تونس تسعى لإعادة إحياء فن الخط العربي

2020-06-23

تونس- برز اهتمام السلطات التونسية الشديد بفن الخط العربي منذ وصول الرئيس الحالي قيس سعيّد إلى سدة الحكم في أكتوبر 2019. وقد لجأ الرئيس في بيان تعيين رئيس الحكومة ولائحة الوزراء التي أرسلها إلى البرلمان، إلى الكتابة بالحبر على ورقة سميكة تحمل شعار الرئاسة.

ويحرص الرئيس التونسيّ على إهداء ضيوفه الرسميين الأجانب لوحات فنية تحمل تعابير بالأحرف العربية. وقد أهدى الأمينة العامة للمنظمة الدولية للفرنكوفونية لويز موشيكيوابو خلال زيارتها لتونس مطلع 2020، لوحة فنية تحمل حروفا عربية من إنجاز الخطاط التونسي عمر الجمني تحمل عنوان “النقطة الزرقاء”.

ويقول عمر الجمني الذي التقى سعيّد في ورشات عمل حول فن الخط في تونس العام 2015، “الرئيس التونسي يعتمد على الخط الديواني في مراسلاته الخاصة ويحرص على كتابة مراسلاته الرسمية بالخط المغربي”.

ويعدّ الخط العربي فنّا وثيق الصلة بالإسلام، وقد انتقل إلى شمال أفريقيا منذ القرن السابع ميلادي في سياق الفتوحات الإسلامية. وظهرت منه ستة أنواع أساسية، بينها خط “الديواني” المعتمد في مراسلات السلاطين العثمانيين، و”الكوفي” الذي استعمل في نسخ المصاحف وتغيّرت تسميته بحسب المدينة التي انتشر فيها على غرار الخط المغربي نسبة لمنطقة المغرب العربي.

وتوجد في تونس حاليا هيئة رسمية مرجعية واحدة للخط العربي هي “المركز الوطني لفنون الخط” التي أنشئت عام 1994، ومن أهدافها حماية وتطوير فن الخط العربي وترويج أساليبه في العالم العربي والإسلامي، غير أن مصير هذه المؤسسة العمومية بات على المحك.

يعد الخط العربي فنّا وثيق الصلة بالإسلام

ويعبّر مدير المركز لطفي عبدالجواد عن “الغضب والصدمة” من قرار تحويل المركز إلى متحف للمسرح الوطني التونسي الذي أعلنته وزارة الثقافة في نهاية 2019.

لكنه يقول إن “الدروس توقّفت خلال الموسم الدراسي 2019-2020 نهائيا بسبب عزوف المدرسين”. ويوضح عمر الجمني أن “عدد الخطاطين الأصليين في تونس غير كاف ويعدّ على أصابع اليد ويعملون في ظروف قاسية” في فن لا يدرّ المال.

التراث بعيون معاصرة

ويؤكد الخطّاط التونسي الذي دأب على المشاركة في معارض عالمية وحاز العديد من الجوائز، على “ضعف الحركة الفنية” في بلاده مقارنة بدول عربية وآسيوية، مشيرا الى التجربة اليابانية والإيرانية والمغربية في هذا المجال.

وساهمت تونس مؤخرا في مبادرة عربية تسعى إلى الحفاظ على هذه المهارة. وقدّمت مجموعة من الخبراء من هذه الدول ملفا إلى اليونسكو يطالب بإدراج الخط العربي على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة لصون التراث غير المادي لعام 2021.

ويعتبر الباحث التونسي عماد صولة المشرف على ملف بلاده ترشيح فن الخط العربي حافزا للاهتمام به “كعنوان أساسي للهوية الثقافية وعنصر مهم لوحدة المجتمع واستمراريته إزاء تهديدات العولمة للتنوّع اللساني”.

وبين الدول المشاركة في المبادرة إلى جانب تونس، فلسطين ولبنان ومصر والجزائر والأردن والمغرب والعراق.

وتحظى المبادرة بدعم من السعودية التي تحتفي في العام 2020 “بفن الخط العربي”، وكذلك من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو). ويرى الجمني في المبادرة “رد اعتبار للهوية ورفعا لمعنويات أهل الاختصاص”.

ويرجع الباحث عماد صولة تقلّص استخدام فن الخط العربي إلى حدّ بعيد إلى “بعض التطبيقات الإعلامية التي تحدّ من طابعه الفنّي والجمالي وتحوّله إلى كائن افتراضي، والحال أنه أساسا ممارسة مفعمة بالحياة” تعتمد على أشكال مختلفة كالنقائش والنقود والأواني الفخارية والمنسوجات والمعادن.

ويعزو عمر الجمني أسباب انتكاسة هذا الفنّ إلى “استبعاد الثقافة الإسلامية بطريقة عنيفة وغير مدروسة منذ ستينات القرن الماضي”.

وحدث في تلك الفترة صدام شديد بين الرئيس الراحل حبيب بورقيبة (1956-1987) وعلماء جامع الزيتونة انتهى بتعليق نظام “التعليم الإسلامي” ومصادرة ممتلكاته ومن بينها الآلاف من المجلدات والمخطوطات التي تحمل بصمات فنّية.

وجامع الزيتونة هو ثاني جامع يبنى في شمال أفريقيا بعد جامع عقبة بن نافع في القيروان في وسط غرب تونس. وانبثقت عنه “جامعة الزيتونة” التي كانت أول جامعة علمية في العالم الإسلامي. ومن خريجي جامع الزيتونة العريق عام 1932 عميد الخطاطين التونسيين محمد الصالح الخماسي الذي ساهم في وضع ركائز المدرسة الخطية في تونس، وتتلمذت على يديه أجيال من الخطاطين التونسيين.

تراث بعيون معاصرة لإلهام الأجيال الصاعدة
ويشدّد الخطاطون الشباب على “ضرورة البحث عن أساليب فنية جديدة تتماشى وروح العصر، لكي لا يطالنا الصدأ ويفوتنا الركب”.

ويعدّ الخطّاط الثلاثيني، الجابري، من بين الأوائل في العالم العربي الذين قاموا بتطويع الضوء عوض القلم الخشبي، كأداة لكتابة الأحرف العربية في الفضاء ووسط الظلام.

وكتب الجباري الذي حاز عام 2015 “الجائزة الدولية للفنون العامة” بين ثلاثين أفضل فنان في ميدانه في الصين، بهذه التقنية، في 2011، في بلدته في القصرين في وسط غرب تونس، أسماء “شهداء الثورة التونسية” الذين قتلوا خلال مواجهات سبقت سقوط الرئيس زين العابدين بن علي.

ويوضّح الخطّاط الذي يعتمد في رسوماته على خطي الكوفي والمغربي، أنه “اختار المزج بين فن قديم وتقنيات حديثة لتقريب لغتنا إلى الشباب”.

ويقول عمر الجمني الذي يعمل حاليا على لوحة فنيّة خطّية غير مسبوقة “أريد تقديم تراثنا بعيون معاصرة لإلهام الأجيال الصاعدة”.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي