فيلم "بعلم الوصول".. حينما تنطق السينما بهموم النساء الصامتة

2020-03-05

أم شابة عليها أن تواجه قسوة الحياة بمفردها، مرض نفسي يطاردها، زوجها يواجه تهمة تلقي به خلف القضبان، صديقتها تطلب منها طلبات كثيرة، وعليها أن تقضي بعض الوقت مع والد صديقتها المسن، ثم تعود للعمل من جديد لتكسب رزقها ليعينها بعد غياب زوجها، وبين هذه الخطوط يأخذنا المخرج هشام صقر في أول تجاربه الإخراجية في تفاصيل حياة الأم وعلاقاتها في عالم قاس كئيب.

تردد اسم فيلم "بعلم الوصول" بين الأفلام المستقلة المنتظرة في الفعاليات السينمائية، لا سيما بعد فوزه بجوائز مسابقة ما بعد الإنتاج في مهرجان البندقية السينمائي الدولي 2018، واختياره ضمن مشروعات مهرجان الجونة السينمائي في العام نفسه، وفوزه بجائزة أخرى في مسابقة "تكميل" في مهرجان قرطاج. وهذه المشاركات التي تعنى بالأفلام في مرحلة النسخة الأولية، أعطته شهرة جعلت المتابعين في الوسط الفني يترقبونه، قبل أن يعرض الفيلم لأول مرة في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي.

وأخيرا جاء "بعلم الوصول" لدور العرض المصرية، في موسم لا يشهد إقبالا واسعا، ولا يتوقع صناعه تحقيق إيرادات كبيرة، إذ صنع الفيلم بميزانية محدودة من مخرجه، وبدعم من منتجه محمد حفظي، ويستهدف جمهورا معينا قبل أن يواصل طريقه للبيع لقنوات التلفزيون.

وجه جديد لبسمة

لعبت الفنانة بسمة دور هالة الأم الشابة، لتطل علينا بوجه جديد دون مساحيق تجميل أو شعر مصفف، بل ظهرت بشعر مبعثر ووجه متعب قد أنهكته مصاعب الحياة اليومية.

جاء أداء بسمة مميزا، إذ يكاد يكون أهم ما يخرج به المشاهد بعد مشاهدة هذا الفيلم، نستطيع أن نشعر بآلامها بعد فقد والدها، ونرتبط بطموحاتها وحتى ولو كانت حلما بسيطا مثل أن تعيش في شقة لها شرفة تطل منها على الشارع وتتلقى منها ضوء الشمس، وكأن شقتها هي انعكاس آخر لحياتها البعيدة عن أي منفذ للأمل.

صديقتها المقربة منى تقع في حب ممرض والدها المسن، علاقة عاطفية لن يتقبلها الأب أبدا، فتضطر للزواج منه سرا حتى لا تزيد أوجاع الأب ليولد عبئا جديدا على حياة هالة، منى تطالبها بالعناية بوالدها تارة، وتارة تطلب منها أن تقضي بعض الوقت مع زوجها السري في شقة هالة، وهالة تبدو متحمسة للطلب الأول فقط، فالعجوز المسن يذكرها بوالدها وآلامه.

الأزمة الدرامية

الأزمة الأساسية في الفيلم تبدأ بخطأ يرتكبه زوجها الموظف في بنك عند إيداع مبلغ لعميلة في حسابها، يكلفه هذا الخطأ حريته ويرمي به خلف القضبان، بينما تختفي العميلة التي يمكن أن تبرئه، وهكذا تفقد هالة السند في حياتها بعد أن فقدت من قبله والدها، ولا تزال سحابة قاتمة من الحزن تلقي بثقلها على حياتها الرتيبة، إذا أضفنا لذلك مرضا نفسيا يطاردها، وهي التي لا تبذل أي مجهود لعلاجه وتتهرب من الذهاب للطبيب النفسي.

لم ينشغل المخرج كثيرا بتقديم مفردات هذا المرض النفسي، تركنا نحاول أن نستخلصه بصعوبة بين السطور، ونقلنا لخيط جديد يبدو ثقيلا على فيلم لم يصنع من أجل مزيد من الغموض، وهو خطابات مجهولة المصدر تصل لهالة: من يكتبها؟ هل من الممكن أن تكون هي من تكتبها لنفسها؟ أليست هالة مريضة نفسية؟

من المونتاج إلى الإخراج

يعرف السينمائيون هشام صقر محرر أفلام (مونتير)، حيث عمل مع المخرج أحمد عبد الله السيد في بعض أفلامه مثل "ميكروفون" و"فرش وغطا"، ومثلما اتجه عبد الله من المونتاج إلى إخراج أفلامه التي يصنفها البعض ضمن السينما الموازية أو السينما المستقلة، يخطو صقر الخطوات نفسها مقدما تجربته السينمائية الأولى كمخرج ومنتج مشارك وكاتب للسيناريو في فيلم "بعلم الوصول"، وبمشاركة محمد حفظي شريك عبد الله أيضا في بعض أفلامه السابقة.

قضايا المرأة

اعتدنا أن تنشغل المخرجات بقضايا المرأة في أفلامهن مثل إيناس الدغيدي وهالة خليل وكاملة أبو ذكري، لكننا في السينما المستقلة أمام مجموعة من المخرجين الشباب الذين يقدمون تجاربهم الأولى عن المرأة كأفضل ما يكون مثل محمد حماد في فيله الأول "أخضر يابس" الذي شهد مهرجان لوكارنو عرضه العالمي الأولي، والفيلم يستعرض أسبوعا في حياة الشابة إيمان، التي تعاني في صمت انقطاع دورة الطمث الشهرية دون سبب واضح، بينما تحاول إقناع أحد أقاربها بحضور خطبة أختها الصغرى، كما تقتضي تقاليد المجتمع المتوارثة..

وفي فيلم "ورد مسموم" لأحمد فوزي صالح، ندخل عالم فتاة تربطها علاقة قوية بشقيقها، وتسعي جاهدة لوقف محاولاته لخوض تجربة الهجرة غير النظامية عبر مياه البحر المتوسط إلى إيطاليا.

وفي تجربتها الإخراجية الروائية الأولى والوحيدة التي خرجت للنور حتى الآن، في فيلم "الخروج للنهار" لهالة لطفي نقترب من عالم "سعاد"، بنت أحد أحياء القاهرة الفقيرة، تجاوزت الثلاثين من عمرها دون زواج، وترعي والدها القعيد المريض.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي