هل حمت مناعة الملاريا سكان أفريقيا من كورونا؟

2020-03-24

  

يسود اعتقاد لدى كثيرين من سكان البلدان الأفريقية، خصوصاً الواقعة في جنوب الصحراء الكبرى، بأن عدم انتشار وباء كورونا بمعدلات كبيرة مقارنة بما يحدث في أوروبا والولايات المتحدة، يرجع إلى أنه تشكلت لديهم مناعة راسخة ضد تفشي هذا الفيروس المستجد والقاتل بفضل تعاطيهم في أوقات سابقة دواء الملاريا (الكلوروكين)، فضلاً عن أن الوباءين يشتركان في الأعراض، من بينها الحمى والالتهاب، وكذلك يميتان تقريباً العدد نفسه على الصعيد العالمي حالياً.

وعزز هذا الاعتقاد تأكيد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، خلال مؤتمر صحافي عقده الخميس الماضي، أن الكلوروكين الذي يعد أقدم وأشهر الأدوية المضادة للملاريا، حصل على الموافقة في الولايات المتحدة كعلاج من فيروس كورونا، مبيناً إنه سيتم الإعلان عن تحقيق نجاح في لقاح الفيروس خلال أسابيع.

تأثير المناعة

وفي سياق متصل، أكدت طبيبة سودانية وجود علاقة قوية بين أعراض الملاريا وكورونا، وكذلك في طريقة العلاج وتأثير المناعة بسبب الأدوية التي تستخدم لعلاج مرض الملاريا ضد انتشار فيروس كورونا في البلدان الأفريقية وخصوصاً السودان.

وأشارت اختصاصية أمراض الدم الدكتورة رحاب إبراهيم، إلى أن تعاطي السودانيين وشريحة كبيرة من سكان أفريقيا دواء الملاريا خصوصاً الكلوروكين لسنوات طويلة جعل مناعتهم قوية ضد فيروس كورونا، فضلاً عن أن مرض الملاريا الذي لازمهم فترة طويلة وما زال موجوداً بكثرة مثّل مصدراً قوياً لمواجهة وباء كورونا، مستبعدة انتشار هذا الوباء المستجد بالمعدلات العالمية في السودان.

واستدلت على ما ذكرته من معلومات بأن كورونا تفشى في الدول التي لا يوجد فيها مرض الملاريا ولا العقاقير الخاصة به.

وأكدت أنه في الوقت الذي قدمت الملاريا خدمة عظيمة لقارة أفريقيا من خلال تحصينها لأجساد الشعوب الأفريقية من وباء كورونا، تتسابق كثير من دول العالم، ممثلة بكبرى المنظمات وشركات الأدوية للاستفادة من الملاريا على نحو مغاير من خلال استخدام علاجها لإيقاف انتشار هذا الفيروس القاتل.

فعالية الكلوروكين

وفي ظل هذه الأنباء المتواترة عن إمكانية علاج كورونا بواسطة دواء الملاريا، بدأ الاهتمام يدب ويزداد على لسان المسؤولين وعامة الناس في كثير من البلدان خصوصاً الأفريقية، بل تعدى الأمر إلى اتجاه العديد من الأشخاص لاستخدام أقراص تحتوي على الكلوروكين للوقاية من كورونا، فضلاً عن تخزينه لأي طارئ قد يؤدي للإصابة بهذا الوباء حتى أصبح الدواء ينفد بسرعة كبيرة من الصيدليات.

ويأتي هذا الاهتمام في وقت أكدت منظمة الصحة العالمية بأنه لا يوجد حتى الآن دليل قاطع على فعالية الكلوروكين، لكنه جزء من التجارب المستمرة لإيجاد علاج لهذا الفيروس.

وحول تأثير المناخ البيئي في انتشار فيروس كورونا، أكد البروفيسور يازدان يانداباناه رئيس مصلحة الأمراض المعدية في مستشفى بيشات في باريس "احتمال أن يكون الفيروس عاجزاً عن التكاثر والتنقل في النظام البيئي الأفريقي الحار". لكن البروفيسور أدني آدم، الخبير في مستشفى آغا خان في نيروبي، نفى هذا الاحتمال، قائلاً "لا يتوفر لدينا حتى الآن دليل علمي على أن للمناخ تأثيراً في تنقل الفيروس. فحتى الساعة هشاشة الأفارقة أمام الفيروس مساوية لهشاشة الآخرين".

ثلاثة تفسيرات

وفي ظل التساؤل الملح عن قلة الإصابة بفيروس كورونا في قارة أفريقيا مقارنة بالدول الغربية، توضح الأستاذ بكلية الدراسات الأفريقية العليا في جامعة القاهرة الدكتورة جيهان عبدالسلام بـ "ظهور حالات إصابة محدودة في بعض دول أفريقيا جنوب الصحراء مثل توغو ونيجيريا والكاميرون والسنغال وجنوب أفريقيا، وتزايد هذه الحالات وتمركزها في دول الشمال الأفريقي، يمكن تفسيره بطروحات عدة، منها أن النظم الصحية الأفريقية، مهما تكن قليلة الموارد، إلا أنها اعتادت على التعامل مع الأمراض المعدية التي تعدد ظهورها في أفريقيا مثل الإيبولا والإيدز والملاريا وغيرها، ولم يعد الأمر مصدر قلق".

 

لم تشهد القارة تفشياً كبيراً حتى اللحظة على الرغم من تاريخها الطويل في مواجهة الأمراض

 

أما التفسير الثاني، الذي لم يجرؤ على إعلانه العلماء لعدم وجود أدلة قوية عليه، فهو أن الفيروس لا يعمل بشكل جيد في الطقس الحار، فإذا كان ذلك صحيحاً، فقد تكون هناك فترة راحة على الطريق في نصف الكرة الشمالي مع تحول الشتاء إلى الربيع وإلى الصيف. وعلى الرغم من أن ذلك لن ينهى الوباء، إلا أنه سيتيح الوقت للأنظمة الصحية للتحضير والباحثين لاختبار اللقاح، محددة التفسير الثالث بأنه وفقاً لمعدلات انتشار المرض الحالية، يؤكد معظم الباحثين في منظمة الصحة العالمية أن كل دول العالم لم تنجُ من الوباء لكن سوف تختلف درجات تفاقم الوضع، وسوف تتزايد المخاوف بشكل كبير من انتقال العدوى إلى بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مما قد يتسبب في تفش كبير للوباء في المنطقة التي تعاني من أنظمة صحية متردية لا يمكنها الصمود أمام انتشار الفيروس، بخاصة في ظل حجم سكان ضخم يصل إلى 1.2 مليار نسمة.

ترقب للوضع

وفي ضوء حالة الترقب التي تسود العالم حالياً، تأمل بلدان أفريقية عديدة في أن تساعد خبرتها في التعامل مع الإيبولا الذي قتل 2264 من بين 3444 شخصاً مصاباً في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وغيرها من الأوبئة، نظامها الصحي على التعامل مع كورونا.

والفيروس الذي يجتاح أوروبا الآن ظهر في 39 من بين 49 دولة في أفريقيا جنوب الصحراء، إذ سجلت حتى الآن 1021 إصابة و23 حالة وفاة، وفقاً لما أعلنه المركز الأفريقي للسيطرة على الأمراض ومنعها. وسجلت حتى الآن سبع وفيات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، في بوركينا فاسو والغابون وموريشيوس وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

لكن المخاطر كبيرة، فإذا وصل المرض إلى المناطق الأشد فقراً في أفريقيا، فإن عوامل كالظروف المعيشية البائسة والازدحام قد تجعله ينتشر بسرعة البرق. كما أن المستشفيات في أنحاء القارة مثقلة بالفعل بحالات الحصبة والملاريا، وغيرهما من الأمراض المعدية المميتة، وأدت الصراعات إلى نزوح مئات الآلاف ودمرت البنية التحتية.

في حين أن مطالبة الناس بالعزل الذاتي في المنزل ليست عملية في كثير من الحالات، حيث تعيش عائلات كبيرة في غرفة واحدة وتتشارك مع العائلات الأخرى في الحي في صنابير المياه والمراحيض وتعيش على ما تكسبه من العمل اليومي.

ففي جنوب السودان، الذي دمرته حرب أهلية استمرت خمس سنوات، قال الدكتور أنجوك جوردون كول، مدير حوادث التفشي في وزارة الصحة، إنه "لا يوجد لدى الحكومة سوى 24 سريراً لعزل المرضى"، لافتاً إلى أن مسؤولي الصحة العامة يحثون الناس على غسل اليدين، لكن كثيرين في الدولة الفقيرة، التي تقع في شرق أفريقيا ويبلغ عدد سكانها 12 مليوناً، لا يستطيعون شراء الصابون وليست لديهم مياه نظيفة جارية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي