسيكون تدخلا محدودا، بحيث تعبر قواتها الحدود بقوة ثم تتوقف، معلنة بذلك تصميمها على إقناع الجانب الآخر بوقف تقدمه".

إعادة تشكيل المؤسسات

ومع ذلك، يرى الكاتب أن تركيا -التي حفزتها الانتصارات المتتالية في محيط طرابلس- جعلت من فتح سرت والجفرة أولوية، وكذلك جعلته حكومة الوفاق الوطني شرطا لتوقيع أي وقف لإطلاق النار، ويتساءل: هل حصل رئيس الوزراء الليبي فايز السراج على موافقة واشنطن على مواصلة الهجوم بعد لقاء مع رئيس القيادة الأفريقية (أفريكوم) الجنرال ستيفين تاونسند والسفير الأميركي ريتشارد نورلاند؟

ويضيف أن طرابلس اعتبرت هذا اللقاء دعما مهما لها، لكن بيان السفارة الأميركية تحدث بحذر شديد قائلا إنه "من الضروري إنهاء العمل العسكري والعودة إلى المفاوضات"، من دون أن يحدد مصير سرت والجفرة.

وتساءل الكاتب عن أي مفاوضات يتحدث الأميركيون؟ وأوضح أن طرابلس رفضت بشدة ما تسمى مبادرة "القاهرة" التي صاغها رئيس البرلمان في طبرق عقيلة صالح -حليف حفتر- والتي يتوخى فيها إعادة تشكيل المؤسسات في ليبيا، علما أن من الممكن إعادة تنشيط دور الأمم المتحدة الذي تعثر منذ عدة أشهر.

اللعبة الخطرة

ويضيف الكاتب أنه وفي سياق هذه الأزمة، استغل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارة الرئيس التونسي قيس سعيد إلى باريس للتعبير عن قلقه من الوضع في الدولة المجاورة لتونس، قائلا "أعتبر أن تركيا تلعب لعبة خطرة في ليبيا، تتعارض مع جميع التزاماتها". مشيرا إلى "أن قلق الرئيس السيسي مشروع عندما يرى القوات تصل إلى حدوده". مع أن سرت تقع على بعد أكثر من 800 كيلومتر من الأراضي المصرية.

ومع أن الحوادث التي وقعت الأسبوع الماضي بين البحريتين الفرنسية والتركية قبالة ليبيا لم تؤد إلى تصعيد، فإن ماكرون ذكّر بمقولته القديمة "إن الناتو ميت دماغيا"، مشيرا إلى أن "ما تقوم به تركيا -العضو في هذا الحلف- من انتهاك لحظر إدخال السلاح إلى ليبيا دليل على ذلك"، على حد قول الرئيس الفرنسي.

وردت تركيا على ماكرون، وذكرته "بالدعم الذي قدمته فرنسا لسنوات للجهات غير الشرعية، في إشارة إلى حفتر. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية هامي أكسوي إن فرنسا "من وجهة النظر هذه هي التي تلعب في الواقع لعبة خطرة".

وختم الكاتب متسائلا: هل سينقذ هذا "القمار الدبلوماسي الكبير" الذي يتم لعبه في عواصم العالم مدينة سرت من معركة جديدة؟ أم أنه على العكس سيصب الزيت على النار، خاصة أنه لم يعد بإمكان الليبيين التخلص من هؤلاء الرعاة الأقوياء؟







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي