تجريد القص والترابط في أعمال التشكيلية اليمنية ليلى ياسين

2019-09-04

أحمد الأغبري


صنعاء ـ  قدّم المعرض الشخصي الثاني للتشكيلية اليمنية الشابة ليلى ياسين، الذي أُقيم على رواق مؤسسة بيسمنت (القبو) الثقافية في صنعاء مؤخراً… إضافة متقدمة لتجربتها تقنياً وموضوعياً؛ فهي اشتغلت بمستوى مختلف على تكنيك (القص والتخييط) بين الأشكال، مستثمرة الفراغ (القص) في التعبير عن الاختلاف بين الأشكال (معتقدات ورؤى ومفاهيم ومواقف)، وكأنها تريد أن تقول من خلال (التخييط) إن الاختلافات يمكنها أن تتجه بالبوصلة إلى ما تكتمل به الصورة.

 

(15) لوحة ضمها المعرض، لم يجمعها موضوع واحد، لكن التكنيك تمدد ليشملها جميعاً، ما يجعلها موحدة في رؤيتها وتكنيكها، وإن جاءت كل لوحة تعبر عن موضوع مختلف من خلال موقف تمثلته الفنانة وعبرت عنه بحرية؛ وهي موضوعات تلتقي في جوهرها المتمثل في أن ما نختلف فيه نكتمل به أيضاً، لكن علينا أن نُعيد النظر لنتماهى جيداً بالصورة من حولنا؛ وهي صورة لا تلغي الخصوصية، بل تُزهرُ بالتنوع الذي يُحيل لحياة جميلة.

التزمت اللوحات المدرسة التجريدية مع قليل من السيريالية؛ وهاتان مدرستان تمنحان الفنان قدراً أكبر من الحرية في التعبير عن مواقفه بشكل غير مباشر، وفي المقابل تمنح المتلقي قدرة على قراءة النص البصري وفق ما يراه ويعتقده؛ فتتعدد التأويلات وتتنوع القراءات للوحة الواحدة، وهو ما حرصت عليه هذه الفنانة، ولعلها هنا تأثرت، مدرسياً، بتجربة والدها الفنان ياسين غالب، لكنها كما تقول «بقدر ما تأثرت بتجربة والدي في الاشتغال على هاتين المدرستين، إلا أنني حرصتُ على أن تكون لي بصمتي وتجربتي الخاصة، من خلال التكنيك والرؤية والموقف، والتعامل بقدرٍ من الحرية تمثلني أنا في التعبير عن أحاسيسي ومشاعري، مستفيدة مما تتيحه المدرستان التجريدية والسيريالية لكل فنان؛ إذ تمنحان الفنان مساحة من الحرية في التعبير غير المباشر وتوظيف الأشكال وفق موقفه ورؤيته؛ وهو تعبير ينضج من خلاله ، تدريجياً، الأسلوب الخاص، كما أن الحرية المتاحة للفنان هنا تُتاح في المقابل للمتلقي بشكل أوسع من المدارس الأخرى، من خلال منحه قدرة على التحليق في أي فضاء، قراءة وتأويلاً للوحة، وهنا قد تقول اللوحة أكثر مما قاله الفنان، وقد تذهب إلى أبعد مما ذهب إليه خلال إنجاز العمل».


كما تنوعت خامات أعمالها؛ فاستخدمت في اللوحة الكنفاس وفي بعضها القماش، كما استخدمت ألوانا مختلفة كالزيتية والإكريليك، وهنا تقول إنها استخدمت من الألوان ما كان متاحا لها، لكنها على الرغم من ذلك استطاعت استنطاق طاقات ألوانها، ما يؤكد مدى مهارتها في توظيف لغتها اللونية في التعبير عن أحاسيسها؛ فهي تسكب على اللوحة مشاعرها وتترجم رؤيتها وموقفها، ويأتي توظيف الألوان استجابة تعبيرية واعية أو غير واعية لما تريد قوله.


تضاد تعبيري

على صعيد الأشكال عمدت إلى استخدام أشكال هندسية واضحة في معظم، إن لم يكن في جميع الأعمال المعروضة، وتفصل بين تلك الأشكال فراغات وتجمع بينها خيوط ترابط، ومن هنا جاءت تسمية المعرض «ترابط»… وهي بذلك تقول إنها لم تستهدف تلك الأشكال كأشكال هندسية، وإنما لأن تلك الأشكال منتشرة حولنا وتحوي كل شيء نراه؛ وبالتالي جاء تعاملها معها كرمزية عما نختلف حوله من معتقدات ومفاهيم ورؤى وغيرها؛ ومن هنا فمن هذه الأشكال ما يأخذ منظوره الخاص، ونعتقد به منظوراً آخر، بينما هو شكل مجرد، وهنا صار الشكل جزءاً من أبجدية (لغة لونية) في سياق (معالجة شكلية) للفكرة تمثلتها اللوحة.


خلال تأمل الألوان والأشكال في كل لوحة يتضح للمشاهد أن ثمة تضادا تعبيريا بينهما؛ فالأفكار على ما فيها من غموض وسلبية يشعر بها المشاهد بعض الشيء جاءت الألوان مبهجة وتحمل طاقة إيجابية وتوحي بالوضوح، وهذا، كما تقول ليلى، انطلق من وعيها الجمالي في معالجة كل ما هو سلبي؛ فالحياة فيها السلبي وفيها الإيجابي، لكن في الأخير تبقى الحياة جميلة وتمنحنا إشراقاً كل يوم نبتهج من خلاله ببداية جديدة؛ وهكذا هو الفن اشتغاله على الجميل والمبهج في التعبير عن الموقف الفني من الحياة.

التكنيك

في ما يتعلق بالتكنيك فالفنانة حرصت على أن تأتي معالجاتها مختلفة ومتميزة في التعبير عن أفكارها؛ فكان تكنيك (القص والتخييط) مستخدمة في ذلك خيوطا من خامة اللوحة نفسها لتربط بين ضفتي الفراغات الكائنة في اللوحة؛ وهي فراغات تتيح الرؤية للخلف في دلالة على عمق يمكن أن نذهب معه إلى ما هو أبعد من المنظور… ويستهدف هذا التكنيك، في ربطه بين الأشكال، التعبير عن إمكانية أن يكون الاختلاف قناة تواصل، ومن خلاله تكتمل الصورة؛ فالتنوع والاختلاف هو من جوهر الحياة، ولا يمكن تجاوزه، بل يمكن البناء عليه… وهذا هو المشترك في المعرض؛ وهو فكرة الترابط بين الاختلافات وإمكانية رؤية الصورة جميلة من خلال هذه الاختلافات، في حال ترابطت من خلال أقنية تواصل وحوار يُعيد الاعتبار للتنوع والاختلاف.


انطلاقاً مما سبق يمكن الوقوف قليلاً على لوحة الحمائم السود في سماء بيضاء، وهنا ربما قد يتساءل المتلقي: لماذا جاءت الحمامات باللون الأسود بينما الفضاء باللون الأبيض؟ وهي بذلك، ربما، تريد أن تقول لنا من خلال السماء البيضاء أن الأمل في الخلاص من الحرب قائم بمستقبل يحل فيه السلام، لكنها تقول في استخدام حمائم سود إن السلام المنشود الذي يريده اليمنيون ليس ذلك الذي يُروج له، ولن يكون هو الحل لهذه الحرب… وقد فصلت من خلال (القص) بين أشكال الحمائم والواقع، لكنها استخدمت (التخييط) بين الشكلين باعتبارهما لابد أن يكونا جزءاً من بعض ليعبر السلام عن الواقع… أو هكذا تريد أن تقول في قراءة من قراءات متنوعة.
درست ليلى ياسين الأدب الإنكليزي وتعمل مصممة جرافيكس، وبالإضافة إلى معرضها الأول عام 2012 شاركت في عددٍ من المعارض الجماعية.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي