المنزل كتجربة إنسانية.. فن العمارة من الكهف إلى ناطحات السحاب

2020-06-19

بعد انتشار فيروس كورونا في العالم، خاض الكثيرون تجربة جديدة تماما بالنسبة للعالم المعاصر، وهي تجربة العزل المنزلي، وأصبح على كل شخص البقاء في المنزل لفترات أطول من التي اعتادها.

لم يعد المنزل مكانا للراحة أو النوم أو الجلوس مع العائلة فقط، لكنه تحول إلى مكان للعمل واللعب وممارسة الرياضة، فقد تعرف البعض على منزله كما لم يعرفه من قبل، أعاد اكتشاف غرفه، وجدرانه وأثاثه، وأكوام الذكريات المكدسة في أركانه، وأعاد البعض الآخر اكتشاف أركان من منزله بعدما أصبحت النوافذ والشرفات المتنفس الوحيد للكثيرين.

أول بيت في التاريخ

كشف العلماء عن أول دليل مادي وأثري على وجود المنزل في تنزانيا، ويبلغ عمره تقريبا 1.8 مليون سنة، يختلف ذلك الأثر عن مفهومنا الحالي عن المنزل تماما، فهو عبارة عن دائرة من الحجر تحيط بمنطقة غارقة قليلا في الأرض، تشبه الحفرة لكن بعمق قليل، يبلغ قطرها حوالي 13 قدما (نحو أربعة أمتار) تشبه الأكواخ التي مازالت تبنى من الصيادين بالغابات في أجزاء متفرقة من العالم حتى اليوم.

ولم يتفقوا على أن هذه الحفر الدائرية هي أقدم البيوت، إذ يقول بيتر بيرغرين، أستاذ علم الاجتماع بجامعة لورانس الأميركية، إنه ربما تكونت هذه الصخور عن طريق الصدفة البحتة، أو ربما كانت تلك الصخور تطوق بعض الأشجار، وبقيت في مكانها بعد موت الأشجار. ويضيف أنه حتى لو وضع الإنسان البدائي تلك الأحجار هناك، وبنى فوقها شيئا، فليس كل علماء الآثار على استعداد لاعتباره منزلا.

وأوضح بيرغرين أن أقدم المنازل التي اتفق عليها علماء الآثار توجد في أماكن مثل تيرا أماتا بمدينة نيس في فرنسا، بموقع عمره يقرب من 400 ألف عام، حيث يمكن للباحثين العثور على بقايا فجوات في الأرض محفورة بعناية، وبقايا نيران صغيرة استعملت للطبخ، بالإضافة إلى أكوام صغيرة من الأحجار التي كانت بمثابة أساسات للمنزل.

يعتقد العلماء أن ما يميز المنزل البشري، وما يجعله منزلا حقا، هو الثقافة التي توجد مع الهندسة المعمارية. البشر فقط هم الذين يربطون القيم الإنسانية بالمكان، فيتحول إلى منزل، حيث إن القيم التي تعتنقها كل مجموعة من البشر تؤثر على شكل ومفهوم المنزل لديهم، كما أن تنظيم العلاقات الاجتماعية في كل مجتمع يظهر من خلال منازله.

 

أول مأوى للإنسان

تطورت وظيفة ما يمكن أن يصنف على أنه منزل بشكل كبير، فعندما كان الإنسان يعيش في الكهف، كان يبحث عن المأوى في المقام الأول، وما يميز الكهف أنه جاهز، ولا يتطلب الكثير لبنائه. وفي الأماكن التي لا تحتوي على كهوف، تم بناء ملاجئ بسيطة وتكييفها لتلائم احتياجات البشر. وجاء بعد ذلك الكوخ كملاذ في المجتمع الزراعي. ومع حقبة العصر الصناعي، ظهر المنزل كملاذ آمن، أما اليوم فقد أصبح مفهوم المنزل أكثر تعقيدا.

كانت المساكن في البداية سريعة الزوال، أو مساكن عابرة، مثل التي ظهرت في مجتمعات البدو الرحل، أو الأفارقة، وسكان أستراليا الأصليين، الذين يعتمدون على الصيد وجمع الطعام في شكله البسيط. ظهر بعد ذلك ما يمكن أن يطلق عليه المساكن الموسمية، التي تستخدم لأوقات معينة في السنة، لعدة أشهر أو لموسم معين. ومع هذه المنازل بدأ مفهوم الملكية الجماعية، وظهرت هذه المساكن في أماكن الهنود الحمر، وكينيا وتنزانيا.

ظهرت بعد ذلك المساكن الدائمة، مع ظهور المجتمعات التي تمارس الزراعة. وتميل هذه المجتمعات للعيش في نفس المكان لفترات طويلة، لأن نمو المحصول وجمعه يحتاج إلى الاستقرار، ويظهر أثر الزراعة والاستقرار في الحضارة المصرية القديمة، وحضارة قبائل المايا، وكل منهما ترك إرثا معماريا كبيرا نتيجة الاستقرار، ونتيجة تقسيم العمل، وحصول كل شخص على مهنة ومسكن.

 يعيش حوالي 75% من سكان العالم في بيئات حضرية 

في المجتمعات المتحضرة

تجاوزت المساكن الدائمة فكرة توفير المأوى بشكل مجرد، وانتقلت إلى التفكير في الراحة، وظهرت المدن بشكل بطيء في البداية، ففي أوائل القرن 19 كان يعيش حوالي 3% فقط من سكان العالم في مناطق حضرية، ومع حلول عام 1950 بدأ عدد السكان بالمناطق الحضرية يزداد وينمو، وفي وقتنا الحالي يعيش حوالي 75% من سكان العالم في بيئات حضرية، وترتفع النسبة قليلا في الدول الصناعية لتزيد على 80%.

مع زيادة عدد السكان، والتحضر السريع، ضاعت معظم الأراضي المتاحة للإنسان. ومع استمرار تآكل الأرض، بدأ المعماريون في الاتجاه إلى البناء الرأسي، مما يعني بناء هياكل ذات ارتفاعات عالية، لتوفر مساحات أكبر بأقل استهلاك للأرض.

ولم يخل مفهوم البناء الرأسي من المشاكل، مثل العزلة الاجتماعية، والتلوث البيئي، وتعقيدات البناء الذي إذا لم يتم التخطيط له جيدا يصبح أكثر خطورة على سكانه والبنايات المحيطة به.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي