أشباح التدخل القديم.. ما الأهداف الحقيقية لحرب ترامب على قوارب المخدرات؟

الامة برس-متابعات:
2025-10-24 | منذ 2 ساعة

الحملة أشعلت جدلا ساخنا في واشنطن، إذ فشل الديمقراطيون في مجلس الشيوخ بفارق ضئيل في تمرير قرار بموجب "قانون صلاحيات الحرب" لوقف العمليات (ا ف ب)واشنطن- في خريف عام 2025 شهدت الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب تحولا لافتا أعاد إلى الأذهان فصولا من تاريخ تدخلات واشنطن في أميركا الجنوبية، بحسب ما نشرته وسائل إعلام أميركية.

ففي غضون أسابيع قليلة نفذت القوات الأميركية سلسلة من الضربات الجوية ضد ما تصفها الإدارة بـ"قوارب المخدرات" في البحر الكاريبي والمحيط الهادي، مما أسفر عن مقتل عشرات الأشخاص.

ووصفت واشنطن تلك العمليات بأنها "حرب استباقية ضد تجار الموت" الذين يتسببون -بحسب ترامب- في مقتل أكثر من 25 ألف أميركي سنويا.

واستحوذت حرب ترامب على المخدرات على اهتمام مجلة فورين بوليسي وصحيفة نيويورك تايمز اللتين نشرتا مقالين تحليلين، الأول للكاتب جون هالتيفانغر أستاذ الاقتصاد في جامعة ميريلاند، والآخر لجميل جعفر المدير التنفيذي لمعهد "نايت للتعديل الأول" المعني بحرية التعبير في جامعة كولومبيا.

الإطاحة بنظام مادورو

وفي تحليله، يشير هالتيفانغر إلى أن هذه العمليات -التي جرى تنفيذها من دون تفويض من الكونغرس أو إشعار مسبق للحلفاء- تمثل خرقا لوعد ترامب الانتخابي بألا يخوض "حروبا جديدة".

ويرى أن الهدف الحقيقي قد لا يقتصر على مكافحة المخدرات، بل يتصل برغبة قديمة لدى الرئيس ووزير خارجيته ماركو روبيو في الإطاحة بنظام الرئيس نيكولاس مادورو في فنزويلا، فواشنطن تعتبر الحكومة الاشتراكية في كراكاس مصدرا لزعزعة الاستقرار في المنطقة ورمزا لتحدي النفوذ الأميركي في نصف الكرة الغربي.

ويضيف هالتيفانغر أن الضربات البحرية جاءت في لحظة حساسة سياسيا، إذ تواجه إدارة ترامب انتقادات داخلية بشأن أدائها الاقتصادي وملفات الفساد، لذلك يُحتمل أن تكون الحملة "محاولة لتحويل الأنظار وإظهار الحزم الخارجي" حتى لو كان الثمن تصعيدا عسكريا غير معلن.

لكن الكاتب يرى أن الحملة أشعلت جدلا ساخنا في واشنطن، إذ فشل الديمقراطيون في مجلس الشيوخ بفارق ضئيل في تمرير قرار بموجب "قانون صلاحيات الحرب" لوقف العمليات، في حين وصفت منظمات حقوقية -من بينها فريق من محققي الأمم المتحدة– الهجمات بأنها عمليات قتل خارج القانون.

غطاء قانوني

ويواصل الصحفي تحليله مبينا أن ترامب يستند في تبرير عملياته إلى المادة الثانية من الدستور الأميركي التي تمنح الرئيس سلطة حماية الأمن القومي، موضحا أن عصابات المخدرات في أميركا اللاتينية -التي صنفتها إدارته منظمات إرهابية- تمثل تهديدا على البلاد.

لكن هالتيفانغر يوضح أن الكونغرس لم يعلن حالة الحرب ضد تلك العصابات، كما أن القانون الدولي لا يعترف بأن تجارة المخدرات تُعد هجوما مسلحا يبرر استخدام القوة المميتة.

ووفق الكاتب، فإن فنزويلا ليست مصدرا رئيسيا لمادة الفنتانيل المخدرة التي تفتك بالأميركيين، وإن الضربات الجوية في البحر الكاريبي عديمة القيمة الإستراتيجية في سياق مكافحة المخدرات.

ويبين أستاذ الاقتصاد في تحليله أن تدمير القوارب من الجو بدلا من اعتراضها عبر خفر السواحل كما هو معتاد يؤدي إلى طمس الأدلة تماما، مما يغذي الشكوك بأن الحملة تخدم أهدافا جيوسياسية أكثر منها قانونية.

ويستشهد في مقاله بتصريح لفاندا فيلباب براون من معهد بروكينغز بأن هذا "الفراغ القانوني" قد يمهد لتوسيع استخدام القوة العسكرية بذريعة مكافحة المخدرات حتى داخل الأراضي الأميركية.

كما يرى كينيث روبرتس أستاذ العلوم السياسية في جامعة كورنيل أن ترامب بمزجه بين "الإرهاب والمخدرات" قد دمج منطق الحرب على الإرهاب في الحرب على المخدرات، مانحا نفسه صلاحيات شبه مطلقة متجاوزا الكونغرس والرقابة القضائية.

أشباح التدخل القديم

ويعرّج هالتيفانغر لتحليل حملة ترامب هذه من زاوية بُعدها الجيوسياسي الأوسع، مذكرا بتاريخ التدخل الأميركي في أميركا اللاتينية تحت ذرائع شتى مثل مكافحة الشيوعية أو الإرهاب أو المخدرات، لافتا إلى أن لغة الرئيس وأسلوبه يعيدان إحياء عقيدة مونرو التي تعتبر نصف الكرة الغربي مجال نفوذ أميركي حصري.

ويعتبر هالتيفانغر أن هذا التفكير المتجذر في ذهنية الحرب الباردة قد يشعل التوتر مع دول المنطقة ويفتح الباب أمام نفوذ قوى منافسة، مثل الصين التي تعزز حضورها الاقتصادي والدبلوماسي هناك.

ويزعم أن تداعيات هذه النظرة بدأت تظهر بالفعل، مشيرا إلى حادثة مقتل صياد كولومبي خلال إحدى الضربات في سبتمبر/أيلول الماضي التي تسببت بأزمة دبلوماسية بعدما رد ترامب باتهام الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو بأنه "زعيم مخدرات غير شرعي".

وفي تقدير الكاتب أن مثل هذه الحوادث تقوض التحالفات التقليدية وتهز صورة الولايات المتحدة كمدافع عن القانون الدولي.

سرية المذكرات القانونية

وفي مقاله التحليلي بصحيفة نيويورك تايمز يتناول الحقوقي جميل جعفر البعد القانوني لحملة ترامب على المخدرات، كاشفا أن مكتب الاستشارات القانونية في وزارة العدل الأميركية أصدر رأيا سريا يعتبر الضربات ضد قوارب المخدرات قانونية، لكن مضمون هذا الرأي لم يُكشف للرأي العام.

ويرى جعفر أن هذا التكتم يعيد إنتاج مناخ ما بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة حين استخدم البيت الأبيض مذكرات مماثلة لتبرير التعذيب والتنصت والاغتيالات المستهدفة بذريعة الأمن القومي.

ويعيد الكاتب إلى الأذهان أن المكتب نفسه هو من منح الرئيس جورج بوش الابن غطاء قانونيا لبرامج التعذيب في سجون وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، كما أقر للرئيس باراك أوباما بجواز قتل مواطنين أميركيين يشتبه في صلتهم بالإرهاب دون محاكمة.

تلك المذكرات لم تُكشف -بحسب مقال نيويورك تايمز- إلا بعد معارك قضائية طويلة، ليتبين لاحقا أنها كانت قائمة على تأويلات متطرفة للقانون والدستور.

محك

ويؤكد جعفر أن الخطر الحقيقي لا يكمن في العمليات العسكرية بحد ذاتها، بل في تركيز السلطة التنفيذية بيد الرئيس تحت غطاء الأمن القومي، فبشن عمليات مميتة دون شفافية أو رقابة أو أدلة تتجاوز إدارة ترامب الضوابط الدستورية التي تضمن التوازن بين السلطات.

ويطالب المحاكم الأميركية بإجبار وزارة العدل على نشر المذكرة القانونية فورا، قبل أن تتحول إلى مجرد أثر تاريخي بدلا من أداة مساءلة.

ويقول إن استمرار هذا النمط من السرية "يُفسد الديمقراطية الأميركية" ويجعل من السلطة التنفيذية كيانا فوق القانون.

ويخلص كل من هالتيفانغر وجعفر إلى أن ما يحدث يمثل تداخلا خطيرا بين القوة العسكرية والسرية القانونية، فالحملة البحرية -سواء كانت موجهة ضد مهربي المخدرات أو ضد نظام مادورو- تجسد تحولا مقلقا في السياسة الأميركية تتجلى في حرب بلا إعلان، وعدالة بلا محاكمة، وقانون يُفصّل على مقاس السلطة لا لردعها.

وتحذر فيلباب براون الباحثة في معهد بروكينغز من أن مثل هذه العمليات لن تقلص حجم تجارة المخدرات بقدر ما تعيد تشكيل مفهوم الحرب ذاته، جاعلة من الفضاء البحري مسرحا لصراع سياسي مقنّع بعباءة أخلاقية.










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي