خطوة تهدد بانقسامات في "الناتو".. ما هي اتفاقية “السماوات المفتوحة” التي أعلنت أمريكا الانسحاب منها؟

2020-05-22

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستنسحب من اتفاقية السماوات المفتوحة، التي تضم 35 بلداً، وتسمح بعمليات استطلاع جوية بطائرات غير مسلحة في أجواء الدول المشاركة فيها، وذلك في أحدث تحرك لإدارة الرئيس دونالد ترامب لإخراج بلاده من اتفاقية دولية كبيرة، متهمة روسيا بأنها انتهكت بنود الاتفاقية مراراً، حيث أوضح مسؤولون أمريكيون كبار أن الانسحاب سيتم رسمياً في غضون 6 أشهر، على أمل "أن تمتثل روسيا للاتفاقية". فما هي هذه الاتفاقية، ولماذا قررت واشنطن الانسحاب منها، وماذا سيترتب على هذه الخطوة التي وصفها البعض بـ"الخطيرة"؟

ما هي اتفاقية السماوات المفتوحة؟

معاهدة "السماوات المفتوحة" أو "الأجواء المفتوحة"، هي اتفاقية تم إقرارها في عام 1992 من قبل 27 دولة، في العاصمة الفنلندية هلسنكي، وبدأ العمل بها في أول يناير/كانون الثاني 2002، وتضم حالياً 35 دولة.

تعود جذور المعاهدة إلى حقبة الحرب الباردة المبكرة، قبل عصر الأقمار الصناعية، عندما أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية طائرات في مهمات عالية الارتفاع للتجسس على الاتحاد السوفييتي. وحينها، اقترح الرئيس الأمريكي أيزنهاور لأول مرة في عام 1955 أن تسمح كلتا القوتين النوويتين لبعضهما البعض بالقيام برحلات استطلاع روتينية فوق أراضيهما، من أجل الشفافية وتخفيف التوترات. لكن السوفييت رفضوا الفكرة، واستمرت رحلات التجسس الأمريكية فوق روسيا حتى أسقط السوفييت طائرة U-2 الأمريكية في عام 1960.

تسمح اتفاقية السماوات المفتوحة، بشكل لا ينتهك السيادة، ويحقق منافع متبادلة لكافة الأطراف، بوجود طائرات مراقبة غير مسلحة للاستكشاف في أجواء الدول المشتركة، وتهدف إلى تعزيز التفاهم المتبادل والثقة عن طريق إعطاء جميع المشتركين بها  دور مباشر في جمع المعلومات عن القوات العسكرية والأنشطة التي تهمها، بغض النظر عن حجم الدولة المشاركة.

على ماذا تنص الاتفاقية الدولية؟

تنص المعاهدة على إتاحة المجال للدول الأعضاء باستخدام طائرات استطلاع مزودة بأجهزة رؤية تمكنها من رصد جميع أنواع الأسلحة المتواجدة على الأرض في الدول الأخرى أثناء تنفيذ مهمتها.

حيث إن الدولة التي تستضيف طائرات الدولة الأخرى تحصل على نسخة كاملة من المعلومات التي يتم جمعها خلال مهمتها الاستطلاعية، ويمكن لأي دولة من الدول الأعضاء الحصول على نسخة من تلك البيانات الاتفاق مع الدولة التي تملكها.

على مستوى القوى العظمى، كان لروسيا زمام المبادرة في التنفيذ الفعلي للاتفاقية، حيث قامت موسكو بأول رحلة طيران استطلاعية في أغسطس/آب عام 2002، بينما كانت أول رحلة استكشافية للطائرات الأمريكية في ديسمبر/كانون الأول من ذات العام.

في عام 2008، احتفلت الدول الأعضاء في الاتفاقية بتنفيذ 500 رحلة طيران في الأجواء المفتوحة، ووصل عدد الرحلات عام 2012 إلى أكثر من 800 رحلة.

وفي عام 2010، تمت مراجعة الاتفاقية مرة ثانية في فيينا وسمحت باستخدام طائرات الاستطلاع لكاميرات رقمية في مهامها، ودعت إلى توسيع الاتفاقية لتضم دولاً جديدة، إذ تعتبر معاهدة الأجواء المفتوحة معاهدة غير محدودة وهي مفتوحة باستمرار لانضمام الدول الأخرى.

لماذا قررت واشنطن الانسحاب منها؟

في أكتوبر/تشرين الأول 2019، ووفقاً لوثائق صادرة عن مجلس النواب الأمريكي، بدأ ترامب يدرس فعلياً انسحاباً أمريكياً من معاهدة الأجواء المفتوحة بسبب مزاعم بانتهاكات روسية لها، في حين عبر حلفاء واشنطن في الناتو وشركاؤها، خاصة أوكرانيا، عن معارضتهم لهذه الفكرة، خوفاً من أنها ستسمح لروسيا بتخفيض إضافي أو حظر التحليق الجوي فوقها، وبالتالي تقليل معرفتهم بالتحركات العسكرية الروسية.

كما كان 4 مشرعين ديمقراطيين بارزين قد حذروا في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 من أن هذه الخطوة ستكون هدية لروسيا وستقوّض الثقة في التزام الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا.

وفي أبريل/نيسان الماضي، أكد كل من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ووزير الدفاع مارك إسبر المضي في الانسحاب الأمريكي من معاهدة الأجواء المفتوحة، بسبب الانتهاكات الروسية المزعومة.

يقول الرئيس الأمريكي، خلال تصريحات صحفية الخميس نقلتها رويترز: "أعتقد أن علاقاتنا جيدة جداً مع روسيا، وقد عملنا معاً على حل مشكلة النفط، لكن روسيا لم تمتثل للاتفاقية، وإلى أن تمتثل سننسحب نحن". وتحدث ترامب عن وجود فرصة لإبرام اتفاق جديد يضم الصين أيضاً. وصرح قائلاً: "هناك فرصة جيدة لإبرام اتفاق جديد أو فعل شيء لإصلاح تلك المعاهدة، قد نتوصل إلى صفقة مع روسيا، وقد تكون الصين طرفاً فيها".

وتقول وسائل إعلام أمريكية إن إدارة ترامب اتخذت هذه الخطوة لتفادي وقوع حرب عن طريق الخطأ مع روسيا، بالسماح لطائرات الاستطلاع بالتحليق في أجواء البلدين.

كيف ردت روسيا على الخطوة الأمريكية؟

من جهتها، قالت روسيا، على لسان نائب وزير خارجيتها ألكسندر غروشكو، إن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية السماوات المفتوحة سيؤثر على مصالح كل المشاركين فيها الذين هم أعضاء في حلف شمال الأطلسي أيضاً.

ويرى غروشكو أن روسيا لم تخرق الاتفاقية، وأنه لا شيء يمنع متابعة المناقشات بشأن القضايا الفنية التي تعتبرها الولايات المتحدة خرقاً من الجانب الروسي، وأكد أن الخطوة الأمريكية ضربة لأمن أوروبا.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، عندما بدأ حديث ترامب أول مرة عن الانسحاب الأمريكي من اتفاقية السماوات المفتوحة، قالت موسكو إنها وضعت "إجراءات انتقامية" في حال انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقية، معتبرة أن ذلك "سيوجه ضربة إلى الأمن العالمي، لكن موسكو أعدت رداً في حالة حدوث ذلك".

ماذا سيترتب على الانسحاب الأمريكي من الاتفاقية؟

إذا مضت الإدارة الأمريكية قدماً في الانسحاب من المعاهدة، فمن غير المرجح أن تسفر عن تحسن في السلوك الروسي تجاه الالتزام بالاتفاقية، إذ قد تستخدم موسكو الانسحاب الأمريكي كعذر للحد من منع بلدان أخرى من الوصول إلى أي تحديثات عسكرية مثل أوكرانيا، إذ قد يترك الانسحاب الأمريكي أوكرانيا في حالة من عدم اليقين بشكل خطير بشأن الحشد العسكري الروسي المقبل.

وقد تستشهد روسيا أيضاً بانتهاكات فنية لاستبعاد العديد من دول الناتو. على عكس معاهدة القوى النووية المتوسطة، إذ إن حلفاء الولايات المتحدة لهم مصلحة مباشرة في معاهدة الأجواء المفتوحة، وقد ينأون بأنفسهم عن موقف الإدارة الأمريكية أو يدينونها بشدة. كما أن تقليص المعلومات الاستخباراتية المتاحة لحلفاء الناتو من خلال التحليقات الجوية من شأنه أن يقوض فاعلية حلف الناتو نفسه، إذ إن الانسحاب الأمريكي من جانب واحد من هذه الاتفاقية يمكن أن يقسم الناتو سياسياً، وهو أمر سيفيد روسيا في النهاية.

ومارست دول حلف شمال الأطلسي ودول أخرى مثل أوكرانيا ضغوطاً على واشنطن لثنيها عن الانسحاب من اتفاقية السماوات المفتوحة، التي تهدف رحلاتها غير المسلحة إلى تعزيز الثقة، وتمنح الدول الأعضاء تحذيراً مسبقاً من أي هجمات عسكرية مفاجئة.

كما علق المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك بأنه قلق بشأن ما وصفه بتآكل النظام الأمريكي الروسي للحد من التسلح. وأضاف أنه لا يستطيع أن يشدد بما يكفي على أن نظام الحد من التسلح هذا قد وفر فوائد أمنية للمجتمع الدولي بأسره من خلال تقييد المنافسة الاستراتيجية في التسلح. وأكد أن إنهاء مثل هذه الاتفاقات من دون أي بديل يمكن أن يؤدي إلى أنشطة مزعزعة للاستقرار.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي