طريقان لا ثالث لهما.. هكذا يواجه البشر انتشار الأوبئة!

2020-05-14

صورة لإحدى الفرق الطبية المجندة لمواجهة الأنفلونزا الإسبانية بالولايات المتحدة الأميركية

طه عبد الناصر رمضان

على مر تاريخها، اضطرت البشرية لمواجهة العديد من الأوبئة الفتاكة التي أسفرت عن سقوط أعداد هائلة من الموتى. فبداية من الطاعون الأنطوني وطاعون جستنيان والطاعون الأسود والأنفلونزا الإسبانية مرورا بالجدري والحصبة السل، دوّن التاريخ قصصا مرعبة عن معاناة المرضى وارتفاع الوفيات وانتشار الجثث بالشوارع قبيل نهاية المعاناة. وعلى حسب أغلب المؤرخين، عرفت الأوبئة تراجعها بطريقتين فإما طبيا مع انخفاض الإصابات ونسبة الوفيات أو اجتماعيا مع زوال الخوف من المرض ورغبة الجميع في العودة لحياتهم الطبيعية وقبولهم بالتعايش معه.

وعن ما يعرف بالخوف من المرض، نقلت الطبيبة سوزان موراي (Susan Murray) بالمعهد الملكي للجراحين بدبلن عن ظهور موجة خوف من مرض إيبولا عام 2014 بأيرلندا على الرغم من عدم تسجيل أية حالة بالبلاد حيث أثارت التقارير التي تحدثت عن وفاة 11 ألفا بغربي إفريقيا الذعر في نفوس الجميع.

وخلال إحدى المرات، حلّ رجل قادم من إحدى الدول الإفريقية، التي سجلت حالات إصابة بالإيبولا، بالمستشفى لتلقي العلاج فأثار ذعر الطاقم الطبي الذي رفض بدوره الاقتراب منه وقد تقدمت الطبيبة سوزان موراي لعلاجه لتتبين إصابته في النهاية بمرض السرطان وخلوّه من الفيروس المسبب للإيبولا.

وعن هذه الحادثة، حذّرت سوزان موراي من خطر موجات الخوف وصنّفتها كنظير لموجات الوباء محذّرة من تهديدها لحياة الذين يعانون من ظروف صحية هشّة.

وعن الطاعون، سجّل هذا المرض ظهوره مرات عديدة طيلة الألفي سنة الماضية حاصدا في طريقه أرقاما مفزعة من الأرواح بسبب بكتيريا يرسينيا الطاعونية التي نقلتها البراغيث التي تواجدت أساسا على الفئران. فخلال القرن السادس، حل طاعون جستنيان بالقسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية وكاد أن يفرغها من سكانها وقد تجاوز عدد وفيات هذا الوباء بكل من آسيا وشمال إفريقيا وأوروبا 25 مليون نسمة.

 لوحة تجسد عملية التطعيم التي قادها الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر

وعلى حسب أغلب المؤرخين، ما تزال ظروف نهاية طاعون جستنيان غامضة حيث اتجه الناس حينها لتفادي الاحتكاك مع المصابين كما تحدّث المؤرخ والأستاذ بجامعة دي بول توماس موكايتيس (Thomas Mockaitis) عن اكتساب الذين نجوا لمناعة ضد المرض.

وأما الطاعون الأسود الذي أرعب الأجيال التالية فقد ظهر بالصين عام 1331 لينتقل منها نحو بقية الدول بفضل الطرق التجارية وتحركات الجيوش ليقتل ما بين عامي 1347 و1351 ما يقارب ثلث سكان أوروبا. وعلى الرغم من ظهور وسائل كعزل المصابين والحجر الصحي، حاول سكان عدد من المدن التأقلم مع الوباء. فبفلورنسا، حدّث الكاتب جيوفاني بوكاتشيو (Giovanni Boccaccio) عن تكيّف الأهالي مع المرض حيث كانت مشاهد الموت عادية للجميع وعوملت الجثث البشرية كجثث حيوانية واستخدمت طرق كالحفر الجماعية والحرق للتخلص منها فضلا عن ذلك رفض كثيرون المرض وتهديده فلجؤوا لعيش حياة عادية وأقاموا الحفلات وصنّفوا الطاعون كأضحوكة.

 صورة لعدد من رجال الشرطة الأميركية في خضم فترة الوباء

وطيلة العقود التالية، عاود هذا المرض ظهوره مرات عديدة حاصدا في طريقه المزيد من الأرواح وقد كان أسوأها بالقرن التاسع عشر حيث ظهر المرض عام 1855 بالصين وانتقل منها نحو الهند متسببا في وفاة 12 مليون نسمة. ولمجابهته، عمدت مدن كبومباي لإحراق أحياء بأكملها.

من جهة ثانية، ظهرت خلال الفترة المعاصرة العديد من الدراسات التي حاولت تفسير سبب تراجع حدة موجات الطاعون. فاتجه البعض للحديث عن تراجع قدرة وشدة البكتيريا بمرور الوقت بينما أكد البعض الآخر على الدور الهام الذي لعبه الطقس البارد في القضاء على البراغيث. وعلى الرغم من تواصل حالة الخوف التي يثيرها الطاعون ليومنا الحاضر، أصبح علاج المصابين به ممكنا بفضل المضادات الحيوية.

إلى ذلك سجلت أمراض أخرى بصمتها في تاريخ البشرية. فعلى مدار 3 آلاف عام، عانى الناس من مرض الجدري الذي خلّف العديد من الضحايا حيث قتل الأخير 3 من كل 10 أصيبوا به كما تحدّثت مصادر عن وفاة 90 بالمائة من السكان الأصليين للقارة الأميركية بسببه لعدم امتلاكهم لأية مناعة ضده.

وللقضاء على هذا المرض، انتظر العالم جهود علماء من أمثال إدوارد جينر. وقد سجّل العالم آخر إصابة طبيعية بالجدري عام 1980 لدى الصومالي على ماو مالين الذي توفي عام 2013 بسبب الملاريا.

رسم تخيلي لجانب من جثث ضحايا طاعون لندن

وعن الأنفلونزا الإسبانية بالقرن الماضي، فقد حصدت الأخيرة أرواح نحو 50 مليون شخص من جميع الأعمار وامتدت لتبلغ الثكنات العسكرية وجبهات القتال بالحرب العالمية الأولى. وعقب انتشاره بكامل أرجاء العالم، خفتت حدة هذا المرض الذي أصبح أشبه بأنفلونزا موسمية. كما عرفت أنفلونزا هونغ كونغ لعام 1968 مصيرا مشابها بعد أن قتلت مليون شخص حول العالم كان من ضمنهم 100 ألف أميركي.

وأمام فيروس كورونا وما يحدثه من خراب باقتصادات العالم، يؤمن العديد من المؤرخون المعاصرين بإمكانية نهاية هذه الجائحة بشكل اجتماعي بدلا من الطبي حيث سيعلن البشر نهاية كورونا المستجد، على الرغم من تواصل تفشيه بالعالم، قبل اكتشاف دواء أو لقاح مفضلين بذلك التأقلم معه والعودة لحياتهم العادية واستعادة الحركة الاقتصادية وتعويض الخسائر.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي