
قالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية إن فترة الأزمة الصحية التي يعيشها العالم أدت إلى ارتفاع حدة الأمزجة، وفاقمت الفوارق بشأن طريقة الناس في النظر إلى العالم والوجود وحتى في الخلافات بين من يهتم ومن لا يهتم، وتساءلت: هل علينا أن ننظر إلى النصف الملآن من الكأس أم إلى النصف الفارغ؟
ولفتت الصحيفة إلى أن من الناس من يحذر من موجة ثانية من الجائحة وتداعيات اقتصادية واجتماعية كبيرة، في وقت يركز فيه آخرون على اليوم التالي ويقظة الضمائر البيئية والسياسية، مما يجعل الجدل يحتد بين المتشائمين والمتفائلين.
أمل مفتوح
وتقول الفرنسية كارول إنها لم تعد تفهم زوجها، إذ "بالنسبة له ليس هناك ما يطرح مشكلة، فكوفيد-19 سينتهي مع الصيف، وليس لديه خوف من البطالة، بل إنه ومنذ 11 مايو/أيار خرج مع رفاقه ولم يزد على أن لبس كمامة".
ويعلق إيف أليكساندر تالمان -وهو طبيب نفسي ومؤلف كتاب "تغيير الآخرين دون معالجتهم"- على التباين بين المتشائمين والمتفائلين قائلا "إننا نسارع إلى إدانة من يفكر بشكل مختلف عنا في وقت المحن كمحنة كورونا، ونتخذ من ذلك وسيلة للدفاع عن سلامة مواقفنا، وفي الوقت الذي نحتاج فيه أن نبني معا عالم الغد كل واحد يتمسك بموقفه".
ويتعجب الفرنسي تيرانس قائلا "بصراحة إنه أمر لا يطاق، وعندما أنظر إلى كل هؤلاء الناس ينحبون حظهم أشعر بالرغبة في دفعهم دفعا شديدا، ألم نزل على قيد الحياة؟ إذًا لنستمر".
فمن المصيب إذًا؟ ومن المخطئ؟ هذا ما يجيب عنه إيف أليكساندر تالمان بالقول "لا أحد، فالحقيقة لا توجد خارج تصورنا الشخصي الذي يتغير حسب مزاجنا وكذلك حسب تاريخنا ومعتقداتنا ومخاوفنا".
فالبعض يرى الكوب نصف ملآن، ويراه آخرون نصف فارغ، أما في الواقع فهو كوب ماء، ولكن ما الذي يميز المتفائل؟ يجيب الطبيب النفساني "لديه يقين بأن أعماله لها عواقب، ينسب نجاحاته لسبب داخلي ودائم، فهو إذًا مسؤول، وإخفاقاته لها سبب خارجي وعابر لا يملك حيلة تجاهه".
فمثلا المتفائل عندما يحصل على وظيفة يمجد كفاءاته المهنية، وإذا لم يحصل عليها يعتقد أن مرشحا آخر كان أفضل منه، وهو ما لا يحصل دائما، أما المتشائم فيعمل العكس تماما، إذ يعزو سبب نجاحه لعوامل خارجية، خصوصا الحظ، ويعزو إخفاقاته إلى شخصه لأنه يرى نفسه سيئا وسيبقى كذلك.
ويؤدي التشاؤم المعتدل إلى رؤية أكثر واقعية للنفس وللآخرين وللعالم، لأن هؤلاء الأشخاص -كما تقول الصحيفة- يتعاملون بحذر انطلاقا من حالتهم دون أن يقعوا في الأوهام.
الحجر صعب.. ولكن هناك أشياء جميلة
وأشارت الصحيفة إلى أن الشخص يمكن أن يعيش نفس الحدث برؤية وردية أو بكثير من التشاؤم، ويقول الطبيب النفسي "التربية تلعب دورا كبيرا، لدينا ميل إلى تقمص نماذجنا الأبوية، سواء كان بالثقة أو بالحذر، كما أن البيئة الثقافية الاجتماعية التي نترعرع فيها تؤثر فينا كذلك، وفرنسا -مثلا- ليست بطلة العالم في التفاؤل، كما أننا نحن الفرنسيين وراثيا ذوو مزاج قلق، وأخيرا تجارب الحياة الصعبة أو المؤلمة قد ساقتنا إلى مزيد من التشاؤم".
وتقول الفرنسية ماغالي في هذا الإطار وهي تبتسم "إن الكوارث لها أسبابها لكن الناس يتجاهلون كل ما هو إيجابي، صحيح أن هذا الحجر كان صعبا لكننا أيضا عشنا أشياء جميلة".
ويحذر الطبيب النفسي تالمان مع ذلك من الإمبريالية العاطفية ودكتاتورية السعادة قائلا "إنه فخ عقدي أن نعتبر أن التفاؤل هو العلاج السحري، فكل نظرة لها إيجابياتها وسلبياتها ولا شك أن الدراسات تشير إلى أن المتفائلين يستفيدون من أمل أفضل في الحياة ومردودات أكبر، كما أنهم أقل عرضة للطلاق والأمراض الخطيرة، لكنهم ولكونهم أقل حذرا يرتكبون مخاطر، ولديهم حوادث مهنية أكثر".
ويرى تالمان أنه لا أهمية لتجميل الواقع، لكن المهم ببساطة هو أن ننظر إليه من زاوية مختلفة، فعلينا أن نبتعد عن الثنائية في النظر، فإذا كان فريقنا المفضل خسر فقد فاز خصمه، وإذا كنا في فرنسا مثلا لم يؤذن لنا بعد في السفر إلى الخارج فشواطئ بلدنا مفتوحة.