الحياة في السجن بعيدا عن الأبناء.. معاناة مضاعفة تعمق شعور الذنب

أ ف ب-الامة برس
2025-09-03

أطفال يزورون والدهم في غرفة الزيارة في سجن بوميت بمدينة مرسيليا الفرنسية في 13 شباط/فبراير 2021 (أ ف ب)همست الطفلة ذات السنوات السبع لوالدها عندما قابلته للمرة الأولى في السجن بعد عام من وجوده وراء القضبان "أبي، ظننتك ميتا"، فمثل نصف السجناء تقريبا في فرنسا، كَبر أطفال ياسين بعيدا عنه. 

يقول الرجل البالغ 56 عاما والذي سُجن في فرنسا عام 2006 لمدة ثلاث سنوات "فضّلتُ الكذب والقول إنني مسافر، لكنني أدركتُ أن ذلك ليس الحل الأمثل. بدأت ابنتي تُصاب بالإكزيما والتوتر، ثم توقفت عن الدراسة".

وبحسب المرصد الدولي للسجون (IPO) بالاستناد إلى أرقام من وزارة العدل، أفاد 44% من السجناء الذكور في فرنسا بأن لديهم طفلا واحدا على الأقل في الأول من أيلول/سبتمبر 2023. ووفق المرصد، وهي جمعية تُدافع عن حقوق السجناء، فإن أكثر من 95 ألف طفل لديهم آباء مسجونون، وأكثر من 3300 طفل لديهم أمهات مسجونات.

ويرى باسكال رومان، أستاذ علم النفس السريري ومؤلف كتاب "كيف تكون أبا وأما في السجن"، أن هذا الوضع يُظهر "العوائق أمام التربية"، أي عندما يدفع العار والشعور بالذنب السجناء إلى إبعاد أنفسهم عن دورهم الأبوي.

غالبا ما يُنظر إلى المعتقل على أنه "فقد شرعيته في ممارسة دوره الأبوي بسبب أفعاله الخارجة عن القانون"، بحسب الخبير الذي يرى أن خطر انهيار العلاقة يزداد بسبب بُعد المسافة وقلة الزيارات و"عدم معرفة المرء بحقوقه".

مع ذلك، تؤكد ماري دوريس، المشاركة في تأليف الكتاب، أن "مجرد حرمانك من حريتك لا يعني حرمانك من حقوقك". لكن هناك عقبات تحول دون الحفاظ على علاقة السجين مع أطفاله، أهمها موقف الوالد الآخر، وفق هذه الخبيرة في قانون الأسرة. بالنسبة للسجين، يشكل الحفاظ على هذه الصلة مع الشريك الموجود خارج السجن أمرا بالغ الأهمية للحفاظ على علاقة مستقرة مع أطفاله.

وفيما يحاول تجنب تذكر تلك "اللحظات المروعة" في السجن، يوضح ياسين "لم أكن أعلق صور أطفالي أبدا على جدران الزنزانة. رؤيتهم ثم إدراك أنهم ليسوا موجودين بجانبي أمر قاس للغاية".

بعد إطلاق سراحه عام 2015، بعد خمس سنوات إضافية أمضاها في السجن، قرر ياسين مساعدة السجناء السابقين بطريقته الخاصة. فمنذ ثلاث سنوات، يعمل مدربا في "وايك أب كافيه"، وهي منظمة تأسست عام 2014 تدعم السجناء السابقين وتساعدهم على إعادة الاندماج في سوق العمل.

- "مثل الغريب" -

بعد الخروج من السجن، تستغرق إعادة التواصل مع الأبناء وقتا... فالوالد تغيّر، وكبر الطفل، وعلى كل منهما أن يجد مكانه الجديد.

تتطلب إعادة البناء هذه الكثير من الصبر والنقاش والدعم من العائلة والأصدقاء والمنظمات لاستعادة رابط يكون هشّا أحيانا.

يتذكر كريستيان البالغ 46 عاما والذي أمضى أيضا أحكاما عدة بالسجن "بدأ ينساني؛ كنتُ مثل الغريب بالنسبة لابني". ويأسف بشدة لأن السجن فوّت عليه فرصة عيش "لحظات معينة"، ولأنه "فوّت الكلمات الأولى والخطوات الأولى (لطفله) لأنّ هناك أمورا، بمجرد انتهائها، لا يمكن استعادتها".

مثل ياسين، كان كريستيان يخشى أن يدرك ابنه الصغير أن والده مسجون.

يضيف كريستيان "لهذا السبب حاولتُ عبر الهاتف أن أريه وجهي، حاولتُ التحدث إليه. لقد أنقذني ذلك، لأن الزيارات في غرفة الزيارة لم تكن كافية".

تؤكد دومينيك سيمونو، المفتشة العامة في أماكن حجز الحرية، أنها تتفهم هذا الخيار. وتقول "من غير المريح استقبال الأطفال في هذه الظروف؛ (فالسجون) سيئة التصميم وكئيبة للغاية".

بالنسبة للسجينات، غالبا ما يكون الوضع أكثر صعوبة. وكما تشير سيمونو، هناك "ظلمٌ تام لأن النساء يتلقين زيارات قليلة جدا"، إذ إن الآباء عموما أقل استعدادا للمجيء إلى غرف الزيارة مقارنة بالأمهات. وهذا غالبا ما يؤدي إلى انهيار العلاقة مع الأبناء.

لذا، ترى المعلّقة السابقة المتخصصة في القضايا الجنائية أن حيازة الهواتف المحمولة في السجن، رغم كون ذلك محظورا قانونا، يُعدّ بديلا "منطقيا"، نظرا لأن تكلفة المكالمات من الخطوط الأرضية داخل السجن "أعلى بـ 11 مرة" من خارجه.









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي