متى تتوقف موجة نزوح المستثمرين من أسواق الأصول الخطرة؟

الامة برس
2019-09-08

 

خلال الفترة السابقة ومع بداية اشتعال الحرب التجارية والأزمات التي تعصف بالاقتصاد العالمي كان من المنطقي والطبيعي أن يتجه المستثمرون إلى أسواق الأصول والملاذات الآمنة، ما تسبب في خسائر عنيفة طاردت أسواق الأسهم العالمية طيلة الفترة الماضية.

 

لكن مع عدم وجود أي بوادر على حلّ الخلافات التجارية الدائرة بين الولايات المتحدة والصين، وفي الوقت نفسه استمرار التوترات الجيوسياسية التي تضع منطقة الشرق الأوسط على صفيح ساخن، يبقى السؤال: متى تتوقف موجة نزوح المستثمرين وهروبهم من أسواق الأسهم والأصول الخطرة إلى سوق الأصول والملاذات الآمنة؟

 

تحسن النشاط الاقتصادي بنهاية العام الحالي

 

في مذكرة بحثية حديثة، قال بنك "جي.بي.مورغان" إن هذا هو الوقت المناسب لشراء الأصول الخطرة، مشيراً إلى أن الأسهم العالمية تتجه إلى تحقيق مكاسب بنهاية العام الحالي.

 

وقال محللون في البنك إن المؤشرات الفنية الإيجابية والتيسير النقدي من المحتمل أن تتجاوز آثار حالة عدم اليقين التجاري بين الولايات المتحدة والصين. وخلال الفترة الماضية، اتجهت البنوك المركزية إلى التيسير النقدي، وكان أبرزها الاحتياطي الفيدرالي الذي قرر خفض الفائدة للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

 

وأضاف محللو البنك "نحن ننصح في الوقت الحالي بالعودة إلى الأصول الخطرة، فقد تحسنت المؤشرات التكتيكية". وتابعوا "من المسلم به أن الخطوة التالية في التجارة هي الخطوة الأساسية في كل هذا".

 

تأتي توصية البنك الأميركي بعد الموجة البيعية التي شهدتها أسواق الأسهم العالمية خلال الشهر الماضي نتيجة للحرب التجارية الدائرة بين أكبر اقتصادين في العالم.

 

ويرى "جي.بي.مورغان" أن زخم النشاط الاقتصادي العالمي من المحتمل أن يتحسن بنهاية العام الحالي، مع زيادة هوامش الأرباح خلال نفس الفترة.

 

هل حان وقت اللجوء لأسواق الأسهم؟

 

خبير الاقتصاد والمحلل المالي، الدكتور أحمد رفعت، يرى أن أسواق الأسهم هوت بما يكفي لأن تلفت انتباه المستثمرين، بخاصة بعدما تراجعت غالبية الأسهم بنسب كبيرة لدرجة أن يتم تداول بعض الأسهم بأقل من قيمتها وقت الطرح.

 

وأوضح، أن الأزمة التي تواجه أسواق المال والأصول الخطرة في الوقت الحالي تتمثل في عدم ثقة المستثمرين فيها، بخاصة مع استمرار الحروب التجارية وتواصل التوقعات السلبية الخاصة بمستقبل النمو والاقتصاد العالمي.

 

وعلى الرغم من الخسائر التي تكبدتها غالبية أسواق الأسهم، لكن النتائج الإيجابية التي تعلنها الشركات المدرجة في أسواق المال العالمية تؤكد أن هذه الأسواق تجاوزت المخاطر العنيفة وأصبحت تتعامل بشكل جيد من كل توتر جديد، سواء في ملف الحروب التجارية أو على صعيد التوترات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

 

المستثمرون يتجاهلون خسائر أسواق الأسهم

 

ووفقًا لتقرير "كابجيميني وورلد ويلز"، فإن الأشخاص الذين يمتلكون ثروات كبيرة، أي لديهم مليون دولار من الأصول القابلة للاستثمار في الأقل، أصبحوا يتجاهلون أسواق الأسهم بشكل متزايد، وخلال الربع الأول من هذا العام احتفظت هذه الشريحة بنحو 28% من محافظها في صورة "كاش"، ارتفاعاً من 27.2% قبل عام.

 

وفي الوقت الحالي يبلغ إجمالي الحيازات السائلة "الكاش" للعملاء لدى "يو. بي. إس."، وهو أكبر مدير للثروة في العالم، نحو 26% ارتفاعاً من 25% عند بداية العام، فيما يقول مصرف "كريدي سويس" إن العملاء يحتفظون بنسبة 29% من أصولهم في صورة "كاش"، انخفاضاً من 30% في بداية العام الحالي.

 

ويرى مديرو الثروات أن عدم اليقين بشأن الاقتصاد العالمي والتوقعات بالنسبة إلى الأسهم السبب في تمسك العملاء بـ(الكاش) وخوفهم من المخاطرة. وتسببت عوامل مثل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في دفع بعض المستثمرين إلى زيادة حيازاتهم النقدية.

 

ويظهر المسح الفصلي لبنك "يو. بي. إس." أن ثلث المستثمرين يعتقد أن الصراع بين واشنطن وبكين ربما يستمر لمدة عام أو أكثر، ورأى 45% منهم أن تنويع المحافظ الاستثمارية هو الحل الأمثل لتجاوز آثار الحرب التجارية الطويلة، فيما قال 37% منهم إن الاحتفاظ بالنقد هو الحل.

 

لكن مديري الثروات غير راضين عن هذا التوجه لأسباب تجارية مفهومة، والبنوك في سويسرا على وجه الخصوص، حيث بلغت أسعار الفائدة سالب 0.75%، وتم تمرير هذه الأسعار إلى العملاء ذوي الأرصدة العالية. وعطّلت مصارف بقيادة "كريدي سويس" و"يو. بي. إس."، تمرير هذه الفائدة إلى العملاء لبعض الوقت، لكنها قالت أخيرا إنه سيتعين عليها تمرير الأسعار السالبة في نهاية المطاف.

 

وإذا كان بإمكان الأثرياء فعل الكثير بأموالهم، مثل الاستثمار في الأسهم الخاصة أو غيرها من الأصول البديلة أو شراء العقارات أو حتى تداول الأسهم في البورصات، فإن مديري الثروات يولدون المزيد من الأموال بفضلها. ويشعر مديرو الثروات بالإحباط لأن العملاء ينظرون إلى (الكاش) باعتباره الرهان الأكثر أماناً بسبب الفائدة السالبة. وفي إشارة إلى تجنب الكثير من المستثمرين لأسواق الأسهم رغم الاتجاه الصاعد، يرى كبير مكتب الاستثمار في بنك "يو. بي. إس."، مارك هيفيل، أن التفكير في كيفية تحرك السوق منذ الأزمة المالية يبدو مفزعاً.

 

ومع ذلك، فإن تصور المخاطر يظل أمراً عاطفياً، إذا شعر الناس بالراحة عند دفع أموال إضافية في صورة فائدة سالبة ورضوا بالخسارة المعلومة لهم جيداً بدلاً من الخسائر المجهولة، والتي قد تكون أكبر على الأصول ذات المخاطر العالية، فقد يكون من الصعب على مديري الثروات إثناؤهم عن ذلك.

 

وأشار "يو. بي. إس." إلى أن من احتفظوا بسبائك الذهب في منازلهم لن يواجهوا مشكلة في العثور على أموالهم، وقد يكون المعدن النفيس الخيار الأسوأ بالنسبة إلى مديري الثروات حال بحث المستثمرين عن حل أكثر أماناً لحماية محافظهم، وربما على مديري الثروة الاكتفاء بالمشاهدة واحترام رغبة المستثمرين في اقتناء (الكاش) خلال المرحلة الحالية.

 

873 مليار دولار خسائر الشهر الماضي

 

وتشير بيانات حديثة لمعهد التمويل الدولي إلى أن أسهم الأسواق الناشئة تكبدت خسائر بلغت تقديراتها ما يفوق 873 مليار دولار خلال الشهر الماضي، في حين سجلت عملاتها أسوأ أداء في شهور أغسطس (آب) منذ العام 1997؛ وذلك في وقت أظهرت فيه بيانات المعهد أن المستثمرين سحبوا نحو 14 مليار دولار من الأسواق الناشئة في أغسطس (آب) الماضي، وهو أكبر نزوح للأموال من تلك الأسواق منذ أن فاز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2016.

 

وفي تقرير حديث، أشار إلى أن صندوق استثمار "آي شيرز"، الذي يتتبع مؤشر "مورغان ستانلي" لصناديق المؤشرات المتداولة بالأسواق الناشئة، سجل زيادة قياسية في نسبة الأسهم المبيعة على المكشوف، وذلك مع تبدد كل مكاسب صناديق المؤشرات المتداولة بالأسواق الناشئة هذا العام تقريباً، وتراجعت مبيعات السندات بالدولار الأميركي إلى أدنى مستوى منذ 42 شهراً.

 

وتوضح "بلومبيرغ" أن مجموعة من العوامل اجتمعت لتسبب هذا التراجع، أهمها جاء من الولايات المتحدة، وأن ما حدث في أغسطس (آب) الماضي، ظهرت مقدماته في نهاية يوليو (تموز) الماضي، عندما قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، إن خفض سعر الفائدة بنحو 25 نقطة أساس، هو تعديل في منتصف دورة السياسة النقدية، وهو ما سبب فزعاً في الأسواق، ضاعفت منه بعد ذلك تصريحات الرئيس ترمب بشأن إمكانية فرض مزيد من الجمارك على الواردات الصينية إلى بلاده.

 

كما وجد المستثمرون دافعاً آخر لسحب أموالهم من الأسواق الناشئة بعد أن خفّض 12 بنكاً مركزياً في الأقل أسعار الفائدة. أما الاضطرابات في الأسواق الناشئة نفسها فقد لعبت دوراً كبيراً هي الأخرى؛ حيث تراجعت الليرة التركية بنسبة 4%، مع انخفاض توقعات نمو الاقتصاد التركي في عام 2020 إلى النصف، في حين أدت نتائج الانتخابات الرئاسية الأولية في الأرجنتين إلى ثاني أكبر انهيار في تاريخ بورصة بوينس آيرس، لتواجه خطر التخلف عن سداد ديونها السيادية للمرة التاسعة في تاريخها.

 

ويشير التقرير إلى استمرار العوامل السلبية الضاغطة على الأسواق الناشئة، إذ إنه في ظل عدم توقع التوصل إلى اتفاق تجاري قريباً بين الولايات المتحدة والصين، فإنه من المتوقع أن تستمر الموجة البيعية في الأسواق الناشئة.

 

ويظهر مؤشر معهد التمويل الدولي للتتبع اليومي لحركة الأموال، أن هناك 18 يوماً من أصل 21 يوماً خلال شهر أغسطس (آب) الماضي، شهدت تدفقات خارجة. وبحسب التقرير، فإن صافي تدفقات رأس المال للأسواق الناشئة، بما في ذلك تدفقات المصارف والاستثمار الأجنبي المباشر، بلغ 5.2 مليار دولار خلال شهر يوليو (تموز) الماضي، وهو ما يمثل تحسناً حاداً عن الشهر السابق له، والذي شهد صافي تدفقات خارجة بقيمة 42 مليار دولار.

 

ويرجع ذلك جزئياً إلى الانعكاس في التدفقات على الصين، والتي سجلت تدفقات صافية داخلة بقيمة 15 مليار دولار تقريباً في شهر يوليو (تموز) الماضي، مقارنة مع تدفقات صافية خارجة بنحو 8 مليارات دولار في الشهر السابق له.

 

المعدن الأصفر يزحف صوب 1600 دولار

 

ومع إصرار المستثمرين على الاتجاه إلى سوق الأصول والملاذات الآمنة، توقع بنك "بي.إن.بي.باريبا"، أن يرتفع سعر الذهب أعلى مستوى 1600 دولار للأوقية في العام المقبل، مع احتمالية خفض الفائدة الأميركية 4 مرات لمواجهة تباطؤ النمو الاقتصادي وتصاعد الحرب التجارية مع الصين.

 

وأوضح البنك في مذكرة بحثية، أن المعدن الأصفر سوف يستفيد من موافقة الاحتياطي الفيدرالي على 4 تخفيضات للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس بداية من هذا الشهر وحتى يونيو (حزيران) من العام المقبل. وأوضح أنه مع انخفاض العوائد الاسمية مع كل خفض لمعدل الفائدة ستتحرك المعدلات الحقيقية وتبقى في المنطقة السالبة مما يزيد من جاذبية الاحتفاظ بالذهب.

 

وحققت أسعار الذهب مكاسب قوية هذا العام، حيث ارتفع لأعلى مستوى في 6 سنوات مع اتجاه المستثمرين للملاذات الآمنة على خلفية تصاعد حدة التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة بالإضافة إلى تبني البنوك المركزية سياسية تيسيرية.

 

وأضاف "بي.إن.بي.باريبا" أن "الحرب التجارية من غير المحتمل أن تنتهي بسرعة، لذلك فإن الذهب سوف يستمر في دوره التقليدي كملاذ آمن". وأشار إلى أن متوسط سعر الذهب سيصل إلى 1400 دولار للأوقية في عام 2019، بزيادة 60 دولاراً عن التوقعات السابقة، و1560 دولاراً في عام 2020 بعد ارتفاع 130 دولاراً عن التوقعات السابقة.

 

وتوقع أن يواصل سعر الذهب ارتفاعه أعلى 1600 دولار وذلك خلال الربع الأول من عام 2020، وهذا في حال استمرار الفيدرالي الأميركي في دورة التيسير النقدي.

 

الذهب يستفيد من التوترات ويواصل الصعود

 

في سوق المعادن، ارتفعت أسعار الذهب عند تسوية تعاملات أمس الأربعاء، مع تعميق الدولار خسائره وسط ترقب تطورات سياسية واقتصادية عالمية.

 

ونجح المعدن النفيس في محو خسائره المسجلة في بداية التعاملات والتي وصلت إلى 10 دولارات، مستفيداً من هبوط قوي للدولار الأميركي وتزايد المخاوف حيال الوضع السياسي في المملكة المتحدة.

 

وكان الذهب قد حقق مكاسب قوية في تعاملات يوم الثلاثاء الماضي تجاوزت 26 دولاراً، على خلفية المخاوف البارزة من حدوث ركود اقتصادي عالمي وبخاصة بعدما انكمش النشاط الصناعي الأميركي للمرة الأولى في 3 أعوام خلال شهر أغسطس (آب) الماضي.

 

وفي ظل عدم التوصل إلى صفقة تجارية بين الولايات المتحدة والصين، فإن المستثمرين لا يزالون قلقين حيال التطورات التجارية.

وعند التسوية، ارتفع سعر العقود الآجلة لمعدن الذهب تسليم شهر ديسمبر (كانون الأول) بنحو 0.3% عند مستوى 1560.40 دولار للأوقية، بعد أن هبط إلى 1542.60 دولار في وقت سابق من الجلسة.

 

وارتفع سعر التسليم الفوري للمعدن بنحو 0.6% عند 1556.64 دولار للأوقية. وخلال نفس الفترة، تراجع المؤشر الرئيس للدولار، والذي يرصد أداء الورقة الأميركية مقابل ست عملات رئيسة، بأكثر من 0.5% مسجلاً مستوى 98.456







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي