ماذا يعني الحب عند كبار السن؟

المصدر : What "Love" Means When You're Old
2019-11-29

يقول المثل الإيطالي: «لا أحد كبير على الشوق».

خلافًا للاعتقاد السائد غالبًا ما يكون الحب عند كبار السن أكثر سعادةً، وأكثر ارتباطًا عاطفيًا من نظرائهم الأصغر سنًا، ومع ذلك قد تختلف طبيعة هذه الروابط الرومانسية، وذلك بحسب ما جاء في مقال للكاتب هارون بن زئيف في مجلة «سيكولوجي توداي» الأمريكية المتخصصة في مجال علم النفس.

النضج والسعادة

يقول رجل في الثلاثينات من عمره يحب امرأة في الخمسينات من عمرها: «الهدوء الناضج مثير حقًا. أنا مفتون بالهدوء وتقبُّل عشَّاقي الأكبر سنًا، الذين يركزِّون على الوقت الحاضر دون مراعاة مخاوف المستقبل».

وأشارت المجلة إلى أن الاعتقاد الشائع الذي يتمثل في أن السعادة والحب الرومانسي يتضاءلان مع تقدُّم العمر بسبب تدهور القدرات البدنية والعقلية هو اعتقاد غير دقيق، فغالبًا ما يكون كبار السن أكثر سعادةً ورضًا عن حياتهم وزيجاتهم من الشباب، بحسب ما نعرفه الآن.

ربما عندما ندرك أن سنواتنا معدودة في هذه الحياة، فإننا نغيِّر وجهة نظرنا ونركز على التجارب الإيجابية الحالية، التي من المرجح أن تتكوَّن من الهدوء والسكينة بدلًا عن الإثارة والفرح.

وتلخِّص أستاذة علم النفس في جامعة كاليفورنيا الأمريكية سونجا ليوبوميرسكي هذه النتائج، إذ قالت إنه بالنسبة لكثير من الناس فإن أفضل سنوات العمر تكون في النصف الثاني من حياتهم. ومع ذلك هناك قدر كبير من التنوُّع في هذه المرحلة العمرية أيضًا، إذ يُصاب بعض كبار السن بالاكتئاب ويخشون الموت.


ويؤكد الكاتب الحاصل على الدكتوراه من جامعة شيكاجو الأمريكية أنه «يبدو أن النضج يتعارض مع التجديد والإثارة. فلا عجب أن الشباب يُعتبرون أكثر عاطفيةً من كبار السن. وهذا – بالطبع – لا يعني أن التجارب الإيجابية المثيرة – وكذلك السلبية – لا تحدث في جميع الأعمار. وتتولد المشاعر الجيَّاشة عبر التغيير، في حين أن النضج ينطوي على اعتياد متزايد على التغييرات وتصوُّرها على أنها أقل أهمية. وعلى الرغم من أننا نتمتع بكلٍ من الألفة والتجديد في جميع الأعمار، إلا أن التأثير النسبي للألفة يزيد في النضج».

وأوضح الكاتب أن السعادة المرتبطة بالحب الشديد تكمن في الشعور بالإثارة؛ ويمكن وصف السعادة المرتبطة بالحب العميق الناضج بالهدوء والسكينة.

ويشمل الانتقال من الشباب إلى الشيخوخة تحولًا في العلاقات الاجتماعية الوثيقة، بما في ذلك تغيير الاهتمام من الكم إلى الكيف. وقد قِيل إن المهمة التنموية الرئيسة للأزواج الشباب هي كيفية إدارة الخلافات، بينما تتمثل بالنسبة للأزواج الأكبر سنًا في الحفاظ على الدعم المتبادل.

التنازلات الرومانسية.. لأننا مخلوقات «قاصرة»

تقول فرقة «ذا رولينج ستونز» الموسيقية الإنجليزية: «لا يمكنك الحصول دائمًا على ما تريد، لكن إن حاولت أحيانًا قد تعثر عليه، ستحصل على ما تحتاج إليه».

لفت الكاتب في مقاله إلى أنه «في التنازلات الرومانسية، نتخلى عن قيمة رومانسية – مثل الحب العاطفي – في مقابل قيمة جودة الحياة غير الرومانسية. وينشأ هذا التنازل من الوعي بأننا مخلوقات قاصرة؛ لا يمكننا دائمًا تحقيق مُثُلنا العليا. ويعتمد البقاء على قيد الحياة أحيانًا على المرونة، بالرضا بشيء أقل، أو ربما مختلف عما قد نريد».

وتُعَبِّر التنازلات الرومانسية عن نوعٍ من النضج. وكما في النضج، تعكس التنازلات تقبلًا لأوجه قصورنا ووضعنا الحالي. ومع ذلك، خلافًا للنضج، يكون التقبُّل في التنازلات تقبلًا سلوكيًا بالأساس، وليس تقبلًا متعلقًا بالمواقف. وطالما أن الوضع لا يزال يُعتبر تنازلًا، فإن الفرد في أعماقه لا يتقبَّل ذلك بالفعل. وفي اللحظة التي يتقبَّل فيها الناس أي تنازل من صميم قلوبهم، فإنه بذلك لا يكون تنازلًا بالمعنى الحرفي له.

الحب الناضج لا يعني الرومانسية

تقول الكاتبة بمجلة «سيكولوجي توداي» الأمريكية هارا إستروف مارانو: «تتقلَّص آفاق الرومانسية بالفعل في سن أكبر؛ بالتأكيد، هناك حالات أقل عدديًا وعاطفيًا. وهذا يجعل الكثير من الناس على استعداد للبقاء في منطقة راحتهم وعدم الدخول في علاقة أو توقُّع حدوث مجرد علاقة لهم دون فعل أي شيء».

وبيَّنت المجلة أن الحب الناضج لا يكون غالبًا كل ما يعنيه الحب الرومانسي العاطفي. لذلك، يقول كثير من الناس إنهم لا يريدون أن يصبحوا ناضجين أبدًا، لأن الرضا بما هو ممكن مع تجاهل المرغوب فيه يمكن أن يكون علامة على تراجع الحماس والتلقائية. ومع ذلك هذا هو بالضبط ما يفعله الناس عندما يتنازلون.

الأشخاص الذين يتصرفون بطريقة غير ناضجة يكونون جذَّابين للغاية: إنهم مفعمون بالحيوية والفرح والشباب، ويعيشون اللحظة كما لو لم يكن هناك غد. ومع ذلك مثل الأطفال غالبًا ما يكونون متناقضين وغير متزنين.

وللمفارقة نريد أن ينضج الأطفال، وأن يتعلموا تقييم الاعتبارات طويلة الأجل، بينما نريد أن ينسى البالغون الأكبر سنًا القلق بشأن التهديدات طويلة المدى، وأن يعبِّروا بصورة أكبر عن عواطفهم. لا نريد أن نفقد جوانبنا الإيجابية الطفولية. نريد أن نكون متفائلين ومخلصين، وأن نحب بشغف. نريد أن نعشق بعضنا البعض، على الرغم من عيوبنا الواضحة.

نريد أن نفهم بعضنا البعض جيدًا، ولكن في الوقت ذاته نودّ أن تكون وجهات نظرنا تجاه بعضنا البعض متفائلةً نسبيًا حتى نتمكن من إيواء بعض الأوهام الإيجابية. نريد أن نحافظ على الانتعاش والفِطرة والحماسة التي نربطها بالأطفال مع كونهم بالغين ناضجين يقفون بجانب بعضهم البعض عبر الألم الذي ينشأ حتمًا خلال العلاقات الرومانسية طويلة الأمد. نريد أن نتغلب على المشكلات، ليس عن طريق تغيير بعضنا البعض، ولكن عن طريق تغيير نظرتنا وموقفنا تجاه بعضنا البعض.

ونوَّه الكاتب إلى أن «الأشخاص الذين يتصرفون بطريقة غير ناضجة يكونون جذَّابين للغاية: إنهم مفعمون بالحيوية والفرح والشباب، ويعيشون اللحظة كما لو لم يكن هناك غد. ومع ذلك مثل الأطفال غالبًا ما يكونون متناقضين وغير متزنين؛ مما يجعلك تتساءل عما إذا كانوا سيحبونك غدًا عند مقابلة شخص آخر مثير يمكِّنهم من احتضان الحياة الرومانسية بالكامل من منظور آخر».

الحب في سن الشيخوخة

يقول الشاعر والمترجم والعالِم الأمريكي جون سياردي: «الحب هو الكلمة المُستخدمة لتسمية الإثارة الجنسية للشباب، وترويض متوسطي العمر، والاعتماد المتبادل لكبار السن».

وألمح الكاتب إلى أن «ثمة وجهة نظر سائدة تعتبر كبار السن غير قادرين على تجربة حب حقيقية، حيث من المتوقع أن تنخفض رغبتهم الجنسية وقدراتهم البدنية مع تقدُّم العمر. هذه فكرة ساذجة ومشوَّهة. فغالبًا ما يكون الحب في سن الشيخوخة أعمق من الحب في سن الشباب».


وتقول عالمة النفس ومديرة مركز «دراسة المعمرين» بجامعة ستانفورد الأمريكية لورا كارستنسن إنه «على الرغم من أن العمر الزمني يُعد مؤشرًا ممتازًا – وإن كان غير كامل – للقدرات المعرفية والسلوك، إلا أنه لا يكون مؤشرًا جيدًا في سن متأخرة من العمر. ويُعتبر الجانب الزمني الإضافي الذي يصبح أكثر أهمية من الوقت منذ ولادتنا هو الشعور الشخصي بوقتنا المتبقي حتى الموت».

وتوضح لورا كارستنسن أنه مع تقدُّم الناس في العمر وزيادة الشعور بضيق الوقت وتقلُّص آفاقهم تدريجيًا، فإنهم يغيِّرون أولوياتهم. على سبيل المثال: إنهم يولون أهمية أقل للأهداف التي توسِّع آفاقهم، وأهمية أكبر للأهداف التي يستمدون منها معنىً عاطفيًا موجودًا.

وتضيف لورا كارستنسن أن كبار السن يمتلكون شبكات اجتماعية أصغر، وهم أقل انجذابًا للتجديد من الشباب، ويقللون من مجالات اهتمامهم. ومع ذلك، فإنهم يبدون سعداء مثل – إن لم تكن أكثر سعادة من – الشباب. وهذا أمر منطقي، كما هو الوضع في حالة تناقص الآفاق، يعطي الناس الأولوية لتعميق العلاقات القائمة وتطوير الخبرات في مجالات الحياة المُرْضِية بالفعل.

وتقول عالمتا النفس سوزان ترك تشارلز ولورا كارستنسن: إنه غالبًا ما يختبر الأفراد الأكبر سنًا أزواجهم كمحبين، سواء عند الاختلاف أو عند أداء المهام المشتركة. وربما يخوض الأزواج الأكبر سنًا خلافات زوجية أقل من نظرائهم الأصغر سنًا، على الرغم من أنهم يفيدون بأن الروابط الجنسية أقل أهميةً في حياتهم. ويبدو أن حب العِشْرة – الذي يقوم على الصداقة – هو السمة الجوهرية لعلاقاتهم. وتكون العلاقات الحميمة في الشيخوخة متناغمةً ومُرْضِيةً نسبيًا.

وأردفت المجلة قائلةً: «إن التنازلات الرومانسية تصبح أقل خلافيةً مع تقدّمنا في العمر. وبمرور الوقت يعتاد الناس على الصفات السلبية لأزواجهم. ويتعلمون التعايش معها مع التقليل من آثارها السلبية. فعندما ندرك أن وقتنا ينفد، وأن خياراتنا آخذة في التناقص، نكون على الأرجح أكثر تقبلًا لأوجه قصورنا، ولا نشعر بأننا تنازلنا بسبب عدم اتّباع خيار جذَّاب».

وتضيف سوزان ترك تشارلز ولورا كارستنسن أنه علاوة على ذلك، مع اعتماد كبار السن أكثر على بعضهم البعض، تتحوَّل السلاسل الزوجية إلى أيدي مساعِدة. وعلى الرغم من شعورهم بالسلبية مثل الشباب، إلا أن الأفراد الأكبر سنًا قد يكونون أكثر مرونةً في مواجهة التوترات في علاقاتهم المُقرَّبة. ويكون كبار السن أكثر قدرةً على وضع الخلاف في نصابه.

ملاحظات ختامية

ويبدو أنه في سن الشيخوخة عندما تتدهور القدرات المعرفية والجسدية تزداد قدرة الشخص على الرضا عن قرينه. هذا يقلل من الخلافات الزوجية، وكذلك تجربة التنازل الرومانسي. ويكون كبار السن أكثر استعدادًا لتبني الموقف البنَّاء المتمثِّل في الاستفادة القصوى مما لديهم بالفعل. ولا يتركز اهتمامهم على امتلاك المزيد، ولكن على خسارة القليل.

واختتم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن «كبار السن ليسوا كبيرين على الحب».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي