المكان والإنسان في أعمال التشكيلي السوري منذر شرابي لحسن ملواني

2020-06-03

 

لحسن ملواني*

ما من تشكيلي إلا ويخوض تجارب فنية متنوعة، مستفيدا من تجارب غيره، لينتهي به الأمر إلى طابع يميزه، ليصير قيمة مضافة للإنتاج الفني. والتشكيلي السوري منذر شرابي من هؤلاء، ومنجزه المتنوع دليل على ريادته الإبداعية.

دينامية وشاعرية الألوان

أول ما يلفتك وأنت أمام أعمال شرابي، هذا الرونق الذي ينسجه بألوان متنوعة يجعلها متجاورة تجاور انسجام، ومتحاورة تحاور تكامل، من أجل التعبير واستحضار دفء اللحظات التي تستميله، ليستلهم منها منظوره واختياراته اللونية. والألوان لها قوة تعبيرية تختلف حسب كل تركيبة تشكل عبرها، وهي تبعا لذلك ترمز إلى خلجات الفنان، وهو يباشر التعبير بها. والحال أن الألوان في لوحات شرابي، تمنح ملامح الأعمال فنية حيوية خاصة، تعمها فلا يستثنى منها أي شيء خلفية وأرضية، وكل المؤثثات والمفردات التي تجسد موضوع اللوحة، حيث نجد الألوان كلها تتعانق تعانقا تختلف درجته من موضع إلى موضع، ومن مفردة إلى أخرى، فيحقق ذلك التوازن الفريد للموضوع المجسد في اللوحة. الألوان في المعمار، في البورتريه، وفي الموضوعات العامة تجدها متداخلة متضامنة من أجل التعبير عن الملمح، وما يوحي به من أبعاد إنسانية وجمالية.

كل ذلك يجعل أعمال شرابي، ذات طابع شاعري موقظ للروح، فبمجرد أن تقف أمامها تجعلك تعيش حالات لا تستطيع تفسيرها والبوح بمكنوناتها، إنها اللوحة الحية المشتعلة، الباعثة على التأمل والسفر ضمن ثناياها ومكوناتها اللونية الجميلة «فاللوحة كالقصيدة الشعرية سواء في قالبها القديم أو الحديث، إما أن تشعل في أعماقك ما ينير دهاليزها المظلمة فيعيد إليها الاستنارة المفقودة بفعل رتابة اليومي، ورتابة المشهدي المعتاد، الذي لا يضيف أمرا نوعيا ينجينا من تبلد الإحساس وخمود المشاعر… اللوحة حين تمتح خيوطها من عمق المعاناة وثناياها المؤلمة، وحين تأخذ ألوانها طبق المشاعر الفياضة إزاء الموضوع المثير ، تصير لوحة تتلألأ مكنوناتها كي تشعرك بما يعتلج في نفس مبدعها، وهي النفس التي نتقاسم معها المر والحلو، لأن الإنسان أولا وأخيرا يتشابه مع أخيه الإنسان في كل زمان ومكان، فالمشاعر الإنسانية لا وطن ولا جنسية لها. لذا نتحدث عن اللوحة العالمية الإنسانية التي تخاطب كل الناس في كل مكان، ونتحدث عن اللوحة المحدودة الأفق، وهي العاجزة على مبارحة مكانها الضيق، بل نتحدث عن لوحة مغلقة عقيمة لا شيء يزكي تواجدها «. لوحات شاعرية الألوان حساسة الأعماق تشعرك بالحيوية والانتعاش فتتماهى مع ألوانها بتدرجاتها وهي تتلاحق فوق الأجساد، وفوق تضاريس المكان، وفي نسج ألوان السحاب في الفضاء.

تجسيد لهموم الإنسان

بالحيوية ذاتها التي تطبع الاستعمالات اللونية التي يتخذها الفنان للوحاته، يقتنص موضوعات يومية تفرض نفسها على كل فنان من المفروض أن يعيش متفاعلا مع الناس، ففي أعماله تجد الجالسين المتقابلين على طاولات المقاهي يتبادلون الحديث عن همومهم اليومية، وفي أعماله مارة بمختلف أعمارهم، وهم متوجهون إلى أعمالهم، وفي أعماله نساء ورجال تدل ملامحهم على غوص تفكيرهم في هموم تضج بها دواخلهم… مفردات وموضوعات ينجزها الفنان، بلمسات وضربات فرشاة سريعة، تقدم المشهد بالملمح المحافظ على طابعه الإبداعي، من حيث الظلال والإضاءة والتقاربات اللونية الموحية بالمشاعر المختلفة اختلاف نظرة المشاهدين إليها.

 

زهْوُ المعمار وألقه

كثيرة هي الأعمال التي تحمل المعمار العربي بمختلف مكوناته، صوامع المساجد، أسوار، وشوارع وجسور، وساحات وحارات ومقاه… معمار يزهو في ظل الاختيارات اللونية التي يجسدها شرابي، مبرزا عشقه الخاص بالتراث والبيئة التي يصبح ويمسي عليها، ويأبى إلا أن يوثقها بريشته وألوانه الزاهية، التي تضفي عليها قيمة من الرفعة والمجد والتحضر، ويبين ما يميز المعمار الإسلامي مقارنة بغيره، مسجلا بعض التطورات التي لحقته من عصر إلى آخر. وهو في كل ذلك يعمد إلى اللون ليكسب الفضاءات دلالات من زاوية نظره، ومن زاوية اشتغاله الإبداعي. وبعيدا عن ذلك يقدم المعمار في حالة الهدم والنسف، التي يتعرض لها جراء الصراعات و الحروب.

بورتريهات جميلة

بعيدا عن صخب الحياة في الشارع، وفي الحارة وفي المقهى والحقل، ينجز شرابي بورتريهات جميلة، يحتفظ في إنجازها بضرباته السريعة وخطوطه البارزة وألوانه القوية، ليعطيها أبعادا جمالية عميقة، وقد تمكن بهذه الصيغة من إنجاز بورتريهات خاصة بمشاهير في مجال الفن، من أدباء وكتاب وفنانين عرب، مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم… بورتريهات تنضاف إلى منجزه الإبداعي لتتكامل معه، من حيث اتجاهه الإبداعي إلى جانبه الانطباعي والتأثيري والتعبيري.

منذر شرابي ـ سورية ­- حلب 1948. خريج معهد الفنون التشكيلية في حلب 1968 ـ خريج كلية العلوم في حلب 1972 ـ عمل بتصميم وتنفيذ ديكور المسرح منذ 1982 وحتى اليوم ـ عمل في تصميم وتنفيذ عربات مهرجان القطن الكرنفالية في حلب. صمم عددا من أغلفة الكتب الأدبية والشعرية. عضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين. عضو لجنة المعارض في اتحاد الفنانين التشكيليين في حلب ـ عضو نقابة المعلمين في سوريا. عضو في جمعية العاديات للتراث والآثار في سوريا ـ عضو في الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون في جدة…

 

  • تشكيلي وكاتب مغربي






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي