"الباباوان" مسرحية تدعو إلى التسامح بين الأديان

2019-10-06

فيصل عبدالحسن*

أكد نجاح مسرحية الأطفال “الباباوان” التي عرضت مؤخرا على مسرح محمد الخامس بالرباط وسط تفاعل كبير من جمهور الأطفال وذويهم، حاجة المغرب إلى زيادة العروض الخاصة بمسرح الطفل، لما لهذا المسرح من أهمية تربوية واجتماعية وذوقية للأطفال، خاصة وأن العرض أتى دعوة إلى المحبة والتسامح بين الأديان.

لا جنسية في فعل الخير

اجتمع النّقيضان؛ الخير والشر، في مسرحية للأطفال تطلبت من كاتبها ومخرجها مهارات خاصة، لجعلها ذات رسالة تربويّة وجماليّة ممتعة في الوقت ذاته، وتحمل مجموعة من الجماليات العامة، التي تثري قاموس الطفل المعرفي. وهو ما تمكّنت من تحقيقه المسرحية المغربية  "الباباوان” في عرضها الأخير على مسرح محمد الخامس بالرباط وسط تفاعل كبير من جمهور الأطفال وذويهم على حدّ سواء.

وطرحت المسرحية شخصية “بابا عيشور” الرجل الصالح والمحبوب، الذي يزرع السعادة في قلوب الصغار والكبار، ويفرحهم بحضوره، في حين يتجنب الأشرار غضبه، فهو يحضر

في فترة عاشوراء، ويصب الماء على من يغضب عليه، فيصيبه النحس.

وبابا عيشور حسب الفُولكلور المغربي يأتي من الوادي، المملوء بمياه السيول، لكي يُفرح النساء والأطفال، فتغنّي له النسوة، وهنّ يقرعن الطبول قائلات “عيشوري عيشوري.. عليك دليت شعوري”، ويهربن منه عندما يرشّهن بالماء ضاحكات مسرورات ومعهنّ صغارهنّ.

وفي المقابل، أبرزت المسرحية كذلك “بابا نويل” الذي يمثّل الشخصية التي تداعب خيال جميع الأطفال الأوروبيين. والتي تعود إلى شخصية حقيقية عاشت في القرن السابع عشر، ويدعى القديس نقولا، الذي كان قبل العيد يوزّع على بيوت الفقراء هداياهم من دون أن يعرفوا من وضع لهم تلك الهدايا.

  بابا "عيشور" حسب الفُولكلور المغربي يأتي من الوادي المملوء بمياه السيول.. لكي يُفرح النساء والأطفال

ولذلك يتوقع الأطفال في العالم المسيحي حضوره في فترة أعياد الميلاد، ودخوله بيوتهم في منتصف الليل من خلال المدخنة أو فتحات الأبواب أو النوافذ، حاملا كيس هداياه على زلّاجته السحرية، التي تجرّها الأيائل البيضاء وهي طائرة، قادمة من القطب الشمالي، وعليها الهدايا التي أحضرها له مساعدوه من الأقزام، الذين يخدمونه وزوجته كلوز، ليحقّق بها أحلام وأمنيات الأطفال، التي دوّنوها في رسائلهم ليلة العيد، وتركوها في أمكنة بارزة من منازلهم.

ومن ثمة عكست مسرحية “الباباوان” الشخصيتان الخياليتان في أذهان الأطفال بكامل رمزية كل منهما، وحمولتيهما الفكريتين، حيث مثّل الأول واجهة إسلامية تراثيّة بينما مثّل الثاني واجهة مسيحيّة فولكلورية.

وهذه الرمزية بين البابا العربي ممثلا في بابا عيشور، والبابا الغربي ممثلا في بابا نويل، جعلت مسرحية “الباباوان” في مضمونها العميق تأتي في شكل دعوة صريحة إلى المحبة والتسامح بين الأديان، فالطفلان اللذان يعملان كمهرجين في السيرك في المسرحية يبحثان عن المغامرات، ويهويان رواية القصص الخياليّة على جمهورهما. وهما يحاولان جهدهما إصلاح ذات البين بين الرجلين بابا عيشور وبابا نويل، اللذين يختلفان حول أيهما أحقّ بإسعاد الأطفال والكبار، وزرع الابتسامات على وجوههم؟

فبابا عيشور يرى أنه أحقّ بهذا الشرف، بينما يؤكّد بابا نويل أن إسعاد الناس هي مهمته منذ زمن بعيد. ليتّسم صراع الاثنين بالعديد من المواقف الكوميديّة التي أضحكت جمهور الصّغار، وجعلت الصراع ممتعا وممتدا على مساحة زمنية قاربت الأربعين دقيقة، وهو الوقت المناسب لأي عرض مسرحي موجّه للأطفال، لئلا يتشتّت تركيزهم، ويفتقد بعضهم بهجة المتابعة والدهشة.

إصلاح ذات البين

واستخدم مخرج المسرحية عبدالكبير الركاكنة الموسيقى والملابس التراثيّة البرّاقة التي لفتت أنظار الأطفال وأثارت فيهم البهجة، وحرص على تقديم مشهديّة حركيّة راقصة، مصحوبة بمؤثرات صوتيّة وبصريّة من خلال استعمال الإضاءة الملوّنة.

وحرص المؤلف سعيد غزالة على كتابة حكايات متواصلة كل واحدة مكمّلة للأخرى، ممّا جعل العرض سلسا، حيث تابعه الأطفال، وفق قدراتهم التخيليّة، وكان البعض منهم بسبب مراقبتهم لما يحدث على الخشبة وتماهيهم مع الأحداث، يحاولون الحلول مكان الطفلين المغامرين، اللذين يعملان على التوفيق بين بابا عيشور وبابا نويل، وذلك من خلال الضحك وإطلاق كلمات التشجيع للطفلين، موجّهين الممثليْن بأن يفعلا كذا وكذا.. مشاركين في أحداث المسرحية التي تدور أحداثها أمامهم.

وما يحسب للمسرحية علاوة على كل ما سبق تمتّعها بحوار سهل ومشاهد لا تخلو من التشويق حتى بلوغ النهاية السعيدة، كما تميّز النص بابتعاده عن الأسلوب الوعظي المباشر. وكانت عبارات الممثلين: خديجة علوش وأحمد بورقاب وخالد المغاري وسعيد غزالة، واضحة المخارج، ممّا خلق فرصة للتواصل بين الممثلين وجمهور الصغار.

وجاء رسم الشخصيات بهيئة واضحة لا لبس فيها، حيث لا يحتار الطفل في حل شفراتها، فبابا عيشور يرتدي القفطان المغربي الأنيق، والكرزية الخضراء، وهو زيّ تقليدي معروف للطفل المغربي، بينما بابا نويل، أتى في هيئة شيخ طاعن في السن، تتمّيز ملابسه بلونها الأحمر، وأطرافها البيضاء، ونصف وجهه الأسفل مغطى بلحية كثَّة ناصعة البياض، كما هو حاله في الرواية الغربية.

وتنتهي مسرحية “الباباوان” بالتصالح بين بابا عيشور وبابا نويل، أو ما يسمى في بعض البلدان الأوروبية بـ”سانتا كلوز”، ويتفقان على التعاون على عمل الخير، وفق أحداث منطقية ومتتابعة حتى النهاية السعيدة، ويمكن فهمها من قبل الطفل دون أي عناء يذكر.

 *كاتب عراقي

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي