"سلام يا صاحبي".. الجرذان تتجنب ما قد يؤذي رفاقها

2020-03-17

ثمة آلية في أدمغتنا وأدمغة الجرذان تحول بين الفرد السليم وإيذاء أفراد مجتمعه (نيد بيكس)أحمد الديب

 

لا يزال العلم يكشف لنا كل يوم عن أوجه تشابه عجيبة بين البشر وبين حيوانات لم نكن نعتقد أنها تشبهنا إلى هذا الحد، كالقوارض.

فمن دراسةٍ في عام 2011 عن فئران كانت تختار تحرير أقرانها من الاحتجاز، ودراسة أجريت في مطلع العام الماضي وأظهرت أن الفئران تنام لفترات أطول وتخلد إلى النوم أسرع إذا ما وضعت أقفاصها على أجهزةٍ هزازة "تهدهدها" حتى النوم.

ودراسات أخرى قالت إن الجرذان يمكن أن تدمن الكوكايين، وإنها قد تميل للسلوك العنيف أكثر في الزحام، وأخيرا إلى الدراسة التي نشرت قبل أيام في دورية كارنت بيولوجي وأعلنت أن الجرذان، مثل البشر الطبيعيين على الأقل، تميل إلى اجتناب اقتراف ما قد يلحق الأذى برفاقها.

يقول البروفيسور كريستيان كايزرس من المعهد الهولندي للعلوم العصبية والمشارك في الدراسة، "ثمة آلية في أدمغتنا وأدمغة الجرذان أيضا، تحول بين الفرد السليم وبين ارتكاب سلوكيات معادية لأفراد مجتمعه".

ويضيف أن هذا "أمر مثير للاهتمام إلى حد كبير، فما نكتسبه من معرفة في العلوم العصبية يمكن أن يمنحنا أدوات لاستكشاف وفهم وعلاج السلوك المؤذي للآخرين لدى من يعانون اضطراب معاداة المجتمع".


تفضيلات وحسابات

ولدراسة سلوك تجنب الأذى عند الجرذان، قام فريق البحث بتصميم تجربة أتاحوا فيها للجرذ محل الاختبار الاختيار بين رافعتين (ذراعين) يستطيع الجرذ أن يسحب أيا منهما للحصول على حبة تحتوي على السكر.

القشرة الحزامية الأمامية في الدماغ تنشط أثناء التفكير لتجنب الإضرار بالآخرين (ويكيميديا كومونز)

بعد فترة كان الجرذ يميل إلى تفضيل استعمال إحدى الرافعتين على الأخرى، وعندها كان فريق البحث يقوم بإعادة تصميم التجربة لتوصيل هذه الرافعة المفضلة بآلية إضافية تجعل سحبها يؤدي إلى خروج الحبة السكرية في الوقت نفسه الذي يمنح فيه سحب الرافعة صدمة كهربية محدودة يستقبلها جرذ آخر في القفص المجاور.


وعندها كان الفأر المختبَر يسمع صراخ جاره، ويدرك مع التكرار أن معاناته مرتبطة بسحب الرافعة المفضلة، فيبدأ بالتخلي عن تفضيله السابق، ويجبر نفسه على تفضيل الرافعة الأخرى.

يقول فريق البحث إن الجرذان -مثل البشر- تجد في أنفسها نفورا فطريا من إلحاق الأذى بالآخرين. وقد وجدوا خلال إجراء التجربة أن منطقة دماغية بعينها، تسمى القشرة الحزامية الأمامية، هي التي تنشط أثناء التفكير في تجنب الإضرار.

 

آلية عتيقة

 

ومن اللافت للنظر أن المنطقة نفسها هي التي تنشط في أدمغة البشر حين يتعاطفون مع آلام غيرهم. وما أكد وجود العلاقة أن فريق البحث خدر هذه المنطقة موضعيا في أدمغة الجرذان ليجدوا أنها تتوقف بالفعل عن المبالاة بمعاناة الرفاق وتستمر في استعمال رافعاتها المفضلة دون اكتراث بصيحات الألم من حولها!

يخبرنا هذا التماثل بوضوح أن دفع الضرر آلية فطرية عتيقة مركبة في أدمغتنا (استكشفتها دراسة مثيرة أجرتها جامعة ييل عام 2010 على رضع في الشهور الأولى من أعمارهم!)، بل في أدمغة العديد من أنواع الحيوانات أيضا.


وفي دراسة ذات صلة كانت قد أجريت قبل شهرين تقريبا على الببغاء الرمادي الأفريقي، أعلن الباحثون أن الببغاوات المشاركة في تجربتهم -والذكاء اللافت لهذا النوع يسمح له بإدراك مفاهيم مثل تبادل الحلوى مقابل أشياء صغيرة مثل العملات- كانت تمنح رفاقها الأقل "ثروة" بعض "العملات" اللازمة "لشراء" حبات الجوز اللذيذة!

ومع المزيد مما ستكشفه لنا مواصلة الجهود البحثية حول هذا الموضوع، قد تنفتح آفاق جديدة لعلاج الأشخاص المصابين باضطرابات معاداة المجتمع.

لكننا نستطيع الآن على الأقل أن نتمهل ونعيد التفكير كثيرا قبل أن يهم أحدنا بالبحث عما يعبر به عن اشمئزازه من شخص يشي بزملائه أو يؤذيهم في الخفاء، فيقول "يا له من جرذ!".

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي