لوموند: لهذه الأسباب الناصرية آخر معقل للحراك في العراق

2020-02-17

بتركيز عال يستمع عدد من الرجال في حلقة منتظمة بخيمة وسط مدينة الناصرية (مركز محافظة ذي قار جنوبي العراق) إلى رجل يتحدث بفخر عن الناصرية، قائلا إنها اليوم ملك لجميع العراقيين الذين يرون أنها معقل الاحتجاجات، مشيرا باستنكار إلى ما ينتاب بعض أهالي الناصرية من سأم جراء ما واجهوه من صعاب نتيجة نشاطهم الواضح في الحراك، وداعيا إلى التغلب عليه بإعادة تنشيط التعبئة.

بهذه الملامح، رسمت مراسلة صحيفة لوموند الفرنسية في العراق هيلين سالون صورة أولية للحراك المناهض للسلطة في العراق والذي ألهب البلاد منذ أربعة أشهر ونصف الشهر، وقالت إنه ما زال يقاوم رغم الموقف الموحد للأحزاب الحاكمة من أجل خنقه وتشكيل حكومة برئاسة محمد توفيق علاوي.

وقالت المراسلة إن حركة العصيان المدني التي أغلقت المؤسسات التعليمية والإدارات ما زالت متواصلة، وقد بنى المحتجون ملاجئ من الطوب -بدلا من الخيم التي أحرقت نهاية الشهر الماضي- مزينة بلوحات جدارية وضعت عليها صور "شهداء" المدينة جراء الاحتجاجات الأخيرة البالغ عددهم 170.

وفي ساحة الحبوبي (مركز احتجاجات الناصرية)، يحضر الطلاب يوميا تقريبا ليدعموا الشباب الآخرين العاطلين عن العمل، ويلتقي رجال القبائل في الزي التقليدي والمسؤولين حول الشاي.

ويقول الناشط ناصر (30 سنة) الذي يدعو لإجراء انتخابات مبكرة للتخلص من طبقة سياسية يرى أنها فاسدة وغير كفؤة، "لن يستسلم المتظاهرون وفاء لدماء الشهداء وغضبا على الأخطاء السياسية المتكررة ورفضا للطائفية، وللشعور الوطني القوي. مجتمع الناصرية متحد وراء هذه الأهداف".

ونبهت المراسلة إلى أن الناصرية مدينة لا تنقصها الأحياء المحرومة لإذكاء الاحتجاج، مشيرة إلى تاريخ المدينة "الجامحة بسبب جغرافيتها وتاريخها الغني وثقافتها وشعورها بالمقاومة والمرونة"، حيث إنها مدينة المثقفين التي كانت في قلب الثورات ضد الاحتلال البريطاني في عام 1920، ومسقط رأس الشيوعية والبعثية، وموطن الانتفاضة الشيعية ضد نظام الرئيس الراحل صدام حسين.

قبائل مهيمنة

ومرة أخرى، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019 حملت الناصرية شعلة المنافسة، وطردت الجنرال جميل الشمري على إثر مذبحة قتل فيها 29 متظاهرا، وساهمت في إسقاط رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، وهي لم تستسلم حتى الآن رغم ما تعرضت له الاعتصامات في بغداد والمدن الأخرى من هجمات متكررة.

وقال الشيخ أسعد الناصري الذي غادر النجف للاستقرار في خيمة في ميدان الحبوبي بعد أن نأى بنفسه عن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إنهم (أي الصدريون) "حاولوا خنق الحراك، ولكن الناس في الناصرية أقوى منهم.. لأن عدد الصدريين فيها قليل".

وأضاف الناصري الذي يقيم تحت حراسة جيدة من بعض أنصاره القلقين من التهديدات التي يتلقاها من أنصار التيار الصدري، "لقد جئت لدعم المتظاهرين في الناصرية الذين يطالبون بالحقوق واستعادة الوطن الذي سرقته منهم الأحزاب وإيران، لأن اسمي ومكانتي كشيخ دين يمنحانهم قوة أكبر".

وقالت المراسلة إن الهوية القبلية المهيمنة في المنطقة هي التي تعطي القوة للمتظاهرين، لأن "القبائل هنا قوية ومتحدة على عكس بغداد، وقد تعبئوا في عدة مناسبات لصالح المتظاهرين، من بينها ظهور أفراد القبائل مسلحين في شوارع الناصرية لإنهاء دائرة العنف أثناء المذبحة التي ارتكبتها قوات الجنرال الشمري"، كما يقول الشيخ الناصري.

تهديدات عديدة

وقالت المراسلة إن دعم الشيخ علي حسين خيوني -الذي يقود أكثر من مئة ألف رجل- للاعتصام وتحذيراته التي يرسلها بانتظام إلى السلطات والسياسيين قد جعلاه هدفا لتهديدات عديدة، تبقى شواهدها ماثلة في آثار الرصاص على زجاج حديقته.

وقد تعرضت سيارته لهجوم بمدفع رشاش في ديسمبر/كانون الأول الماضي من قبل حراس أحد نواب منطقة الشطرة القريبة من الناصرية عندما جاء لمنع المتظاهرين من حرق منزله، وقال "لقد تدخلت أخيرا مع مسؤولي الحزب لمنع وقوع المزيد من الهجمات ضد الاعتصامات في الناصرية والشطرة".

وفي ساحة الحبوبي، قال ناشط صدري قبل أن يختفي إن "هذا التحدي سينتهي قريبا، لأن رواتب زعماء القبائل دُفعت"، وبالفعل -تقول المراسلة- إن 16 من زعماء القبائل طالبوا المتظاهرين بالهدوء في الثامن من الشهر الجاري.

واستشهدت المراسلة بما قاله المتحدث باسم مبادرة قبائل البوشامة الشيخ آدم معن صفاء الغزار إنه يؤيد الاحتجاج ويفهم غضب المتظاهرين الشباب، غير أنه يطالب بمنح رئيس الوزراء علاوي فرصة.

أما الشيخ خيون فيقول، محذرا من خطر الحرب الأهلية، إن "قليلين فقط هم الصادقون ممن يقولون إنهم يدعمون التحدي، وقد دعم معظمهم جميع الحكومات منذ عام 2003 ضد الكتابة على الجدران، وهم يتلقون أموالا لقمع التحدي".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي