سيغموند فرويد الذي لا نعرفه.. مسلسل نتفليكس يكشف خبايا حياته

2020-06-01

آدم منير

رغم أن أغلبية أعمال نتفليكس الأصلية أميركية، فإن المنصة الأشهر لا تخلو من أعمال من دول أخرى، بعضها يحقق نجاحات كبيرة بالفعل، مثل مسلسل "بيت من ورق" (La Casa de Papel)، و"الصفوة" (Elite) من إسبانيا، وجاء المسلسل الألماني "فرويد" (Freud)، الذي يعرض حاليا على المنصة؛ لينافس على الفوز بالمشاهدات.

 فرويد الذي لا نعرفه

يعرف كثيرون العالم الكبير سيغموند فرويد بوصفه واحدا من مؤسسي علم الطب النفسي، ولكنهم لا يعرفون الكثير عن تفاصيل حياته الأخرى وماضيه، والصور التي وصلتنا عنه يبدو فيها شخصا شديد الثقة بالنفس وأنيقا، وربما يعلم بعض المهتمين علاقته بتلميذه كارل يونغ وخلافهما اللاحق، لكن ما يخص بدايات فرويد ليس معروفا بالدرجة نفسها، واختار صناع المسلسل أن تكون هذه البدايات مدخلهم للأحداث.

تدور أحداث المسلسل في الثمانينيات من القرن 19، حين كان فرويد لا يزال شابا، ويحاول إثبات قيمة أسلوب التنويم المغناطيسي في علاج مرضى الهيستيريا، ولا يجد مقاومة كبيرة من أساتذته وزملائه على حد سواء، إلا الدكتور جوزيف بروير، ونتيجة لذلك فهو لا يجد الفرصة الكافية لتجربة أساليبه الطبية، إلى أن يصطدم بالشابة فلور سالومي، التي تطالبه بمعالجتها على طريقته، نظرا لأنها تشعر بنوبات تسافر فيها إلى ماض لا تذكره.

عندما نقول إن صناع المسلسل يقدمون لنا "فرويد" الذي لا نعرفه فإننا لا نعني بهذا أنهم ركزوا فقط على مرحلة شبابه، بل إنهم اختاروا واحدة من تفاصيل حياة فرويد، وبنوا عليها تفاصيل أخرى تجعلنا في النهاية نشاهد مسلسلًا ينتمي إلى نوع التشويق أكثر من كوننا نتعرف على حياة فرويد.

 تأخذ الحلقات أسماء لنظريات مختلفة كتب عنها فرويد، لكننا لا ندخل في أية تفاصيل علمية أو أبحاث طريفة حول طبيعة هذه النظريات، في المقابل يأخذ الخط التشويقي الجانب الأبرز في المسلسل؛ إذ تحدث جرائم قتل متتالية يتورط فيها أشخاص بارزون في مجتمع فيينا، التي تدور فيها الأحداث، ولا يبدو أن هناك رابطا بينها، وبمرور الأحداث نكتشف تدريجيًّا القوى التي كانت السبب وراء هذه الجرائم.

 التشويق أولا

منذ الحلقة الأولى، نشاهد أجواء مظلمة مناسبة لحالة التشويق والجريمة التي يقدمها سيناريو العمل، ومع كل حلقة تنكشف خيوط جديدة تتشعب لنجد تورط رجال الشرطة والسياسة في القضية التي نتابعها.

ومع الحلقة الثانية تقريبا نكتشف أن وجود اسم فرويد تحديدا كبطل للمسلسل فيه بعض الخداع؛ إذ تبدو أجواء الجريمة المظلمة أكثر سطوة من كشف التفاصيل التي تخص شخصية فرويد نفسه، فنشعر بأننا أمام "شارلوك هولمز" مع بعض التعديلات الطفيفة، وليس أمام طبيب نفسي في بداياته.

 فرغم أننا نشاهد محاولات فرويد لاستخدام التنويم المغناطيسي لاكتشاف التفاصيل الخفية لدى شخصية فلور، فإننا في الوقت نفسه نجد مشاهداتها للماضي والاستحواذ الواقع عليها من قبل الآخرين أقرب لما وراء الطبيعة منه للطب النفسي. بل في خضم الأحداث ينسى صناع العمل إخبارنا بكيفية إجادة فرويد فجأة استخدام التنويم المغناطيسي باللمس بديل البندول؛ إذ نجده يكتشف هذه الموهبة في نفسه فجأة، ويتقنها من دون مقدمات أو بحث مقنع، كأنه ولد بهذه الموهبة.

 إذا وضعنا في الحسبان أن التنويم المغناطيسي المستخدم في السينما والتلفزيون يصور عادة بشكل ساذج بعيد عن الحقيقة، فإن عملًا يحمل اسم "فرويد" كان عليه بذل المزيد من الجهد في توضيح الجوانب العلمية للطرق المستخدمة داخله.

 لكن إذا تناسينا أننا من المفترض أمام فرويد الطبيب النفسي الأشهر، وتعاملنا على أساس أننا أمام مسلسل تشويق، فسنجد ما يمكن أن نستمتع به بالفعل؛ إذ يبذل المخرج مارفن كرين جهدا ملموسا في تأصيل حالة الغموض، فأغلب المشاهد الخارجية ليلية، في حين تبقي المشاهد الداخلية ومشاهد الحفلات حالة من التوتر نتيجة الحوار والشخصيات التي تنذر بقدوم خطر جديد طوال الوقت، ومع وجود ماض من الصراعات والخلافات بين عدة شخصيات تتسع دائرة المشاهدة، فنحن لا نركز فقط على فرويد وفلور، بل على عدة شخصيات أخرى، ولكل منها صراعه الخاص.

 لكن هذه الصراعات كانت سلاحا ذا حدين؛ إذ يستهلك بعضها وقتا طويلا من الأحداث، مما يبعدنا قليلا عن الخط الرئيسي، لكن الأداء التمثيلي المميز لأغلب الممثلين جعل الأمر مقبولا.

 عامل آخر يمكن اعتباره من مكتسبات هذا المسلسل، وهو مدينة فيينا القديمة مسرح الأحداث، إذ اعتدنا على مشاهدة بريطانيا القديمة في مثل هذا الزمن في العديد من الأفلام، لكن مدينة فيينا لم تظهر بهذه الكثافة، مما جعل مشاهدة تفاصيلها ممتعة، من القصور والبيوت والشوارع، وحتى الملابس.

ربما لا يبدو "فرويد" من الأعمال القوية بشكل خاص، لكن ما قدمه في موسمه الأول يكفي لظهور موسم ثان، ورغم أنه لن يحقق بالتأكيد نجاحًا استثنائيًّا مثلما فعل المسلسل الإسباني "بيت من ورق"، فإننا قد ننتظر المزيد لنشاهد انطلاقة أقوى للمسلسلات الألمانية على نتفليكس.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي