شبهة الولاء للخارج تلاحق السياسيين.. لماذا لا يشرع قانون مزدوجي الجنسية بالعراق؟

2020-05-31

البرلمان العراقي

صلاح حسن بابان-أربيل:

مرة أخرى يعود الجدل الى الشارع العراقي حول تسنّم مزدوجي الجنسية مناصب سيادية وأمنية حساسة ورفيعة في الدولة، وسط اتهامات وجّهت إلى مجلس النواب لتقاعسه في تشريع أو إقرار قانون لسحب الجنسيات المكتسبة.

وشهدت الدورات السابقة للبرلمان -وتحديداً عام 2009- خطوات جادة لتشريع قانون يمنع تسنّم مزدوجي الجنسية مناصب عليا بالدولة، إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل لتضارب المصالح السياسية المشتركة بين الكتل والأحزاب الحاكمة.

وأجاز الدستور تعدد الجنسية للمواطنين لكنه نصّ في المادة 18 على وجوب التخلي عن الجنسية الثانية لكل من يتولى منصبًا سيادياً أو أمنياً أو رفيعاً، بما في ذلك رؤساء مجلس النواب ونوابهم وأعضاء البرلمان، ورئيس الجمهورية ونوابه ومستشاروه، ورؤساء مجلس الوزراء ونوابهم والوزراء ومن هم بدرجة وزير، ومحافظ البنك المركزي، والقضاة والضباط بالمؤسسة الأمنية.

ومن مزدوجي الجنسية البارزين الذين تربّعوا على مناصب عليا حساسة خلال الفترات المتفاوتة عادل عبد المهدي الذي يمتلك الجنسية الفرنسية، ورئيس مجلس الوزراء السابق حيدر العبادي، ورئيس الجمهورية الحالي برهم صالح، وسابقه فؤاد معصوم، والقيادي السابق بالتيار الصدري بهاء الأعرجي، ووزير الخارجية السابق إبراهيم الجعفري، والقيادي السني صالح المطلك الذين يحملون الجنسية البريطانية، فضلا عن مسؤولين آخرين.

 النائب حمزة اقترح تنازل رئيسي الجمهورية والوزراء فقط عن الجنسية الثانية 

جدل مستمر

وكان الجعفري قد ذكر في حديث له عن وجود أكثر من 32 سفيرًا من أصل 66 يحملون جنسية مزدوجة، وهو ما أثار الجدل حينها عن هذا العدد الكبير في السفراء مزدوجي الجنسية.

ومكّنت الجنسية الثانية -خلال فترات متفاوتة- الهروب إلى الخارج للعديد من المسؤولين لاسيما من ثبتت عليهم مؤشرات فساد، وكانت بمثابة حصانة متينة لهم من الملاحقات القضائية والقانونية. كما حصل مع محافظ البصرة السابق ماجد النصراوي الذي يمتلك الجنسية الأسترالية، بعد هروبه العام الماضي، عند صدور أوامر قضائية بمنعه من السفر والتحقيق معه بشأن ملفات فساد متورط فيها مع نجله.

وسبق النصراوي وزراء سابقون، منهم وزراء التجارة والدفاع والكهرباء السابقون عبد الفلاح السوداني وحازم الشعلان وأيهم السامرائي، وغيرهم، ولم تتمكن السلطات من ملاحقتهم قضائيًا باعتبارهم مواطنين في دولة أخرى.

وتشير معلومات مؤكدة إلى أن 14 رئيس كتلة بالدورة البرلمانية الحالية ووزراء في حكومة عبد المهدي -التي أعلنت استقالتها تحت وطأة المظاهرات الاحتجاجية التي اجتاحت البلاد مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي- يحملون جنسية مكتسبة.

ودفع تخوف الكتل السياسية من استبعاد شخصيات تتصدر المشهد من عدم المشاركة في إدارة المناصب سيما السيادية منها إلى عدم الجدية في إقرار هذا القانون، واستمرارها في طمر هذه القضية كلما تمت إثارتها مخافة إبعاد تلك الشخصيات التي تسوف وتماطل في إسقاط جنسيتها الثانية.

انعكاسات القانون

وعن أبرز انعكاسات هذا القانون في حال تم إقراره على المشهد العراقي ومدى مساهمته في تغييره نحو الأفضل أو العكس، يرى المحلل السياسي علي البيدر أن قضية الجنسية المزدوجة ليس لها أهمية في عملية الإصلاح المنشودة كون الموضوع يتعلق بالولاء المطلق للعراق أو لغيره.

وهناك الكثير من الشخصيات السياسية -حسب البيدر- تدين بالولاء لدول إقليمية، وهي لا تمتلك جنسيتها لكن عقيدتها المذهبية تجبرها على ذلك سواء من قبل الساسة الشيعة أو السنة. كما أنّ هناك شخصيّات أجبرتها الظروف على امتلاك جنسية أخرى غير العراقية، إلا أن ولاءها كان خالصاً للعراق، فالولاء هو الفارق في القضية وليس الجنسية.

ووجهت أصابع الاتهام الى العديد من المسؤولين في الدولة بتجنيدهم أو تنفيذهم أجندات دول أخرى عاشوا فيها أو تربطهم علاقة وطيدة بها، وهذا أكثر ما يخيف الشارع العراقي ويعد من أحد أبرز الأسباب التي أدت لانهيار البلاد على أكثر من مستوى سيما الحضاري منها، على حد قول البيدر.

وأشار إلى أن معظم الطبقة السياسية كانت مع المعارضة وجاءت إلى البلاد عبر الدبابة الأميركية أو بمساعدتها وهي أقرب للتعامل مخابراتيا مع جهات عدة وفرت لها الرعاية خلال أقسى فترات حياتها، وربما عملت على رد الجميل إليها من خلال تنفيذ مشاريعها داخل البلاد.

 حرب يرى أن عدم تشريع القانون يصب في مصلحة المتحكمين بالعملية السياسية 

مصالح خاصة

بدوره يرى الخبير القانوني طارق حرب أن عدم تشريع القانون يصب في مصلحة المتحكمين بالعملية السياسية أو من الذين تتضرر مصالحهم الخاصة، مشيرا إلى أن 25% منهم يحملون الجنسية الأجنبية، وهذا ما يجعل البرلمان عاجزاً عن تشريع أو تنظيم هذا القانون رغم مرور أكثر من 15 سنة على صدوره، وهي نفس المشكلة التي تواجه المادة 26 لسنة 2006 والخاصة بتنظيم أحكام الجنسية.

وأصبحت هذه الظاهرة حصانة متينة لمن أسماهم "الفاسدين" وتغطي على ملفات الفساد التي ثبتت عليهم، وساهمت في حمايتهم من الإجراءات القانونية على الصعيد الداخلي والخارجي ومكنّتهم من الفرار.

ويتناول الإعلام المحلي هذه القضية بين الحين والآخر وتصبح محل جدل، والموضوع بحد ذاته مخالف للمبادئ السياسية العامة، وهذا ما يمنع البرلمان من إقراره، كما يقول عضو اللجنة القانونية النيابية سليم حمزة، مقترحاً منح الحق لرئيسي الجمهورية والوزراء فقط التنازل عن الجنسية الثانية، مستبعداً الطريقة الحالية التي يرى أنها غير قابلة للتنفيذ.

  الصحفي حمدان أكد أن نواب البرلمان يشرّعون ما ينفعهم وما يحافظ على أحزابهم 

فرار الفاسدين

ويؤكد حمزة ما ذهب إليه الخبير القانوني من أن عدم إقرار القانون يسمح بعودة المتهمين بملفات فساد إلى البلدان التي يحلمون جنسيتها، ويأتي ذلك في وقتٍ تعجز الحكومة العراقية عن محاسبتهم بسبب المشاكل التي تعاني منها.

وفيما إذا كان إقرار هذا القانون سيحدث خللاً بالتوازن السياسي، استبعد الصحفي نوري حمدان هذا الأمر، مؤكداً أن الخلل سيحصل داخل الأحزاب واختيارهم للأشخاص، ولذلك لن يشرع مجلس النواب مثل هذا القانون على الأقل الفترة الحالية، مضيفاً في حديثه للجزيرة نت أن التجارب أثبتت أنهم "يشرّعون ما ينفعهم وما يحافظ على أحزابهم، والمحاصصة التي يتقاسمون على أساسها خيرات البلاد".

وانتقد الصحفي منح الجواز الدبلوماسي للذين لا يحملون الجنسية الأجنبية لفئة البرلمانيين والدرجات الخاصة وعوائلهم، معتبرا أن ذلك يساعدهم على الحصول على الجنسية الثانية من الدولة التي يرغبون بها.

ويختم حمدان حديثه بالتساؤل "مع كل ذلك، كيف نتوقع أن يتنازل هؤلاء عن الجنسية الثانية؟".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي