رسومات ساخرة ترفع صوت الشارع اللبناني

2020-03-04

بيروت - ميموزا العراوي – برز اسم الفنان اللبناني محمد نهاد علم الدين الحاصل على جائزة “بيار صادق” للكاريكاتير سنة 2018 من بين الناشطين على مواقع التواصل، وهو شاب في الرابعة والعشرين من عمره.

وعلم الدين تلقى شهادة الماجيستير من جامعة الألبا في الرسم التوضيحي والرسوم الكارتونية لينطلق مباشرة بعدها إلى عالم الاحتراف.

في مقابلة معه أطلعنا على اهتمامه بالشأن العام، وعلى الرغم من أنه نشط كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية، إلّا أن نجمه انتظر اندلاع الانتفاضة اللبنانية كي يستطع، وذلك بداية بالرسومات التي ألصقها على جدران ساحات الاحتجاج وصولا إلى نشره رسوماته الساخرة والانتقادية على شبكات التواصل، ولاسيما على إنستغرام.

وعي سياسي


أكثر ما يلفت في رسومات محمد نهاد علم الدين هو درجة نضوج الوعي السياسي والاجتماعي الظاهرة في فنه بوضوح صارخ وبأسلوب فني خاص. بعض الرسومات التي نشرها وتناقلها الأفراد على صفحاتهم الافتراضية تثير الاستغراب حيال أن يكون مُنجِزها لم يتخطّ الرابعة والعشرين من عمره. حول ذلك سألناه، فأجاب “منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأنا أتابع السياسة بشكل مكثف، وكنت حينها في العاشرة من عمري، هذه الحادثة المفصلية من تاريخ لبنان ومن تاريخ انطلاق رسوماتي إلى العلن بشكل واسع”.

ويضيف “دفعتني هذه الحادثة المأساوية إلى أن أوغل أكثر في ماضي لبنان، وصولا إلى بداية الحرب الأهلية بكل ما تحمل من تناقضات وأهوال، وما أفرزت من شخصيات لعبت دورا رئيسيا في الممارسات الشاذة والقتل. وما أثار اهتمامي أكثر في كل ما يجري في لبنان كون هؤلاء الساسة الزعماء هم من يحكمون البلد اليوم”.

ويستغرب رسام الكاريكاتير الشاب أن هؤلاء الساسة الزعماء أنفسهم، من كانوا وراء قيام ثورة لبنان، حيث انتفض الشعب ضدهم في محاولة لإخراج البلد من النظام الطائفي ومنظومة الفساد التي قبعت تحت الرماد لفترة لا تقل عن ثلاثين عاما.

رسومات فجة لكنها مرحة
ويضيف “كلما مرّ الوقت كنت أكتشف هول أثر هؤلاء على حياة اللبنانيين، وأنني أملك سلاح الرسم الذي أشهرته ضدهم. صرت أعبر عن أفكاري تجاه ما يحصل وقد يحصل على أرض لبنان بأشكال جديدة تزيد من قسوة الحياة”.

كلما ازداد الوضع سوءا في لبنان، إلا ازدادت رسومات علم الدين حدة وجرأة. ثم جاءت أزمة حرية التعبير عبر المُلاحقة التي تعرض لها الفنانون والناشطون، فانكسر حاجز الخوف عند الفنان الشاب وقاده انهياره إلى الاستمرار في التنقيب عن أسلوبه التعبيري الخاص الذي لم يحد عن مبادئه. بل على العكس اكتسب مع الوقت نضجا أكبر، فاعتمد على التورية والمُحاكاة أكثر فأكثر.

طرح جريء
مسألة الخوف من التعبير تحدث عنها الفنان، “الحمد لله لم أخف يوما، فأي فكرة أحاول أن أعبّر عنها بطريقة ذكية وبعيدة كل البعد عن الشتم والتجريح والإهانات. أنتقد ما أريد انتقاده وبوضوح يسهل على المتلقي أن يفهمه ويتأمل فيه. لا زلت أعتمد هذا الأسلوب وإن كانت بعض رسوماتي فجة وعنيفة بقدر عنف المشهد على أرض الواقع”.

وما إن بلغت الثورة شهرا من عمرها، حتى ازدادت المواضيع التي يمكن تناولها، بل وتشعبت بشكل كبير لتذهب بعض جذورها إلى الماضي اللبناني. هنا تماما لعب الفنان ولا يزال يلعب دورا مهما في نشر الوعي بين الفئات الشبابية التي لا تتعدّى أعمارها الثلاثين سنة.

فالكثيرون منهم لا يعلمون حقيقة مطامع الخارج بلبنان ولا حقيقة الزعماء اللبنانيين ولا تشابك المسائل التي أدت إلى انفجار الثورة. لذلك اعتمد الإنستغرام بشكل خاص لكونه تطبيقا يعتمده الشباب أكثر من الفيسبوك الذي يملك الفنان حسابا عليه أيضا.
أنتج الفنان الشاب حتى الآن مئات الصور الكاريكاتيرية والشرائط الكرتونية اللاذعة، وهذا ما دفع متابعيه للتساؤل إن كان يفكر في مشروع جمعها في كتاب. يقول الفنان موضحا في هذا السياق “ربما إصدار كتاب قد يكون مكلفا جدا. أرغب في أن أرى رسوماتي مطبوعة على ورق. مع إدراكي التام أن الزمن هو زمن شبكات التواصل أكثر من أي وسيلة أخرى للتعبير وللنشر”.

ليس محمد نهاد علم الدين الفنان الوحيد الذي يعتمد هذه الوسيلة في التعبير، لكنه من دون شك من أفضلهم. أولا، لأن ما يقدّمه يدلّ على بحث عميق في الموضوع الذي يتناوله. وثانيا، لأنه يعتمد أسلوبا خاصا يطغى عليه ارتجاج الخط في تشكيل المشاهد وتداخلها في تشكيل الوجوه.

نقد لاذع

وهو يدعم أعماله أيضا باستخدامه تطبيق الفوتوشوب، حيث تلعب خلفية الشخصيات المرسومة دورا مهما في إحداث تناغم تعبيري لا يحتاج إلى الألوان لكي يبلغ مُبتغاه.

لا يمتنع الفنان عن استخدام اللون وبتقشف شديد. ولكن فقط بهدف الإشارة إلى أهمية عنصر ما في قلب المشهد المرسوم. كما يعتمد احترافية “ضرب الحديد وهو حام” لناحية الإسراع في تقديم رسوماته بعد أي حادثة. ولكن دون المساومة على نوعية ما يُقدّم.

يمكن القول إن الفنان محمد نهاد علم الدين، هو من هؤلاء الذين ينتظرهم مستقبل باهر، إذ يشتغل على وتر الحوادث والمستجدات من جهة ويسعى من جهة أخرى على الحفاظ على نوعية عالية في اختيار الموضوع وصبه في أسلوب مميز ومتبلور، كي يضل قادرا على النفاذ إلى قلوب الناس وعقولها.


ناقدة لبنانية *

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي