انطلاق رحلة تحويل محطة تاريخية للقطارات في اسطنبول مركزا فنيا

أ ف ب-الامة برس
2025-09-04

صورة التقطت في 22 آب/أغسطس 2025 في مدينة إسطنبول التركية، يبدو فيها موقع حفريات أثرية ومسارات للسكك الحديد، وفي الخلفية محطة "حيدر باشا" للقطارات (أ ف ب)عملت سيناي كارتال نحو 40 عاما بين هدير القطارات وصخب الركاب في محطة "حيدر باشا" للسكك الحديد التي تُعَدّ من الأقدم بين مثيلاتها في تركيا وتقع على الضفة الآسيوية لمضيق البوسفور.

كان المسافرون من الأناضول يصعدون درجات سلالمها الرخامية، حاملين حقائبهم، منبهرين بضخامة هذا الصرح الذي خلّدته أفلام عدة، ومنه كان ينطلق من إسطنبول إلى دمشق وبغداد قطار طوروس السريع، امتداد قطار الشرق السريع.

لكنّ مسارات "حيدر باشا" صمتت منذ عام 2013، وتوقفت الحركة عليها، إذ تولّت وزارة الثقافة التركية إدارة المبنى بغية تحويله مركزا فنيا.

إلاّ أنّ سيناي كارتال، المتقاعدة البالغة 61 عاما، ترى أن المبنى ذا الطراز المعماري الكلاسيكي الحديث والذي افتُتح عام 1908 على ضفاف النهر، يجب أن يبقى محطة للقطارات.

وتروي أن "الركاب الآتين من الأناضول كانوا يستطيعون قضاء الليل في قاعات الانتظار، ولم يكونوا بحاجة إلى فندق".

وتتذكر بحسرة أنه "كان مكانا رائعا، مفعما بالحيوية والنشاط، لكنّ هذا الجمال اختفى"، مشيرة إلى أن مبنى المحطة الضخم مرّ بمحطات تاريخية ولم يتوقف، بل تابع مسيرته، إذ كان شاهدا على انهيار الإمبراطورية العثمانية، والحرب العالمية الأولى، وانقلابات، وأتى عليه حريق جزئيا أواخر عام 2010.

- ترحيل الأرمن وهجرة الأرياف -

وتذكّر عالمة الاجتماع والمتخصصة في تاريخ "حيدر باشا" عائشة يوكسل أن محطة القطار التي رُحِّل عبرها الأرمن عام 1915، شهدت بعد ذلك "تدفق المهاجرين من الأرياف التركية إلى إسطنبول".

وتُلاحِظ أن "لها مكانة خاصة في ذاكرة من شهدوا هذه الهجرة، وهم موجودون في الأدب والفن والسينما".

لا تزال المحطة قائمة، وواجهتها سليمة تقريبا بعد سنوات عدة من الأشغال، وكل ما تحتاجه للعودة إلى الحياة هو القطارات.

ففي عام 2013، أُغلِقَت المحطة، في البداية للترميم، ثم كشفت الحفريات الجارية عن عناصر تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد.

وفي عام 2024، وُضعت المحطة تحت إدارة وزارة الثقافة، ومن المقرر اكتمال المرحلة الأولى من مركز الثقافة والفنون المُستقبلي بحلول سنة 2026.

ويستلزم المشروع إفراغ المبنى، ويضم جزء منه موظفي السكك الحديد الذين طُلِب منهم إخلاء المكان.

ويقول سائق القطارات حسن بكتاش، وهو عضو في "منصة حيدر باشا"، وهي تجمع يضمّ أكاديميين وخبراء في التخطيط المدني وموظفين معارضين للمشروع "إنه ليس مجرد مبنى، بل هو كل شيء بالنسبة لنا".

ويلاحظ بكتاش أن موقع المحطة المُطل على مضيق البوسفور، يُثير شهية المستثمرين.

ويُضيف غاضبا "هدفهم واحد دائما، وهو جني الأرباح من كل مكان جميل. الإقلال من قيمته في البداية ثم استغلاله". ويرى أن "المصلحة العامة لم تُؤخذ إطلاقا في الاعتبار".

- "رمز عالمي" -

إلا أن وزير الثقافة نوري إرسوي تعهّد في تشرين الأول/أكتوبر 2024  إبقاء المحطة مفتوحة بقوله إن محطتَي "حيدر باشا" و"سيركي" (نظيرتها على الجانب الأوروبي) ستضمّان "قطارات ومركزا ثقافيا وحديقة عامة. ولكن لن يكون فيهما مركز تسوق ولا فندق".

وطُرِحَت مشاريع جريئة في مطلع الألفية الثانية، من بينها سبع ناطحات سحاب، ومركز تجارة عالمي، وملعب أولمبي، وسواها، إلاّ أن "أحدا لم يُكافح قط للحفاظ على (المحطة) في شكلها الأصلي، رغم كونها رمزا عالميا شهيرا"، بحسب حسن بكتاش.

كل يوم أحد منذ عام 2012، يتجمع المتظاهرون بالقرب من المبنى، وهم يهتفون "+حيدر باشا+ محطة قطارات ويجب أن تبقى كذلك".

 ومع أن نهير غونر كانت طفلة عندما أُقفِلَت المحطة، وكانت تكتفي بمراقبتها من العبّارة التي تقلها إلى الجامعة، لم تتردد الطالبة البالغة 22 عاما في الانضمام إلى المتظاهرين من أجل هذا الصرح.

وترى أن "مشروع مركز الفنون هو لمجرد الاستعراض، (...) وما مِن هدف حقيقي وراءه".

وفي نظر المهندسة المعمارية غول كوكسال أن "حيدر باشا" كانت أكثر من مجرّد محطة قطار، بمساكنها وورش الصيانة فيها ومينائها.

وتَصِفُها بأنها "جوهرة، لكن لا معنى لها إلا إذا حوفِظ عليها وأُبقيِت على قيد الحياة، بكل ما يُكوّنها".

 









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي