إشعالها سهل لكنَّ إنهاءها مستحيل؟ لماذا لن تتوقف الحرب في أفغانستان واليمن وليبيا وسوريا؟

2020-06-02

كانت الحروب قديماً تبدأ وتنتهي سواء بانتصار طرف أو توقيع اتفاقيات أو بأي صورة أخرى، لكن العالم يشهد في القرن الواحد والعشرين ما يمكن وصفها بالحروب اللانهائية، فما السر وراء تلك الصراعات التي تدمر بلاداً وتقتل المدنيين بلا معنى أو حتى غاية معلومة؟

صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: "حروب بلا نهاية: لماذا ليس هناك حلٌّ سلمي للكثير من الصراعات في العالم؟"، تناول تلك الصراعات الممتدة منذ سنوات طويلة دون أن تبدو لها نهاية.

حروب بلا نهاية

دخلت الحرب الأهلية في ليبيا عامها السابع هذا الشهر، يونيو/حزيران، بلا أفق واضح لنهايتها وفي أفغانستان، أخذت حِدَّة الصراع تحتدم وتخف منذ انهيار الغزو السوفييتي في 1979، وأصبحت الحرب الأمريكية هناك أطول الحروب الأمريكية على الإطلاق، كجزءٍ من الحرب الأمريكية العالمية مفتوحة النهاية على الإرهاب، التي شُنَّت بعد هجمات القاعدة في عام 2001.

ودخل الصراع المُحتدِم في اليمن عامه السادس، وكانت الحرب بين إسرائيل وفلسطين -أو بالأحرى غياب السلام بينهما- هي السائدة على الحياة منذ 1948، وتحمَّلَت الصومال 40 عاماً من القتال، وهذه كلها لا تعدو إلا أن تكون أمثلة قليلة في عالمٍ أصبحت فيه فكرة الحرب بلا نهاية على ما يبدو مقبولةً، أو حتى طبيعية.

لماذا يبدو الساسة والجنرالات والحكومات والمنظمات الدولية عاجزين، أو غير مكترثين، بتحقيق السلام؟ في القرنين التاسع عشر والعشرين، بشكلٍ عام، كانت الحروب تُشَنُّ وتضع أوزارها بإنذاراتٍ رسمية واتفاقاتٍ وبروتوكلات ومعاهدات وهُدَن.

تُعَدُّ النهايات المحبوكة والمُحكَمة، حتى لو كانت في بعض الأحيان وهمية، نادرةً هذه الأيام. وفقاً لمسحٍ نشر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية نتائجه الأسبوع الماضي، فإن 60% من الصراعات المُسلَّحة كانت في حالة تصاعد على الأقل منذ عقود، بينما آفاق صُنع السلام في العالم آخذة في التدهور.

وغالباً ما تكون حروب اليوم شؤوناً شائنة غير مُعلَنة وغير مُحدَّدة، وتشتمل عادةً على أطرافٍ مُتعدِّدة، وحكوماتٍ أجنبية، وقوات بالوكالة، وأساليب سرية، وأسلحة جديدة، وتُدار هذه الحروب بصرف النظر عن حياة المدنيين، أو اتفاقيات جنيف المُنظِّمة للنزاعات المُسلَّحة، أو مصالح السُكَّان الذين تُشَنُّ باسمهم.

إن الحروب المعنوية الكبرى والقضايا الشهيرة والصراعات الأيديولوجية قليلة وتفصلها مسافاتٌ زمنية طويلة، فالحروب الحديثة غالباً ما تُشنُّ من أجل السلطة والثروة، وتستمر وتستمر وتستمر.

ولطالما سعت الدول الطموحة للسيطرة على الدول المجاورة بالطريقة التي تتَّبِعها الصين الآن على سبيل المثال، وأحد الأسباب وراء حدوث ذلك بصورةٍ أكثر تكراراً، وأكثر فوضوية، هو تراجع الاشتباك الأمريكي.

   الرئيس الأمريكي دونالد ترامب 

 

في الشرق الأوسط، تركِّز الولايات المتحدة -التي لم تعُد تضطلع بدور الشرطي العالمي- على دعم إسرائيل، واعتصار إيران، وبيع الأسلحة، على خلاف جميع الدول الأخرى تقريباً، بينما تشهد الولايات المتحدة تراجعاً في آسيا.

عَرَضَ دونالد ترامب، المُتلهِّف على نيل جائزة نوبل للسلام، التوسُّط في النزاع الذي يمتد لسبعين عاماً بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، يدَّعي أيضاً أن "صفقة القرن" سوف تحل المعضلة الإسرائيلية-الفلسطينية. قليلون هم من يأخذون ذلك على محملِ الجد، وبخلاف ذلك، لم تُبدِ إدارة ترامب أيَّ اهتمامٍ بحلِّ النزاعات العالمية.

أحد العوامل المرتبطة بذلك هو انهيار الإجماع بقيادة الغرب، والذي يُحبِّذ النهج التعاوني مُتعدِّد الأطراف إزاء المشكلات الدولية. ويتوازى ذلك مع صعودٍ للأنظمة الاستبدادية الشعبوية التي تمنح الأولوية للمصالح القومية الضيِّقة على حساب التصوُّرات التي تدفع باتجاه الصالح العام.

ويقوِّض هذا الاتجاه، الذي يعود إلى حقبة الدول الأوروبية القومية ما قبل العام 1914، سلطة الأمم المتحدة والمنصَّات الإقليمية التعاونية، مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، كما تكافح بعثات الأمم المتحدة، من سوريا إلى ميانمار، من دون دعمٍ يُذكَر، هي وعمليات صُنع السلام عبر إفريقيا، لتحقيق تقدُّمٍ حقيقي.

تعمل التقنيات والأسلحة الجديدة، مثل الطائرات المُسيَّرة والحرب السيبرانية، على خفض التكلفة الأوَّلية للصراع مع تمديد مسارح الحرب العالمية، ويُحوِّل الاحتباس الحراري العالمي القطب الشمالي إلى ساحة معركة كبيرة، فيما يطرح الفضاء الخارجي احتمالاتٍ لا نهائية للعنف.

سوريا.. بدأت الحرب في مارس

كانت الانتفاضة السلمية في بادئ الأمر ضد الرئيس الاستبدادي بشَّار الأسد في سوريا قد شكَّلَت جزءاً من ثورات الربيع العربي عام 2011، لكنها سرعان ما تحوَّلَت إلى حربٍ شاملة، إذ انتهز خصوم الأسد الإقليميون، وبالأخص المملكة السعودية، الفرصة للإطاحة بنظامه المتحالِف مع إيران، ومذاك الحين وصاعداً، قُدِّرَ عدد من لقوا حتفهم خلال الصراع بنصف مليون شخص.

سَعَت الولايات المتحدة وأوروبا أيضاً إلى تنصيب حكومةٍ صديقة موالية للغرب في دمشق، وضعفت قبضة الأسد على السلطة، فتدخَّلَت روسيا، بدعمٍ من إيران، في عام 2015، لدرء الانهيار وإحباط الطموحات الغربية، وجاءت تدخُّلاتٌ أخرى من تركيا وجهاديي تنظيم الدولة الإسلامية، الذين أعلنوا خلافةً في سوريا والعراق.

    الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين

 

استمرَّت الحرب في محافظة إدلب، شماليّ غرب سوريا، حيث المعقل الأخير لقوى المعارضة، الذي فرَّ إليه الملايين. ويُتوقَّع أن وقف إطلاق النار الجاري الآن سوف يستمر لبعض الوقت. لكن هناك أيضاً مخاوف من أن يلقى 100 ألف شخص حتفهم إن تفشَّى فيروس كوفيد-19 في معسكرات اللاجئين المُكتظَّة. قال الدكتور منذر الخليل، مدير مديرية الصحة في إدلب: "إن لم نحصل على المزيد من الدعم والمُعِدَّات، فنحن نعرف أننا لن نتمكَّن من مجاراة المرض. لقد مرَّ الناس في شماليّ غرب سوريا بما يكفي. نحن بحاجةٍ إلى مساعدة منظمة الصحة العالمية وأن نتلقَّى هذه المساعدة سريعاً".

أفغانستان.. بدأت الحرب في سبتمبر 2001

كان الغزو الأمريكي يهدف في بادئ الأمر إلى قتل أو اعتقال إرهابيي القاعدة المسؤولين عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، لكنه سرعان ما توسَّع إلى عملية "تغيير النظام" المعنية بالتخلُّص من طالبان وتأسيس دولةٍ ديمقراطية على الطريقة الأمريكية.

ثبُت أن هذه الأهداف الأخيرة من الصعب إحرازها، رغم نشر القوات الأمريكية والبريطانية وقوات حلف الناتو، علاوة على التكلفة البشرية التي بلغت آلاف القتلى، وظلَّت الحكومة الأفغانية المُنتَخَبة ضعيفةً ومنقسِمة، بينما بُعِثَت حركة طالبان من جديد، كما يظلُّ التدخُّل الباكستاني والهندي والإيراني والروسي يمثِّل مشكلةً قائمة.

تسعى الولايات المتحدة حالياً إلى إيقاف مسلسل خسائرها والرحيل من البلاد، لكن "اتفاق سلام" مثيراً للجدل فشل في أن يُعقَد بالفعل، ويُنظَر على نطاقٍ واسع إلى هذا الاتفاق باعتباره مجرد ورقة تين لانسحاب القوات الأمريكية من شأنه أن يعزِّز فرص إعادة انتخاب دونالد ترامب.

ويُقدَّر أن 100 ألف أفغاني قد لقوا حتفهم منذ 2001، رغم أن العدد الحقيقي، الذي يشمل الموت من أسبابٍ غير مباشرة، هو أكبر كثيراً بشكلٍ شبه مؤكَّد، ووفقاً للأمم المتحدة، تسبَّبَت القوات الأفغانية وحليفتها الأمريكية في وقوع ضحايا مدنيين في العام 2019 أكثر من أولئك الذين وقعوا بسبب طالبان. وتخفت آمال السلام مع الهجمات التي يشنُّها إرهابيو تنظيم الدولة الإسلامية بانتظام حالياً.

ليبيا.. بدأت الحرب في مايو 2014

بدأت الاضطرابات في ليبيا في الواقع في أكتوبر/تشرين الأول 2011، حين أُطيحَ بمعمر القذافي في انتفاضةٍ شعبية تدعمها المملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة، لكن الاحتفالات الوطنية بذلك لم تدُم طويلاً.

وأدَّى نشوب الصراع بين عديدٍ من الفصائل السياسية، والقبائل، والميليشيات، والجهاديين، في العام 2014، إلى تمزُّقٍ بين الحكومة المعترف بها دولياً والبرلمانيين المعارضين الذين انتقلوا إلى طبرق في الشرق.

ومذاك الحين، ثقل وزن القوى الأجنبية ذات المصالح في النفط الليبي والتوجُّهات الاستراتيجية في هذا البلد، إذ بدأت مصر والإمارات وروسيا في دعم الميليشيات التي يقودها اللواء المنشق خليفة حفتر والذي يدَّعي أنه يحارب الإرهاب، وقام بشن هجوم على العاصمة طرابلس قبل التوقيع على اتفاق برعاية الأمم المتحدة لإقامة انتخابات جديدة في البلاد، وهو ما أدى لإفشال التسوية السياسية، وتدخلت تركيا لدعم حكومة الوفاق الشرعية.

استُغِلَّت الفوضى السائدة في الكثير من المناطق الُمتنازَع عليها من قِبَلِ أطرافٍ عديدة ومُسلَّحين ومُهرِّبين. وما يصيب إيطاليا والاتحاد الأوروبي بالذعر، هو أن البلاد قد أصبحت نقطة انطلاقٍ على ساحل البحر المتوسط للهجرة إلى الشمال، بينما تشهد جهود السلام المدعومة من الأمم المتحدة حالةً من الجمود.

اليمن .. بدأت الحرب في مارس 2015

وقد ساعَدَت الحرب في اليمن، البلد المحروم بشدة بالفعل من قبل الحرب، في خلق ما وصفته الأمم المتحدة بأسوأ كارثة إنسانية في العالم. أدى القتال إلى تفاقم مخاطر الفقر المدقع، وسوء التغذية، وتفشي الكوليرا، والتغيُّر المناخي، والتطرُّف الديني، والآن تفشي كوفيد-19.

إلى أين تسير اليمن في مواجهة كورونا؟

انتهى وقف إطلاق النار، الذي جاء على خلفية الجائحة، الشهر الماضي، رغم جهود الأمم المتحدة لدفع عملية السلام. والآن يبدو أن الحرب ستتصاعد مُجدَّداً، بالنظر إلى الهجمات الصاروخية الجديدة الأسبوع الماضي. فرَّ أكثر من 40 ألف شخص من ديارهم منذ يناير/كانون الثاني، ليُضافوا إلى النازحين الذين يبلغ عددهم 3.6 مليون شخص. وتقول منظمة اليونيسيف إن 12 مليون طفل يحتاجون إلى إغاثةٍ إنسانية.

ويُعزَى هذا الانسداد في الطريق إلى أن الأطراف الرئيسية -الحكومة اليمنية بقيادة الرئيس عبده ربه منصور هادي، وحركة المُتمرِّدين الحوثيين، التي تمثِّل الأقلية الشيعية اليزيدية في اليمن- المدعومين من خصمين إقليميَّين، هما المملكة السعودية وإيران على التوالي. تدخَّلَ الجيش السعودي، في 2015 بعد أن أُجبِرَ هادي على الفرار، مدعوماً بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا. لكن بينما تصاعَدَ وقوع الضحايا المدنيين وجرائم الحرب المزعومة بصورةٍ صاروخية، يبدو أن أياً من ذلك لم يؤدّ إلى تراجع التمرُّد الحوثي. وفي هذه الأثناء، يستغل إرهابيو تنظيم القاعدة الفوضى، ويحقِّق الانفصاليون الجنوبيون المُتمركِزون في عدن مكاسب على الأرض.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي