كيف يخاطر ترامب بعلاقات الجيش مع الشعب الأميركي؟

2020-06-06

مع اندلاع الاحتجاجات الواسعة في عشرات المدن الأميركية على خلفية مقتل جورج فلويد على يد شرطي في مدينة مينيابوليس انحصر الاهتمام في البلاد على قضيتين أساسيتين، الأولى هي العنصرية تجاه الأميركيين من أصول أفريقية، والأخرى هي علاقات الجيش مع الشعب.

وكان الرئيس دونالد ترامب قد هدد باللجوء إلى قانون "مكافحة التمرد"، والذي يسمح للرئيس بنشر الجيش في المدن الأميركية في حالات استثنائية، كالعصيان أو عرقلة القانون أو كارثة طبيعية أو هجوم إرهابي.

وقال الرئيس ترامب في تصريحات صحفية أمس الجمعة "إذا رفضت مدينة أو ولاية اتخاذ القرارات اللازمة للدفاع عن أرواح سكانها وممتلكاتهم فسأنشر الجيش الأميركي لحل المشكلة سريعا".

وكان العام 1992 آخر مرة استخدم فيها القانون المذكور بطلب من حاكم ولاية كاليفورنيا غربي البلاد للتصدي لما تعرف بأحداث شغب لوس أنجلوس، والتي أعقبت قرار تبرئة أربعة عناصر من الشرطة من تهمة قتل المواطن من أصل أفريقي رودني كينغ.

وتنتشر القوات المسلحة الأميركية على عدة مستويات، فهناك المستوى القومي الفدرالي، وهناك الحرس الوطني الخاص بكل ولاية على حدة، إلا أن الجميع يخضع للمسؤولين المنتخبين من عمد المدن وحكام الولايات، وصولا للرئيس الذي يشغل منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومن النادر لجوء رئيس البلاد إلى تسيس الجيش، خاصة في عام انتخابات مثل العام الحالي.

ولا تعمل السلطات الأميركية بنظام الخدمة العسكرية الإلزامية، بل يعتمد الجيش على المتطوعين.

انتقادات العسكريين

وشن عدد من كبار المسؤولين العسكريين السابقين هجوما حادا على ترامب على خلفية استدعائه الجيش للسيطرة على احتجاجات على مقتل فلويد في العاصمة واشنطن، إذ اعتبروا ذلك انتهاكا لتوازن العلاقات العسكرية المدنية الراسخة.

وقال الجنرال جيمس ماتيس -وهو أول وزير دفاع في عهد ترامب- في تصريحات له إن "دونالد ترامب هو أول رئيس في حياتي لا يحاول توحيد الأميركيين، بل إنه حتى لا يدعي بأنه يحاول فعل ذلك، بل هو يحاول تقسيمنا"، ووصف ماتيس الرئيس بأنه خطر على الدستور.

كما يرى رئيس الأركان السابق الجنرال مارتن ديمبسي أن ثمة نقطتين شديدتي الخطورة فيما يجري، الأولى تتمثل في وصف التحدي أمام الجيش، فمن يستطيع السيطرة على "ساحة المعركة" وكأننا نواجه العدو، والنقطة الثانية هي مجرد التفكير في استدعاء القوات المسلحة لقمع المتظاهرين السلميين في أغلبهم.

وأدلى وزير الدفاع الأميركي الحالي مارك إسبر بتصريحات نأى فيها بنفسه وبوزارته عن قرار الرئيس ترامب إخلاء حديقة لافاييت المواجهة للبيت الأبيض من المتظاهرين، كي يتسنى له التقاط صورة عند كنيسة سانت جونز التاريخية.

وقال الوزير إسبر إنه يعارض نشر الجيش للسيطرة على الاحتجاجات "فالجيش أقسم للدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم"، إلا أن ظهور وزير الدفاع ورئيس الأركان مارك ميلي بجوار ترامب عندما توجه مشيا إلى كنيسة سانت جونز شكّل صدمة واسعة للمتابعين.

محطات تاريخية

للولايات المتحدة علاقة تاريخية مضطربة مع جنودها من ذوي الأصول الأفريقية، فقد شهدت البلاد مشاركة وحدات عسكرية من هذا العرق في حروبها الخارجية، بدءا من الحرب العالمية الأولى، مع الالتزام بتطبيق نظام الفصل العنصري داخل الجيش، وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية أصدر الرئيس السابق هنري ترومان عام 1948 أمرا تنفيذيا أنهى به الفصل العنصري الذي كان متبعا داخل الجيش.

وكان الجنرال كولين باول أول أميركي من أصل أفريقي يصل إلى منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة، وهو أكبر منصب عسكري في الولايات المتحدة، ذلك أن منصب وزير الدفاع هو منصب سياسي، وذلك عندما اختار الرئيس جورج واشنطن الأب باول لهذا المنصب في عام 1989.

ويمثل الأميركيون من أصول أفريقية نسبة 17% من إجمالي القوات الأميركية البالغ تعدادها 1.35 مليون، طبقا لدراسة نشرها معهد "بيو" للأبحاث عام 2018.

ونتيجة غياب نظام التجنيد الإجباري تتزايد سنويا نسبة الأقليات داخل كل أفرع القوات الأميركية، إلا أن بعض الخبراء يخشون من تأثير الاضطرابات الحالية على جذب الشباب من أصول أفريقية للانضمام إلى الجيش.

ميل للعسكريين

وجاءت رغبة ترامب في استدعاء الجيش لقمع الاحتجاجات متسقة مع إعجابه بالعسكرية الأميركية، كما ظهر ذلك في مستويين منذ توليه الرئاسة في يناير/كانون الثاني 2016.

وتمثل المستوى الأول في اختيار ترامب الشخصيات التي شغلت أرفع المناصب في إدارته، فبخلاف المقتضيات القانونية المعمول جاء الرئيس بالجنرال ماتيس وزيرا للدفاع، وهو المنصب الذى تعود أغلب رؤساء أميركا تسمية شخصيات مدنية فيه.

واحتاج تولي ماتيس المنصب إلى موافقة مجلس الشيوخ بعد استثنائه من قانون يحظر على العسكريين السابقين تولي منصب وزير الدفاع لمدة سبع سنوات بعد تقاعدهم.

كما عين ترامب الجنرال السابق مايكل فلين مستشارا للأمن القومي، وعندما اضطر لاستبداله لاحقا اختار جنرالا آخر هو إتش آر ماكماستر، وسمى الرئيس عسكريين سابقين في مناصب وزير الأمن الداخلي في شخص الجنرال جون كيلي، والعسكري السابق مايك بومبيو مديرا لوكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي أي)، ثم وزيرا حاليا للخارجية.

كما ظهر ميل ترامب للعسكريين في زيادة مخصصات ميزانية وزارة الدفاع، والتي قاربت في سنوات حكم الرئيس الحالي في مجموعها 2.7 تريليون دولار.

مغازلة انتخابية

ولم ينس ترامب مغازلة فئة ناخبة عسكرية شديدة الأهمية، وهي فئة المحاربين القدامى الذين يفوق عددهم تسعة ملايين، فضلا عن زيادة مخصصات ميزانية وزارتهم بـ6% (ما يعادل 4.4 مليارات دولار).

ويسمح الدستور الأميركي للعسكريين بالتصويت في الانتخابات بخلاف ما هو معمول به في الكثير من النظم الانتخابية حول العالم، ويأمل ترامب أن يحصد في انتخابات الرئاسة المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل أصوات الناخبين العسكريين كما حدث في انتخابات 2016.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي