أوريان 21: العرب المنقسمون لن يتمكنوا من الرد على خطة ترامب

2020-02-16

 

تباينت ردود فعل الحكام العرب على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط التي تبنت الرؤية الإسرائيلية، بين الاهتمام غير الصريح والتحفظ الحذر، والتذكير بالمواقف المعروفة لدى المجتمع الدولي التي لم تحترم أبدا.

بهذه العبارات لخص موقع أوريان 21 الفرنسي، في مقال للموظف الدولي السابق كريستيان جوري، المواقف العربية، وقال إن رؤية ترامب المسماة "من السلام إلى الازدهار" التي تهدف، حسب ما جاء فيها، إلى "تحسين حياة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي"، نصت في واقع أمرها على ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية لإسرائيل وأعطتها حدودا على نهر الأردن، وتخلت عن الإشارة إلى حدود 1967، وأبعدت عاصمة فلسطين عن القدس.

وعلق الكاتب بأن الأمر استغرق ثلاث سنوات بالنسبة لإدارة ترامب لتخرج برؤية تعبر عن المصالح الإسرائيلية، وتتجاهل رؤية الفلسطينيين، وتبتعد كل البعد عن التنازلات المتبادلة التي أعلنتها الإدارة الأميركية.

أفكار ترامب الكيميائية

وقال الكاتب إن ترامب عند كشفه عن "رؤيته"، عبر عن ثقته في استعداد الدول العربية لدعمها ولعب دور في تنفيذها، إلا أنه عندما قال لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه "سيحظى بدعم هائل من جيرانه وممن هم أبعد من جيرانه"، ربما يكون قال ذلك لأن الردود الأولى أقنعته، ولكن ربما تكون تلك طريقته الخاصة في توجيه ضربة قوية مع التخويف والتلويح بالعصا والجزرة، واعتبار رغباته أوامر حقيقية.

وأشار الكاتب إلى أن أساليب ترامب الدبلوماسية لا تختلف عن أساليب عمله المعتادة في التجارة، وهي أنه يعمل كالمفاوض الوحشي لا المفاوض الماهر، وما يهمه هو "شراء" المنتج الذي لديه من قبل محاوريه، وبالتالي يجب قبول خطته ولا شيء غير ذلك، مما يعني أن الفلسطينيين الذين يرفضونها سيتعرضون لعقوبات ثقيلة.

وقد قال ترامب بالفعل إن الولايات المتحدة ستتوقف عام 2021 عن تقديم الدعم للأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، لأول مرة منذ اتفاقات أوسلو عام 1993، إلا أن هذه "العقوبة" قد لا تنفذ لأن من مصلحة إسرائيل أن يكون لدى الفلسطينيين أجهزة أمنية فعالة.

  ساهمت الثورات العربية عام 2011 في تراجع القضية الفلسطينية لأن الحكام العرب أعطوا الأولوية لشؤونهم الداخلية في مجالات الأمن والدفاع والاقتصاد

ومع أن القضية الفلسطينية ظلت عقودا من الزمن حاضرة بقوة لدى الدول العربية وإيران وتركيا، إما لتبنيها أو لاستخدامها لأغراض محلية، كتعزيز الوحدة الداخلية، فإن هذا الحضور قد تضاءل، خاصة عندما تبين أن عملية السلام لم تسفر عن شيء، وأن الاستيطان لم يتراجع، وأن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل ثابت، وأن توازن القوى لصالح إسرائيل لا رجعة فيه.

وأخيرا ساهمت الثورات العربية عام 2011 في تراجع القضية الفلسطينية، لأن الحكام العرب أعطوا الأولوية لشؤونهم الداخلية في مجالات الأمن والدفاع والاقتصاد، وليس غريبا أن يفقد دعمهم للقضية الفلسطينية زخمه في هذه الظروف.

"ألف لا" عباس

وقال الموقع إن الفلسطينيين رفضوا خطة ترامب قبل وقت طويل من نشرها، منذ أن أعلن نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس عام 2018، وأن عليهم ألا يتوقعوا أي شيء من هذه الإدارة.

وقد قطع الفلسطينيون العلاقات مع واشنطن، وأعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس -حسب قوله- قراءة الخطة والتحدث مع ترامب بشأنها على الهاتف.

وبعيدا من أن يُنظر إلى الخطة على أنها فرصة "رابحة" بالنسبة للطرفين كما يزعم ترامب، فإن الفلسطينيين يرون فيها مؤامرة إسرائيلية أميركية حيكت ضد قيادتهم السياسية وشعبهم، ومحاولة من ترامب والأيديولوجيين من حوله لشطب تاريخهم وتحديد مصيرهم خارج إرادتهم.

وأضاف الموقع أنه رغم تهديد رئيس الوزراء الفلسطيني بإنهاء جميع الاتفاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإن عباس وإن قال "لا ألف مرة لخطة ترامب"، فإنه عاد لتأكيد أن وقف التنسيق الأمني ​​مع إسرائيل مجرد "خيار".

وشكك الكاتب في أن الرئيس الفلسطيني سينفصل عن إسرائيل لما هناك من المصالح المتداخلة بين خدمات البلدين، ولكي لا يحرم نفسه من الفوائد التي يستمدها من هذا "التنسيق الأمني"، الذي يرجح أنه إذا ألغي فسيكون ذلك بمبادرة من إسرائيل.

واعتبر أن اجتماع فتح وحماس عند إعلان خطة ترامب كان أقرب للدعاية من كونه وعيا بتأثيرات الخطة الأميركية، ورأى أن التواصل بين الطرفين مستحيل مع وجود عباس، ليتساءل كيف يمكن أن نصدق هذا التعبير عن الوحدة والتضامن مع استمرار فتح في محاكمة أنصار حماس نيابة عن إسرائيل؟

أما رد فعل القادة العرب بين إعلان الخطة والاجتماع الاستثنائي لجامعة الدول العربية فكان حذرا، لأن بعض دول الخليج لم تكن ترغب في عزل الرئيس الأميركي الذي تعتبره درعا واقيا من التهديد الإيراني، خاصة أن مصير فلسطين لم يعد في صميم اهتماماتهم الداخلية والوطنية، ولم يعد هو الثمن الذي ترغب السعودية والبحرين والإمارات في دفعه خوفا من فقدان الحماية الأميركية وضمن التقارب مع إسرائيل.

وقد عبرت الرياض عن تقديرها للجهود الأميركية مع الدعوة إلى مفاوضات مباشرة، كما ندد بعض المعلقين السعوديين بإهدار الفلسطينيين للفرص، في حين اعتبرت الإمارات خطة ترامب "مبادرة جادة"، "توفر نقطة انطلاق مهمة للمفاوضات في إطار دولي بقيادة الأميركيين".

أما مصر، حيث عقدت جامعة الدول العربية جلسة استثنائية، فاكتفت بالتذكير بالمواقف المعروفة للمجتمع الدولي "دولة فلسطينية ذات سيادة وفقا لقرارات الأمم المتحدة" مع تقدير "الجهود المستمرة" للإدارة الأميركية.

وفي الوقت الذي انتقدت فيه تونس والجزائر المبادرة الأميركية بشدة، لم يخرج المغرب من حذره، فأبقى على مواقفه من قضية فلسطين دون إغضاب الرئيس الأميركي، وأثنى على "جهود السلام البناءة التي بذلتها الإدارة الحالية للتوصل إلى حل عادل ودائم ومنصف في الشرق الأوسط".

القضية الفلسطينية في المنفى

وربط كاتب المقال بين حذر المغرب المعروف بصلابته تجاه القضية الفلسطينية، والزيارات الأخيرة التي قام بها جاريد كوشنير صهر ترامب وزوجته ابنة الرئيس ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للرباط، وقال إن هذه الزيارات ينظر إليها على أنها تدخل في سياق لعبة يمكن بموجبها أن تعترف واشنطن بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية مقابل تطبيع المملكة علاقاتها مع إسرائيل.

وإلى جانب تونس والجزائر، أظهر العراق جرأة أكبر في رد فعله على الخطة، أما الأردن فكان هو الأكثر تضررا على الفور، وحذر من "العواقب الخطيرة للتدابير الإسرائيلية الأحادية مثل ضم الأراضي الفلسطينية".

وخلص الكاتب إلى أن خطة ترامب جاءت تجسيدا للشعور بالقدرة التي تدفعه، ولتوازن القوى غير المتكافئة مطلقا بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولدعم البيت الأبيض الكامل للأطروحات الإسرائيلية، وبالتالي تمثل شطبا لجميع قرارات الأمم المتحدة التي نسجت بصبر شبكة الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

واليوم -كما يرى الكاتب- أصبحت القضية الفلسطينية في المنفى، والفلسطينيون وحدهم لا يستطيعون إعادتها، فهل سيجعلون حياة من يجرعهم هذا الذل جحيما؟ أم أنهم سيقبلون بالمصير الذي يساقون إليه؟







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي