ميديابارت: فيروس كورونا.. كل شيء كان مكتوبا

2020-06-03

كشف موقع ميديابارت الفرنسي في تحقيق مطول أن تفشي وباء كوفيد-19 كان متوقعا، لكن كل الحكومات المتعاقبة تجاهلته، مفضلة التركيز على الطوارئ الآنية، وحذر الموقع من أن السيناريو ذاته سيتكرر مع كارثة أخرى ستحدث لا محالة إن لم تتخذ تدابير صارمة للحؤول دون وقوعها.

ولفت الكاتب بالموقع ماثيو سوك في بداية تقريره عن الموضوع إلى تغريدة كان قد نشرها مدير المعهد الفرنسي للبحوث الإستراتيجية بالمدرسة العسكرية (irsem) جان بابتيتس جاجين فيلمر على موقع تويتر في مارس/آذار الماضي، قال فيها "خطر تفشي جائحة ما كان متوقعا بالفعل، وفي بعض الأحيان بدقة شديدة من قبل مستشرفي المستقبل خلال الــ15 سنة الماضية".

واستشهد فيلمر بوثائق من مؤسسات مختلفة مهتمة بشؤون الدفاع في كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، ليؤكد أن "خطر تفش وبائي ليس شيئا لم يكن في الحسبان، بل على العكس من ذلك كان أحد الثوابت الإستراتيجية في الخطط المستقبلية المرسومة".

وأورد الكاتب هنا الحكمة الفرنسية التي تقول إن "الحكم يعني التوقع" (Gouverner c’est prévoir)، أي أنه لا يصلح للحكم من لا يستطيع أن يتوقع الأمور قبل حدوثها، ليتساءل بعد ذلك "هل كان لدى قادة هذا العالم الوسائل الضرورية للتصدي لهذا الوباء بشكل أفضل؟ وهل كان بإمكانهم الاستعداد لعواقبه المأساوية بشكل أفضل؟".

وللرد على هذه التساؤلات، قال الكاتب إن موقع ميديابارت، المعروف بتحقيقاته الصحفية العميقة، اطلع بشكل واسع على وثائق استشراف المستقبل الإستراتيجية التي حذرت من احتمال تفشي جائحة.

ولم يقتصر الموقع على تلك الوثائق، وفقا للكاتب، بل وسّع نطاق البحث ليشمل الملاحظات والتقارير التي وقعها خبراء الصحة الفرنسيون، وليتمكن بذلك من دراسة حوالي 15 وثيقة من مؤسسات الدولة الفرنسية أو من المنظمات الدولية التي وصفت ما يحدث للعالم اليوم.

ومن أمثلة تلك الوثائق ما كتبه الباحث الفرنسي في مجال الدفاع شلدون دوبلي من أن كلية الحرب البحرية الأميركية رعت في سبتمبر/أيلول 2019 لعبة قتالية تتمحور حول مرض معد ينتشر بسرعة في المناطق الحضرية، وكما قال الموقع الإخباري، كان خبراء من مركز الأبحاث الأميركي (CSIS) يقومون بتمرين يحاكي الوباء الناجم عن ظهور فيروس تاجي جديد.

وقال الكاتب إن "تحليل الاستشراف المستقبلي" كفنِ "تقييمِ حالة عدم اليقين" (évaluer l’incertitude)، كما عرفه المدير السابق لجهاز الاستخبارات الفرنسي برنار باجولي، فشل في التنبؤ بالأحداث الإستراتيجية المفصلية التي شهدها العالم في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين مثل سقوط جدار برلين وهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 والربيع العربي عام 2011، مما يستدعي الحذر، وفقا للكاتب.

غير أن الكاتب أبرز أن احتمال تفشي وباء عالمي أُشبع بحثا وتوثيقا منذ عام 2003، عندما أصاب مرض "سارس" (متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد) بعض البلدان الآسيوية.

توقعات جادة

وهنا أورد الكاتب بعض التوقعات الجادة حول احتمال انتشار وباء عالمي، قائلا إن أشهر وأدق مثال على ذلك هو تقارير مركز التحليل المستقبلي التابع لوكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي أي) الذي دق نقوس خطر تفشي وباء عالمي في السنوات 2004 و2008 و2017، والذي حذر من أن العالم سيشهد على الراجح قبل حلول عام 2025 "ظهور مرض تنفسي بشري شديد العدوى وخبيث لا يوجد له علاج ويمكن أن يتحول إلى وباء عالمي".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، قدرت المراجعة الإستراتيجية للدفاع والأمن في المملكة المتحدة أن "الأمراض، وخاصة الإنفلونزا الوبائية" ستعطل في السنوات الخمس المقبلة الخدمات العامة والاقتصاد. وأوضحت خطة إستراتيجية السلامة الأحيائية التي وضعها البريطانيون بعد ذلك بثلاث سنوات، أن "مثل هذا الوباء يمكن أن يتسبب في مئات الآلاف من القتلى ويكلف المملكة المتحدة عشرات المليارات من الجنيهات".

ولم يتخلف الفرنسيون عن الركب، بل حذر "الكتاب الأبيض" عن الدفاع والأمن القومي الصادر عام 2008، والذي يعرض قائمة بالمخاطر والتهديدات التي يمكن أن تؤثر على أمن البلاد في العام 2008، من المخاطر الصحية التي يمكن أن تنجم عن وباء محتمل. بل إن هذه المخاطر أخذت موضعا متقدما وبارزا، إذ جاءت مباشرة بعد الهجمات "الإرهابية" والهجمات السيبرانية في التسلسل الهرمي للتهديدات التي تواجهها فرنسا.

وهكذا كتب المحللون الفرنسيون "على مدى الخمسة عشر عامًا القادمة"، يبدو ظهور "وباء جسيم شديد الفتك" أمرًا "واردا" وفي عام 2013، لفت الكتاب الأبيض الجديد إلى احتمال تفشي "وباء جديد شديد الوطأة وفتاك للغاية".

لم تقتصر هذه الدراسات والمواقف المختلفة على الإعلان عن الكارثة المرتقبة، بل فصلتها بدقة كانت، بأثر رجعي، مفزعة للغاية.

ففي عام 2008، حدد مجلس المخابرات الوطني الأميركي من بين "المرشحين المحتملين" للتسبب في ظهور مرض وبائي "فيروس كورونا"، ويرى الخبراء الذين استشارتهم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية حول هذا الوباء أنه "ربما يحدث أولاً في منطقة تتميز بكثافة سكانية عالية واحتكاك بين البشر والحيوانات، مثل العديد من مناطق الصين وجنوبي شرقي آسيا".

مذكرة

وتعتبر جميع الوثائق التي اطلعت عليها ميديابارت عولمة التبادلات عاملا معجّلًا بانتشار الفيروس، وهو ما عبر عنه مركز التحليل الإستراتيجي الأميركي في مذكرة له في العام 2007.

كما توقعت المذكرة أن لا يكون وقف الرحلات الجوية كافيا لاحتواء الفيروس لأن بعض الركاب قد لا تظهر عليه أية أعراض في البداية، أو تكون الأعراض خفيفة بحيث لا يمكن ملاحظتها.

وأحد الأمور التي أثارت قلق الخبراء الأميركيين آنذاك هو قضية تبادل المعلومات، إذ إن الدول التي تكون مصدرا لذلك الفيروس قد تأخذ أسابيع قبل أن تتمكن مختبراتها من إعطاء نتائج نهائية بشأن وجود مرض قد يتحول إلى جائحة.

وبعد انتشار الوباء، توقع خبراء فرنسيون أن تواجه الكثير من الدول مشاكل في فرض الحجر الصحي بسبب التدفق الحركي الهائل.

كما تحدثت هذه الوثائق عن كيفية مواجهة مثل هذه الوضعية، مشددة على وجوب اتخاذ إجراءات جماعية للتمكن من السيطرة عن تفشي الجائحة، وتوقعت أن يؤدي مثل هذا الوباء إلى تراجع اقتصادي.

وعن درس كوفيد-19 الذي علمه للبشرية، يقول ضابط المخابرات الفرنسي برونو تيرتريس إن "العالم سيكون مستعدا بشكل أفضل لأي وباء جديد، لكننا لن نكون مستعدين بالضرورة بشكل أفضل للحدث التالي المتوقع ولكن غير المحتمل".

ويعترف هذا الضابط بأن الحدث القادم قد لا يكون وباء لكنه سيكون فتاكا، ملفتا إلى أن عالم اليوم لا يهتم بالكوارث إلا إذا ثبت أنها ستحدث على الفور، ويصم آذانه عما سوى ذلك، وهذا ما يحدث مع المناخ.

ويشارك تيرتريس في هذا الطرح مسؤول برنامج "المخابرات والتنبؤات" بالمعهد الفرنسي للبحث الإستراتيجي بول شارون، حين يقول "ليس من الضروري أن يكون المرء كاتبًا عظيمًا ليلاحظ ظاهرة الاحتباس الحراري، فكلنا نعلم ما سيحدث ولكن العواقب بعيدة جدًا، ولذلك نحجم عن التصرف".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي