نظرة أكثر قرباً إلى ووهان قبل ميلاد كورونا.. من هنا بدأ الوباء

2020-04-12

مع استمرار المعركة غير المتكافئة بين البشر والفيروس القاتل الذي أودى بحياة نحو 110 آلاف شخص وأصاب نحو 1.8 مليون حول العالم، تزداد أهمية البحث عن الأسابيع الأولى لميلاد كورونا في مدينة ووهان الصينية؛ لكشف مزيد من المعلومات تحت شعار “اعرف عدوك”.

صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: “ميلاد جائحة: نظرة إلى الأسابيع الأولى من تفشي فيروس كورونا المستجد في ووهان”، ألقى الضوء على بعض قصص من أصيبوا بالفيروس في النصف الأول من ديسمبر/كانون الأول وحتى نهاية يناير/كانون الثاني.

مقابلات تكشف البدايات

تكشف المقابلات التي أُجرِيت مع المرضى والعاملين في القطاع الطبي والسكان عن تأخيرات خلال الأسابيع الأولى لظهور الفيروس، لم تطل تبعاتها مدينة ووهان فحسب؛ بل القيادة الصينية والعالم بأكمله، والبداية من سوق هونان للمأكولات البحرية في وسط مدينة ووهان، وهو من الأماكن التي يعتاد الناس فيها الإصابة بالبرد.

وتمتد هذه السوق النائية لأكثر من 20 شارعاً على جانبي الطريق الرئيسي في أحد الأحياء الراقية بمدينة هانكو التجارية، وتجد رفوف اللحم معلَّقة على خُطافات أو منشورة على حصائر بلاستيكية، ويتحرك العمال حول السوق مرتدين أحذية ولينغتون المطاطية عالية الرقبة، وتصطف البالوعات على الأرصفة بمحاذاة المتاجر التي تبيع كل شيء بدايةً من الدواجن الحية إلى المأكولات البحرية ووصفات الطهي، وكانت السوق مكتظة، لكن نظيفة.

كانوا يظنون أنه إنفلونزا

لذا بحلول منتصف ديسمبر/كانون الأول، حين أصاب التعب “لان”، الذي يبيع مأكولات بحرية مجففة في واحدٍ من أكثر من 1000 كشك في هوانان، لم يعطِ للأمر أهمية كبيرة، ومكث في المنزل من أجل الراحة، لكن بعد فقدان 3 كيلوغرامات من وزنه خلال أيام قليلة، قرر الذهاب إلى مستشفاه المعتاد للخضوع للفحص الطبي.

ومن هناك أُرسِل “لان” إلى مستشفى مختص في الأمراض المعدية، حيث أُودِع بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول. ويتذكر “لان”، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه بالكامل، كيف أشاد الطاقم الطبي في ذلك المستشفى بموقفه الإيجابي، وقال: “كنت مريضاً بعض الشيء، ولم ينتابني أي خوف”.

لم يكن بإمكان “لان” أن يعرف آنذاك أنه كان من بين الحالات الأولى المصابة بفيروس تاجي جديد شديد العدوى سيقتل أكثر من 2500 شخص في مدينته، ثم يجتاح العالم ويصيب أكثر من 1.7 مليون شخص ويقتل أكثر من 109 آلاف مصاب حتى الآن، وأضاف “لان”: “اعتقدت أنني مصاب بالبرد. لم يكن لدي أية فكرة عن حقيقة ما يحدث”.

التأخر في الإعلان عن طبيعة الفيروس

وفي شهر ديسمبر/كانون الأول 2019، بدأت حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد تنتشر سريعاً في ووهان، لكن السلطات الصينية لم تُبلِّغ العامة بأنَّ الفيروس يمكنه الانتقال بين البشر، حتى أواخر يناير/كانون الثاني.

وبينما تحتفل الصين الآن بما تدَّعي أنه انتصار على المرض، تتزايد عدد الإصابات والوفيات الناجمة عن الفيروس في جميع أنحاء العالم، واتهم مسؤولون من أستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة بكين بحجب المعلومات، وهو ما سمح بتحول الفيروس المتفشي محلياً إلى جائحة عالمية.

لكن من جانبها، تزعم بكين أنَّ عمليات الإغلاق الصارمة أتاحت للعالم بعض الوقت الذي اختارت السلطات الصحية في بعض البلدان إضاعته. لكن المقابلات مع أوائل المرضى والعاملين الطبيين والسكان، بالإضافة إلى الوثائق الداخلية المسربة، والإفادات من مسربي معلومات، والدراسات البحثية، تظهر جميعاً حدوث تأخيرات في الأسابيع القليلة الأولى من ظهور الجائحة، وعثرات حكومية أفضت إلى عواقب بعيدة المدى.

انتقال العدوى بين البشر

بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول، وقبل أن يتعافى “لان” بعد قضاء أكثر من 20 يوماً بالمستشفى، انتشرت أحاديث في ووهان حول ظهور مرض غامض، ووزَّع مستخدمو الإنترنت لقطات شاشة لمحادثة على تطبيق WeChat في 30 ديسمبر/كانون الأول، حذَّر فيها ليو وين، الطبيب في مستشفى ووهان للصليب الأحمر، زملاءه من ظهور حالات إصابة مؤكدة بفيروس كورونا مُعدٍ في مستشفى آخر.

وفي اليوم نفسه، أبلغ طبيب عيون بمستشفى ووهان المركزي يُدعى لي وينليانغ، عبر محادثة جماعية على تطبيق WeChat تضم زملاء دراسة سابقين في كلية الطب، أنَّ 7 أشخاص في مستشفاه أصيبوا بما يعتقد أنه سارس.

إلى جانب ذلك، تعرَّض للتسريب “إشعار عاجل” من لجنة الصحة في ووهان، يحذر من “حالات إصابة متتالية بالتهاب رئوي غير معروف”، ونُشِر على الإنترنت في 30 ديسمبر/كانون الأول. وأمرت اللجنة في بيان، المستشفيات بـ”تعزيز القيادة المسؤولة” والتأكد من “عدم الإفصاح عن أية معلومات للجمهور دون تصريح”.

لكن تحت ضغط متزايد، ذكرت اللجنة الصحية في اليوم التالي أنَّ الباحثين يحققون في 27 حالة إصابة بالالتهاب الرئوي الفيروسي، وهو أول إشعار رسمي لها بشأن الفيروس، وقالت اللجنة في بيانها، إنه لا يوجد “دليل واضح على انتقال العدوى من شخص إلى آخر، وإنَّ هذا المرض يمكن الوقاية منه والسيطرة عليه”.

إغلاق السوق واعتقال مروجي الشائعات

وبعد يوم واحد، وتحديداً في 1 يناير/كانون الثاني، أُغلق سوق هونان للمأكولات البحرية، وأعلن مكتب الأمن العام في ووهان “معاقبة” 8 أشخاص؛ لنشرهم الشائعات، وكلَّفت السلطات المستشفيات بالكشف عن حالات الالتهاب الرئوي المرتبطة بالسوق. ولم يُطلب من البائعين في السوق الخضوع لفحوصات درجة الحرارة واختبارات الدم إلا بدايةً من 20 يناير/كانون الثاني.

لكن على الضفة الأخرى من نهر اليانغتسي، على بُعد نحو 6 أميال (10 كيلومترات)، سقط أشخاص لم يسبق لهم زيارة السوق مرضى، وفي الأسبوع الثاني من شهر يناير/كانون الثاني، أصيبت كوكو هان (22 عاماً)، بسعال لم تستطع التخلص منه.

ثم ذهبت للعيادة المحلية في 20 يناير/كانون الثاني، حيث أُجريت لها أشعة مقطعية. وأظهرت النتائج وجود عدوى في رئتيها. واصطحبها مسعف يرتدي حُلَّة وقاية كاملة إلى مستشفى آخر؛ لإجراء مزيد من الاختبارات.

وكانت والدة كوكو بصحبتها في غرفة انتظار مزدحمة، حيث بدأ أولئك الذين ينتظرون يصيبهم الذعر. وارتدت كوكو قناعاً، لكن والدتها لم تفكر في ارتداء واحد، بسبب تطمينات الحكومة، ثم غابت عن الوعي امرأة شابة تقف أمامهما في الصف، واحتضنت الأم ابنتها وأخبرتها بألا تنظر، وقالت كوكو: “علمنا جميعاً أننا قد نكون مصابين بفيروس، وشعر الجميع بالخوف. أعتقد أنَّ الأطباء عرفوا أنه قابل للانتقال بين البشر، وإلا ما كانوا ليجلسوا بعيداً عنّا، تاركين النوافذ مفتوحة”.

وعلى الرغم من أن كوكو أُبلِغَت أنها ربما تعاني من “الالتهاب الرئوي”، لم تتمكن من تأكيد التشخيص، لأنَّ المستشفى غير مصرح له بذلك، وهي مشكلة واجهت عديداً من المرضى في الأسابيع الأولى لانتشار المرض، وقيل لها أن تعود إلى المنزل وتقيم في حجر صحي ذاتي، لكن الأطباء وصفوا لها أدوية كان عليها تجديدها كل ثلاثة أيام بالمستشفى، والانتظار في الصف مع آخرين، وقالت كوكو: “كنت قلقة جداً من نقل العدوى إلى الآخرين، لكن في الوقت نفسه لم أستطع السماح لوالدي بالذهاب لمكان خطير جداً”.

الوحش كان قد غادر السوق

بدوره، بدأ دارون هو (35 عاماً)، الذي لم يسبق أن ذهب إلى سوق هونان للمأكولات البحرية، يشعر بالحمى والدوار في 16 يناير/كانون الثاني، وظن وقتها أنه يعاني آثار ما بعد الثمالة، لأنه احتسى بعض المشروبات في الليلة السابقة. لكن بعد ثلاثة أيام، ومع استمرار الشعور بالتعب، استقل قطاراً إلى مقاطعة جيانغسو في رحلة عمل. ثم عاد إلى ووهان ومن هناك إلى مدينته التي تقع على بُعد بضع ساعات إلى الجنوب.

وبحلول الوقت الذي أُودِع فيه دارون المستشفى المحلي، وصل فريق من الباحثين أرسلته الحكومة المركزية إلى ووهان، وقال تشونغ نانشان، أحد كبار خبراء الجهاز التنفسي والمشهور بمعارضة رواية الحكومة الصينية عن فيروس سارس، في مساء يوم 20 يناير/كانون الثاني، إنَّ هناك بالفعل حالات إصابة ناجمة عن انتقال الفيروس من إنسان إلى إنسان.

هل أدى تأخر المواجهة إلى خروج الفيروس القاتل عن السيطرة؟

وأخبر دارون، الذي عاني في أسوأ مراحل الإصابة الإسهال ومشاكل بالتنفس إلى جانب الحمى والسعال، عائلته بأنه بخير. لكن على مدار الأيام الـ24 التالية في المستشفى، مات ثلاثة مرضى آخرين على الأقل. لذا فكَّر وقتها في كتابة وصيته. وقال: “رأيت البعض يستسلمون.

 “بدا الوضع خارجاً عن سيطرتنا”

وبحلول الوقت الذي كشف فيه المسؤولون عن قوة الفيروس على الانتقال، كانت المستشفيات في ووهان قد تكدست بمرضى الفيروس بالفعل وزادت الأعداد بعد ذلك الإعلان، وأظهر مقطع فيديو، صُوِّر في يومي 22 و23 يناير/ كانون الثاني، حشوداً من المرضى بمستشفى ووهان رقم 6 في ووتشانغ، وهي منطقة أخرى في ووهان.

وقالت ممرضة، اضطرت إلى النوم في المستشفى والعمل بالتناوب كل 4 ساعات ضمن فريق من 6 أشخاص لمواكبة الأعداد: “كان المستشفى مكتظاً للغاية، ولم نستطع العودة إلى منازلنا”، وأشار عامل آخر ضمن الطاقم الطبي إلى الرصيف خارج المستشفى، وقال: “هذا كان مزدحماً عن آخره، وكل يوم تحدث وفيات”.

وفي 23 يناير/كانون الثاني، دخلت المدينة التي يبلغ عدد سكانها 11 مليوناً، في حالة إغلاق تام، ثم حذت المناطق المحيطة حذوها؛ وهو ما دفع أكثر من 50 مليون شخص إلى البقاء فعلياً في حجر منزلي.

وفي مواجهة النقص الحاد بالإمدادات والموظفين والأماكن، خيَّمت على الأسابيع القليلة التالية حالة من اليأس، إذ رفضت المستشفيات استقبال بعض المرضى، وأعادتهم إلى منازلهم حيث نقلوا على الأغلب العدوى لأسرهم، وأظهرت لقطات فيديو مسعفين يبكون وأشخاصاً يفقدون الوعي في الشوارع. وامتلأت منتديات الإنترنت بصفحات من طلبات المساعدة من سكان يحاولون إنقاذ أحبائهم. وبحلول 19 فبراير/شباط، تجاوز عدد قتلى الفيروس 2000 شخص.

وعلَّق طبيب يعالج مرضى فيروس كورونا المستجد في مستشفى ووهان المركزي، طالباً عدم الكشف عن اسمه، لأنه لم يحصل على إذن للتحدث إلى وسائل الإعلام: “كان الفيروس ينتشر بسرعة كبيرة، وفي البداية، بدا الوضع خارجاً عن سيطرتنا”.

وفي مثل هذا الوقت تتحرك السلطات بسرعة للتعتيم على حقيقة الوضع، في حين تحتفل بإنهاء حالة الإغلاق في ووهان المستمرة من 3 أشهر تقريباً، في حدث شهد إقامة عروض ضوئية ورفع لافتات تشيد بنجاح “حرب الشعب”، وفي هذا السياق، قال هو-فونغ هونغ، أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة جونز هوبكنز في الولايات المتحدة: “تعمل بكين بجد لمحاربة التداعيات السلبية المحلية والدولية”، واستطرد هونغ: “لكن هذا ليس كافياً ليمنع الناس من تحميل الصين المسؤولية بسبب التستر على تفشي المرض في البداية”.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي