أثر الفراشة.. ما الذي فعلته الرياح بالسحالي؟

2020-05-14

قد لا نعرف إذا كان من الوارد فعلا أن تفضي رفرفة جناحي فراشة في مكان ما إلى ظهور إعصار في مكانٍ آخر بعيد جدا، لكننا نعرف الآن -بعد البحث المنشور مؤخرا بدورية وقائع الأكاديمية القومية للعلوم- أن اجتياح إعصار لمكان ما يمكن أن يفضي إلى ظهور سحال تبطن أقدامها "وسائد" أكبر من المعتاد.

من المنطقي أن السحالي التي تتمتع ببطون أقدام أكثر سمكا وقدرة على التشبث قد تحظى -في الجزر التي تتعرض لضرب الأعاصير باستمرار- بفرص نجاة أفضل.

فالسحالي التي تثبت أقدامها وتتمسك بمواضعها في وجه الإعصار هي التي ستحيا لترى يوما آخر وتقابل سحالي أخرى ناجية وتتزاوج لتُخرج إلى هذا العالم العاصف أجيالا من السحالي بأقدام لا تنزلق بسهولة في مهب الريح.

رفرفة في البرازيل

قبل عامين تقريبا قام كولين دونيهو -الباحث في الأحياء بجامعة واشنطن في سانت لويس- بدراسة سحالي الأنول الكاريبية بتعريضها لتيارات هوائية متدرجة الشدة، ولاحظ قدرتها على التمسك بمواضع أقدامها، في محاكاة لما قد تتعرض له تلك الزواحف الصغيرة حين تداهمها الرياح في مواطنها بين أغصان أشجار جزر الكاريبي.

أنتجت الدراسة العديد من مقاطع الفيديو للسحالي وهي تتشبث في أماكنها، رغم اشتداد سرعة الهواء وإفلات قبضة أو أكثر، بخفة أكروباتية جديرة بالإعجاب، وجديرة أيضا بجذب المزيد من الجهود البحثية للكشف عن أسرار تلك القدرات المدهشة.

وهو ما قاد إلى تكوين فريق بحثي بقيادة دونيهو، حاول رصد تقنيات التكيف في المئات من أنواع السحالي الأخرى المشابهة في منطقة أميركا الوسطى وما حولها.

وقالت أبحاث هذا الفريق -المنشورة في الدراسة الحديثة المذكورة- إن السحالي ذات بطون الأقدام الأكثر سمكا تتمتع بانتشار أكبر في المناطق التي ضربتها الأعاصير باستمرار طوال السبعين عاما الأخيرة.

وهو ما يخبرنا بأن تلك الكوارث الطبيعية لا تؤثر فقط على حياة البشر، بل قد تتسبب أيضا في تغيرات أبدية تلحق بمئات من أنواع الحياة الأخرى.

يستدعي ذلك إلى الأذهان مصطلح "أثر الفراشة" الذي ظهر لأول مرة على لسان عالم الرياضيات الأميركي إدوارد نورتون لورينز، في ورقة بحثية نشرها عام 1972 بعنوان "التوقعية.. هل يمكن أن تثير رفرفة جناحي فراشة في البرازيل إعصارا في تكساس؟"

وهو البحث الذي أثار بدوره إعصارا لم يتوقف عند الرياضيات والأرصاد الجوية، بل واصل زحفه نحو المزيد من العلوم حتى تأثرت أغلبها بما صار يعرف "بنظرية الفوضى".

إعصار في تكساس

من أجل إعداد دراستهم، جمع فريق البحث من مقتنيات متاحف التاريخ الطبيعي العديد من الصور لأعداد كبيرة من عينات سحالي الأنول من أنواع مختلفة، بلغت 188 نوعا.

قبل أن يجروا مقارنات تاريخية بين السحالي من النوع نفسه، لكن من عقود مختلفة امتدت إلى سبعين عاما مضت، ثم المزيد من المقارنات مع تاريخ الأعاصير في هذه المنطقة خلال تلك العقود السبعة، وهو ما أظهر -في جميع الأنواع الخاضعة للدراسة- أن السحالي التي جاءت من مناطق اجتاحتها العديد من الأعاصير تميزت بامتلاك بطون أقدام أكثر سمكا.

وقال دونيهو "أتوقع أن القصة لا تنتهي عند السحالي، وأن هناك المزيد من الدراسات المشابهة ستتناول في المستقبل طيور وحلزونات وحتى أشجار الكاريبي، وأن الحظ -ولسوء الحظ أيضا- قد يحالفنا ويمنحنا العديد من الأعاصير في الأعوام المقبلة، والعديد من الفرص الممتازة لمواصلة تلك الدراسات".

وستكشف دراسات الفوضى في المستقبل عن الكثير، وسيفتح العلم أعيننا على الكثير، حتى يتسرب إلى أنفسنا الشك في كلمات الشاعر محمود درويش إذ يقول: "أثر الفراشة لا يُرى". لكننا عندما نرى أثر الفراشة لن نزداد مع مرور الزمن إلا يقينا بالشطر الآخر: "أثر الفراشة لا يزول".








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي