كراسي خضير الحميري تفضح فساد السلطة

2019-10-27

وارد بدر السالم*

لطالما استعمل فنانو الكاريكاتير العرب الكرسي في أعمالهم الساخرة من السلطة المستبدة، وتلك الفاضحة لجشع السياسيين للوصول إلى كرسي السلطة بأي ثمن. ولعل الوضعية الفنية الأكثر شعبية في أعمال الفنانين الذين استعملوا الكرسي هي وضعية التشبث به دليلا على التشبث بالسلطة بأي وسيلة، حتى لو كان ثمن ذلك خراب الكرسي وسقوط الجالس عليه.

اختار فنان الكاريكاتير العراقي خضير الحميري في معرضه الأخير 36 لقطة كاريكاتيرية أوجزت واقع الفساد في السلطة وما حولها بطريقة تبدو رمزية في إطارها العام تحت عنوان “كراسي” بمفهومية الرمز الذي يحمله المعنى العام للكرسي ودلالاته السياسية المباشرة.

لكنها خرجت من حاضنة سياسية محلية بالشكل الذي دلّت عليه لقطات المعرض ولوحاته الصغيرة التي ابتكرت مضامينها من واقع السياسة العراقية، ومن الذين تشبثوا بالكرسي رمزا للبقاء في السلطة والنفوذ.

 ثيمة الكرسي الواحدة التي اشتغل عليها الحميري في هذا المعرض هي اختزال لواقع السياسة المرير، وفضح لسلوكيات السياسيين الذين عبثوا بالحياة ، وبوح واضح لتحويل الكرسي من مربع صغير للجلوس إلى حالة انفصام شخصية غيّرت المفهوم الطبيعي للكرسي إلى صيغة استحواذ غير مهذبة للنفوذ والتسلط والإرهاب السياسي أيضا، وبالتالي كانت كل اشتغالات الفنان على هذا الرمز بإيحاءات جليّة أوضح فيها مفهوم العبث السياسي وتقرير مصائر البشر من خلال هذا الرمز الشعبي، لذلك كانت السخرية نوعا من أنواع الفضح بتحويل شكل الكرسي إلى سلطة ثابتة لكن بأشكال ضاحكة ومهيمنات دالّة، تشي بمهارات اللقطات ذات المزاج الساخر التي برع فيها الحميري، وهو صاحب التجربة الطويلة في هذا الفن الصعب.

أقام عددا من المعارض العربية والعالمية في بلغاريا والمكسيك واليابان ومصر والمغرب وبلجيكا.

الخطوط البسيطة والخاطفة سمة لهذا الفنان المجتهد الذي حاول أن يقرّب مفهوم الكرسي شعبيا، وإخراجه من الدائرة المغلقة، سياسيا، إلى الفضاء الاجتماعي ومعاينته نقديا صراحة أو تلميحا بمبالغة وتهويل يستند عليه هذا الفن الساخر، لتقريب صورة الكرسي شعبيا برمزه السياسي الشاذ.

ومن هذا التهويل اللافت يقول الحميري: الكرسي من أشهر قطع الأثاث وأكثرها ألفة واستخدما في حياتنا.. لكنه شُوّه على نطاق واسع بدلالة السلطة والهيمنة والنفوذ.

وقد كان الكرسي حاضرا في مخيال الفن التشكيلي لأسباب جمالية وفلسفية، ويُعد كرسي فان كوخ من أشهر الكراسي المرسومة، والكرسي ذو الأرجل المكسورة أمام مبنى الأمم المتحدة في جنيف لدانيال بيرست هو الأشهر بين الكراسي المنحوتة.

إنّ خروج الكرسي كقطعة أثاث أليفة إلى دائرة السياسة جعل منه فرجة مسرحية شعبية يتداولها العامة على نطاق واسع في البلاد العربية عموما، ونكتة سمجة متداولة تتنقل وتكبر حتى تصل إلى الرسم الكاريكاتيري، ليختصر تلك التداولات بطريقته الفنية المعبّرة.

  أحد رواد فن الكاريكاتير في العراق وهو الرسام المعروف في مجلة ألف باء لفترة طويلة تزيد على العقدين من الزمان

 وهذا ما كرّسه الفنان الحميري في 36 لقطة ساخرة بأسهل الخطوط التعبيرية وأكثرها دقة في محاولة التأثير على المتلقي وتكريس روح السخرية فيه، عبر لوحات مفتوحة واضحة المعاني، وأخرى معنونة لجعل الكلمة في تماس مباشر مع التخطيط والرسم لتجسير العلاقة بينهما، وبالتالي إشراك المتلقي في هذه الفضيحة التي يسمونها “كرسي السلطة”.

 

إن العنونة بوصفها عاملا مساعدا ومفسّرا أيضا لمثل هذا النوع من الرسوم كشفت ماهية الكرسي بالتسقيط والتلميع والحاكم والمحكوم واللصق بالمسامير والمحاربة بأرجل الكرسي ودولاب الكراسي وشجرة العائلة المتعلقة فيه، حتى وصلت إلى “المتمسكين” بالعملية السياسية عبر أرجله المتغيرة والمتحركة التي أتقن الحميري حركتها بين لقطة وأخرى، ودفع بها إلى تفكيك الحالة بوجهها السياسي، راصدا بلمّاحية عالية إسقاطات الكرسي وتداعياته ورموزه الواضحة في الكشف عن بشاعة المتآمرين على هذا الكائن البيتي الأليف الذي شغلته السياسة الفاسدة وأجهزت على معناه الاجتماعي والوظيفي.

  • روائي عراقي






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي