القلق يخيم على بيروت

لماذا لوح المتظاهرون في لبنان بترك السلمية؟

2020-01-20

يوشك لبنان على الانزلاق إلى حالة اضطراب عميق عقب أعمال شغب اندلعت بالعاصمة بيروت في نهاية الأسبوع الماضي، تشير إلى أنَّ الحركة الاحتجاجية التي كانت سلمية تدخل إلى مرحلة جديدة خطيرة.

وذكرت الشرطة وخدمات الإنقاذ اللبنانية، أمس الأحد 19 يناير/كانون الثاني، أنَّ أكثر من 400 شخص أصيبوا، بعد ليلة شهدت أسوأ أعمال عنف منذ أن خرج اللبنانيون إلى الشوارع في أكتوبر/تشرين الأول؛ للمطالبة بحكومة جديدة قادرة على الخروج بالدولة من أزمة مالية واقتصادية حادة، بحسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.

ففي ليلة السبت 18 يناير/كانون الثاني، اشتبك المحتجون وقوات الأمن مرة أخرى بشوارع لبنان، وأطلقت الشرطة الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع ومدفع المياه؛ لتفريق المتظاهرين الذين قذفوا حجارة الأرصفة وألعاباً نارية وأشياء أخرى.

هل فقدت السلمية رونقها؟

وكان المناخ القاتم الجديد ظاهراً. إذ هتف المحتجون في وسط بيروت: «ليست سلمية، ليست سلمية.. هذه ثورة وليست أغنية»، في تعارض واضح مع شعار «سلمية.. سلمية» الذي رفعه المتظاهرون في الأيام الأولى للاحتجاجات الحاشدة ضد الحكومة والتي تحولت حينها إلى ساحة رقص.   

وانضم جنود مدججون بالسلاح إلى قوات مكافحة الشغب في ساحة المظاهرات، بعضهم مُسلَّح بصواريخ محمولة على الكتف.

وفي هذا السياق، علَّقت مها يحيى، مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط ببيروت: «لبنان يُدفَع إلى حافة الفوضى والأناركية. هذه دولة تنحدر اقتصادياً، ولديك مشاعر متزايدة من الإحباط بين الشباب، ويمكن أن تخرج الأمور عن السيطرة سريعاً. هي فقط مسألة وقت».  

وينطوي هذا الاضطراب على مخاطر تورط لبنان في السباق المتزايد على النفوذ الإقليمي بين الولايات المتحدة وإيران، اللتين تتخذ كل منهما حلفاء من بين الجماعات المتنافسة التي تشكل النظام السياسي المتشابك للبنان والذي يرغب المحتجون في إصلاحه.   

من جانبها، أدانت منظمة هيومن رايتس ووتش ما سمَّته استخدام الشرطة «القوة المفرطة» لتفريق المحتجين. إذ ملأت قنابلُ الغاز المسيل للدموع شوارع بيروت بالدخان الخانق. وأظهرت مقاطع الفيديو على الشبكات الاجتماعية الشرطة وهي تطلق الرصاص المطاطي على المتظاهرين.

 لماذا بدأ التصعيد؟

ومن الواضح أنَّ المتظاهرين سعوا للتصعيد. إذ حذَّر شباب ذكور متفرجين من أنهم يخططون لمهاجمة قوات الأمن، واعتدوا على صفوف الشرطة بمفرقعات نارية وحجارة وأشجار اقتلعوها من جذورها، وأوعية نباتات.  

وقال المحتجون إنهم قرروا اتباع نهج أشد، لأنَّ ثلاثة أشهر من المظاهرات السلمية فشلت في تشكيل حكومة جديدة أو تخفيف الأزمة المالية والاقتصادية للبلاد. وتراجعت قيمة العملة اللبنانية بمقدار النصف في ثلاثة أشهر، ومُنِع المواطنون العاديون من الوصول إلى مدخراتهم؛ في إطار سعي البنك المركزي إلى تجنُّب الانهيار المالي.

 

وتوقَّف أصحاب العمل عن دفع الرواتب، وبدأت الأدوية الضرورية تنفد من المستشفيات، والناس يتضورون جوعاً، في حين تتوقف عجلة الاقتصاد.

وقال بشار الحلبي، مُحاضر بالجامعة الأمريكية في بيروت، والذي يدعم المظاهرات: «وصل الناس إلى نقطة اللاعودة. فهُم يحتجُّون سلمياً في الشوارع منذ 90 يوماً، ولم يسمع لهم أحد».

وأعرب بعض المتظاهرين عن قلقهم من وجود دخلاء يسعون إلى دفع المظاهرات نحو العنف والعنف؛ لتبرير القمع القاسي وردع المواطنين العاديين عن المشاركة. وقد صاحَب التحولَ في المظاهرات نحو مزيد من التكتيكات الصدامية، انخفاضٌ ملحوظ في أعداد الناس المشاركين في المظاهرات.

وقال إلياس، وهو متظاهر يبلغ من العمر 22 عاماً رفض الكشف عن اسمه الكامل: «هناك محرِّضون بيننا، وهم ليسوا مؤيدين للاحتجاجات ويريدون أن يشوهوا صورتنا»، وذلك في حين ينضم إلى المتظاهرين أمام حاجز أقامته الشرطة لمنع الوصول إلى البرلمان، قبل اندلاع أعمال العنف يوم السبت.

وتخللت الاحتجاجات، العام الماضي، حوادث عنف بعدما خرج إلى الشوارع مؤيدون لحركتي «أمل» و «حزب الله»، تصدياً للمتظاهرين. 

  

 لعبة «حزب الله»

لكنَّ حزب الله، حليف إيران، يعرب الآن عن استعداده لدعم حركة الاحتجاج، حتى في الوقت الذي تضغط فيه من أجل تشكيل حكومة جديدة لا تضم سوى داعميها. ووفقاً لممثلين عن حركة الاحتجاج وسياسيين متحالفين مع حزب الله، أرسلت الحركة الشيعية القوية ممثلين، ليبحثوا مع المتظاهرين السبل التي يمكن أن تسهم بها في دعم قضيتهم.

ويبذل حزب الله جهوداً حثيثة؛ من أجل الموافقة سريعاً على تشكيل حكومة جديدة بقيادة مرشحه، حسن دياب، الأستاذ في الجامعة الأمريكية ببيروت، الذي شغل سابقاً منصب وزير للتعليم.

وأفادت مصادر شاركت في المباحثات بين حزب الله والمحتجين، بأنَّ حزب الله يأمل أن ينجح تعيين دياب في تلبية مطالب المحتجين، بحكومة تخلو من النخب السياسية التقليدية، التي يعتبرها كثيرون المسؤولة عن انزلاق لبنان نحو الإفلاس.

لكن مع تسرب أسماء الوزراء المرشحين غير المألوفين إلى الصحافة، اكتشف اللبنانيون أنَّ وراءهم شخصيات مؤسسية قوية. ويستبعد محللون أن يُرضي الإعلان المتوقع عن حكومة دياب المحتجين أو يلبي شروط المجتمع الدولي لتقديم مساعدات اقتصادية ومالية مُلحِّة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي