
نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا للمعلق سايمون تيسدال قال فيه إنه من المفترض إنهاء الحرب في غزة، لكن بدون عدالة وحقيقة، فلن تنتهي أبدا. فوقف إطلاق النار الهش لا يزال قائما، لكن ما يحتاج إليه هو محكمة جنائية دولية للحلول والتعويض، وعندها يحل السلام الدائم.
وأضاف أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يصر على أن الحرب قد انتهت “كلا، لم تنته”.
وما حدث هو أن العنف قد انخفض، فقد قتلت إسرائيل 100 فلسطيني وجرحت المئات منذ اتفاق وقف إطلاق النار في 10 تشرين الأول/أكتوبر. ولا تزال القيود على الطعام قائمة وشديدة، ويستمر الاحتلال في غزة والضفة الغربية.
ويخشى الرئيس الأمريكي والمسؤولون معه أن يتراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو والمتواطئين معه عن الاتفاق. وبالمثل تواصل حماس والعناصر المتنافسة معها القتال، وهي لا تنزع سلاحها. ويظل إطار الأمن والحكم والإعمار وغيرها غامضا ونظريا ومحلا للخلاف.
ولم تعالج جذور الحرب وهي حرمان الفلسطينيين من سيادتهم ودولتهم. وحتى يتغير كل هذا، فالحرب ستعود مرة أخرى قريبا أو لاحقا.
وعلينا التظاهر، من أجل النقاش أن ترامب محق في قوله إن الحرب قد انتهت، وإن سلاما جوهريا يبرز بشكل تدريجي من دمار غزة، فماذا سيحدث لاحقا؟
يجب أن تحدث العدالة لاحقا، وكما حدث في ظروف بعد الحروب في أماكن أخرى، فالموتى في فلسطين وإسرائيل لهم ديْن علينا بتحقيق المحاسبة ضد من تسبب في موتهم.
وبحسب الكاتب، فيجب على كل من ارتكب أو ساعد في ارتكاب جرائم بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 دفع ثمن أفعالهم. وعلينا ألا ننسى، فهناك عدد كبير من الضحايا على الجانبين تصرخ معاناتهم للاعتراف بها وتحقيق الحساب والتعويض. ومن أجل تخفيض مخاطر إمكانية عودة القتال، يجب أن تكون هناك محاسبة ونهاية للإفلات من العقاب.
ويجب عدم السماح بإفلات مرتكبي الإبادة الجماعية من العقاب.
ومن الغريب جدا ألا تذكر خطة ترامب المكونة من 20 نقطة -ويزعم أنها ستغير منطقة الشرق الأوسط- أو حتى تتحدث عن طريق لأي نوع من إجراءات عامة وتحقيقات لمرحلة ما بعد الحرب.
ويبدو أن المسؤولين الأوروبيين والعرب والساسة في بريطانيا غير مهتمين بهذه النقطة. فهم على ما يبدو حريصون على وضع ستار على الأحداث المثيرة للعار والتي حدثت خلال العامين الماضيين. وواحد من التفسيرات هو أن هذه الحكومات كانت متواطئة بطرق مختلفة. أما التفسير الثاني، فقد كشفت الحرب عن قلة وضعف تأثيرها، وهو ما استخدمه نتنياهو وبعض قادة اليهود في الشتات للخلط ما بين معاداة السامية الحقيقية، ومشاعر العداء لإسرائيل، والحرب. بل اقترح بعضهم أن النظر إلى أحداث الماضي قد يعرض العملية (عملية المحاسبة للخطر)، وهذا كلام سخيف.
وتكشف محاولات تحقيق العدالة والمصالحة والحقيقة في سيراليون والأرجنتين ورواندا وجنوب إفريقيا وكمبوديا ويوغوسلافيا السابقة، أن العكس يمكن أن يكون صحيحا، فالدروس المستفادة في مثل هذه الأماكن تنسحب على بقية العالم.
ويقول تيسدال إن المحاسبة ضرورية وعاجلة. لذا دعونا نبدأ من الأعلى، فقد وجهت محكمة الجنايات الدولية اتهامات لنتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق، يوآف غالانت، تهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل والتجويع. كما وجهت لائحة اتهام إلى قائد كتائب القسام الراحل، محمد الضيف.
ويقول تيسدال، إنه لأمر مخز أن يظل هذان الهاربان من العدالة طليقين، في إشارة إلى نتنياهو وغالانت. ويجب على إسرائيل تسليمهما، أو مواجهة عقوبات. كما تتطلب أقوال وأفعال شركاء نتنياهو من اليمين المتطرف في زمن الحرب، ولا سيما إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وكبار القادة العسكريين الإسرائيليين، وقادة حماس الناجين، تحقيقا سريعا من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
وعلى نتنياهو أن يواجه العواقب في الداخل أيضا. فرفع الحظر عن لجنة تحقيق مستقلة في الإخفاقات الأمنية التي وقعت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، أمر ضروري.
والآن وقد حل “السلام”، يجب أن تختتم محاكمة نتنياهو بتهم الفساد التي طال تأجيلها بسرعة، وطلب ترامب العفو عنه بحد ذاته، هو فساد عميق.
ويقول الكاتب إن أفعال الجيش الإسرائيلي في غزة صدمت الرأي العام العالمي وأضرت بسمعة إسرائيل بشكل دائم. وقد صدر الحكم العالمي بالفعل: انتهك الجيش الإسرائيلي القانون الإنساني الدولي (بما في ذلك اتفاقيات جنيف) عن علم وبشكل منهجي، وارتكب جرائم حرب بشكل روتيني باستهدافه المتعمد للمدنيين. وإذا كان هذا الحكم غير منصف لما يسميه نتنياهو، بكل جدية، “أكثر الجيوش أخلاقية في العالم”، فإن تحقيقا خارجيا مستقلا قد يبرئ ساحته ويجب على حماس أن تحاسب على جرائمها أيضا.
ومن الصعب تتبع جميع الفظائع، ناهيك عن محاكمة المسؤولين عنها. في آذار/ مارس، أُعدم 15 مسعفا فلسطينيا، وفقا للأمم المتحدة.
وفي نيسان/ أبريل، قتلت المصورة الصحافية فاطمة حسونة وستة من أفراد عائلتها في غارة جوية على منزلهم بمدينة غزة. وفي حزيران/يونيو، أُطلقت النار على مدنيين كانوا يسعون للحصول على مساعدات غذائية في واحدة من حوادث عديدة مماثلة. هذه ثلاث حالات حديثة من جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي، تم اختيارها عشوائيا.
وتقف إسرائيل متهمة من قبل الأمم المتحدة والعديد من الحكومات وجماعات حقوق الإنسان والباحثين القانونيين و”المحاكم الشعبية” غير الرسمية، بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وهو ما تنفيه.
وحسب بعض التعريفات القانونية، فتسليح الغذاء والتهجير القسري، تعتبر “أعمال إبادة جماعية” وهي مستمرة رغم وقف إطلاق النار.
وبعد أن طعنت جنوب أفريقيا ودول أخرى في تصرفات إسرائيل، وجدت محكمة العدل الدولية في كانون الثاني/ يناير، أن هناك خطرا واضحا بإمكانية حدوث إبادة جماعية.
ومع ذلك، قد لا يصدر الحكم النهائي حتى عام 2028. وهذا تأخير غير مقبول، وعلى أي حال، لا تستطيع المحكمة إنفاذ قراراتها.
ويقول تيسدال إن ما نحتاجه الآن بشكل عاجل، هو محكمة جنائية دولية برعاية الأمم المتحدة لقطاع غزة، على غرار تلك التي أنشئت ليوغوسلافيا السابقة ورواندا. ويجب تمكين هذه المحكمة من النظر في جميع جوانب سلوك إسرائيل وحماس في الحرب، وخاصة استخفافهما المشترك بأرواح المدنيين وقتلهم وتعذيبهم وإساءة معاملة الأسرى والمعتقلين.
وينبغي على المحكمة، المكملة للمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، أن تدقق أيضا في عملية صنع القرار السياسي في زمن الحرب، وما إذا كانت أطراف ثالثة مثل الولايات المتحدة وإيران، اللتين ساعدتا وحرَضتا المقاتلين بنشاط، تتقاسمان المسؤولية عن العواقب غير القانونية. ويجب أيضا تقييم مسؤولية دول مثل بريطانيا التي سلحت الجيش الإسرائيلي.
ولبدء هذه العملية، يجب فتح غزة بأكملها فورا أمام محققي الأمم المتحدة والصحافيين الدوليين.
وبالمحصلة، فوجود محكمة دولية تتمتع بسلطة معاقبة الجناة وتعويض الضحايا، هو ترياق أساسي لأهوال غزة التي تهز العالم.
والأمر لا يتعلق بالانتقام، بل بالعدالة والإرادة السياسية. لا يمكن للمحكمة تغيير ما حدث. ومع ذلك، يمكنها المساعدة في ضمان عدم تكراره. حتى يكون هناك محاسبة كاملة ونزيهة فلن تنتهي الحرب أبدا.